السادس من أكتوبر هو يوم مولد إسراء ذات العشر سنين -ابنة أختي الكبرى-، وقد كنت قد وعدتها أن أقوم بتجهيز يوم خاص لأطفال العائلة بهذه المناسبة.
جعلت أفكر كيف يمكنني ابتكار برنامج متميز ومبهج للأطفال في ذلك اليوم، وقمت بالاتصال بروضة (أخت إسراء الصغرى ذات السبع سنوات) لأرتب معها ما سنعمله مع وعود مغلظة منها بالاحتفاظ بالأمر سراً بيننا، (وكانت هذه تضحية كبيرة بالنسبة لروضة التي تهوى نشر الأخبار على الهواء مباشرة كأفضل مراسلة إخبارية)، وبالفعل قمت بإعداد الزينة اللازمة وحلويات الحفل وبعض الألعاب والهدايا البسيطة للأطفال، لكنني تنبهت أن ذلك اليوم سيوافق ذكرى حرب العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر والتي كنا نتحدث أن التناول الإعلامي لهذه المناسبة يضعف بشكل ملحوظ.
وهنا سطعت برأسي فكرة لعمل فقرة متميزة للأطفال خلال الحفل.
فقرة، حكايات....
فخالي ووالدي -حفظهما الله- كانا ممن شهد حرب أكتوبر وشارك فيها، كما أن والدتي وبعض قريباتي كنّ ممن عاشوا هذه الفترة وشهدوا وقائعها.
وكنت مسافرة مرة مع خالي العزيز وتطرق الحديث إلى حرب أكتوبر فجعل يحكي لي عن ذكرياته المفعمة بمشاعر العزة والحماسة والقوة وحب الوطن، حكى لي عن زملائه في الكتيبة ونوادرهم المضحكة التي كانت تطلق ضحكاتهم رغم أصوات طائرات "العدو الصهيوني" التي كانت تحلق فوق خندقهم.
حكى لي عن هتاف التكبير الذي كانوا يطلقونه في فرح والأحضان التي كانوا يتبادلونها حينما تسقط طائرة "للعدو"، وكلمة "العدو الصهيوني" هذه كانت لها وقع غريب في نفسي، هل اختفت هذه اللفظة من وسائل إعلامنا هذه الأيام أم أنني أتوهم؟
حكى لي عن مزاحهم مع بعضهم وهم يقولون: "يللا يا جماعة نتقابل في الجنة بقى"
حكى لي عن الدبابة الحربية التي أصابها العطب، فجعل يبتكر (وهو مهندس) طرقاً لاكتشاف المشكلة وحلها بالمواد المتاحة حتى استطاع إصلاحها.
حكى عن الجندي الذي رآه بعينيه يرابط على مدفعه وأصابته قذيفة النابالم الغادرة فاشتعل مع المدفع في لحظات دون أن يحاول الهرب أو مغادرة الموقع.
حكى وحكى بحماس وعاطفة، وتتخلل كلمة "مصر" التي يقولها بانفعال محب، و"العدو" التي يقولها بعزة وتحدٍ جمله وحكاياته فتهز وجداني.
وقررت أن نحفظ هذه الذكريات في ذاكرة الأجيال، فاتفقت معه ومع والدي أن يقدما فقرة من الحكايات حول ذكرياتهم مع حرب أكتوبر للأطفال بشكل يحكي لهم قصة تلك الحرب العظيمة.
وبالفعل، وبعد أن أنهينا فقرات اللعب وأكل الحلوى، تحلّق الأطفال حول خالي ووالدي وبدؤوا يستمعون للحكاية.
وإمعاناً في إيصال الجدية للأطفال طلبت من أحدهم أن يمسك بجهاز التسجيل الصغير ليسجل الحديث كاملاً.
وكان الأطفال يستمعون بإنصات واهتمام غريبين.
ولم يمنع ذلك من أن تتخلل الحديث تساؤلاتهم البسيطة بل وربما المضحكة مثل سؤال أحدهم حينما كان خالي يحكي عن شكل الخندق الذي كانوا يعيشون فيه.
فقال الطفل مقاطعاً: طيب يا خالو لما كنتم تحتاجون دخول الحمام ماذا كنتم تفعلون؟!!
فأجابه خالي ضاحكاً: كانت أمامنا الصحراء واسعة يا صغيري. فضحك الجميع
وخلال الحكاية كان الأطفال يقاطعون الحكاية ليقول أحدهم وعيناه تسرحان في البعيد، "عندما أكبر سأكون مهندساً مثلك يا خالو وسأخترع طائرة قوية جداً"، وبالطبع لم تفوت الأم هذه الفرصة لتقوم بدورها قائلة: إذن عليك أن تذاكر جيداً لتستطيع أن تصبح مهندساً.
وسألت طفلة أخرى قائلة: ألم تكونوا خائفين؟
فكان يجيبها بحماس وكأنه يعيش لحظة المعركة، لا لم نكن فقد كنا نعلم أننا أقوى منهم كما أننا إذا استشهدنا سنذهب إلى الجنة.
وتخللت الحكاية تعليقات أمي والأخريات حول الجو النفسي المرتفع المعنويات لأسر الجنود على الجبهة؛
ومضى الوقت، ولم يتحرك الأطفال من حول الخال الذي يحكي، حتى اضطررنا مع تأخر الوقت أن نتوقف عن الحكاية مع وعد لهم بأن نتابع القصة في التجمع العائلي القادم، وأن نقوم بزيارة "بانوراما أكتوبر" ليشاهدوا معالم أكثر لهذه الذكريات.
وحكت لي ابنة خالتي بعدها أن محمداً ابنها عاد من المدرسة بعد يومين ليحكي لها أن مدرس الرسم طلب منهم رسم موضوع عن حرب أكتوبر فرسم خالي وزملاءه.
النتيجة التي رأيتها على وجوه الأطفال جعلتني أفكر في ضرورة التقاء الأجيال وتبادلهم الخبرات والحكايات، لنحفظ التاريخ في نفوس أطفالنا.
تحياتي
اقرأ أيضاً:
أحلام..... مشروعة / خواطر الرحلة: المَلِك / في يوم وقفة الحجيج