قرية المريس تقع في الأقصر، موقع عبقري على النيل يشرح القلب، مزروعة مانجو، تطرح مرتين في السنة، تين، وبلح وذرة، وقمح. أهلها ملاك وليسوا أجراء، عاشوا فيها وارثين أرضهم أبا عن جد. وفي يوم فوجئوا بقرار من السيد رئيس الوزراء بنزع ملكية خمسمائة فدان علي طول النيل، بحجة قال إيه المنفعة العامة، إللي هي إيه؟ إللي هي إقامة مارينا، يعني مرسى للبواخر السياحية، منفعة عامة، وبرضه مشروع استثماري، وأهو كله منفعة! كنت هناك منذ بضعة أيام، تحديدا في يوم مباراة مصر والجزائر في السودان. يومها شفت القهر والذل والامتهان بحقيقي في عيون الفلاحين وحسيت إن أنا جوا فيلم الأرض!
أخاطبك يا أستاذي العزيز الدكتور سمير فرج وأنت تعلم كم أقدرك وأحترمك منذ سنوات طويلة، أيام عملت معك في الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، أخاطبك وأنت رئيس مدينة الأقصر. قلت لي في حديث إذاعي عندما كلمتك عن هذه القرية إنه لم يعد هناك أراض خصبة بعد السد العالي! كان هذا ردك على سؤالي الموجوع عن السبب وراء رغبة الدولة في تبوير وتدمير أرض زراعية من أجود الأراضي. استغربت كلامك بعدما رأيت بعيني ما رأيت، إذا لم تكن هذه هي الخصوبة بعينها فما هي إذن؟
قال لي أهل المريس إن أحدا لم يكلف نفسه حتى مخاطبتهم أو الكلام معهم وكأنهم من جملة الدواب الموجودة على الأرض، قالوا لي أيضا إنه لو كان مشروعا بقيمة السد العالي أو مشروعا قوميا بحق فيه مصلحة مصر كلها فنحن نرضى أن تغرق أراضينا وأن نضحي ببيوتنا ونسكن الصحراء كما حدث للنوبة في الستينيات. ولكن، مرسى للبواخر السياحية؟ وفي ظل حاجة المصريين الماسة لكل شبر يمكن زراعته؟ وبعد كل المال الذي هلك في توشكى من أجل استصلاح أراض صحراوية، ثم يبورون أراض مملوءة بالخير منذ آلاف السنين وبدون تكلفة مليم واحد للإصلاح.. سجلت بالصوت والصورة بالكاميرا مع المواطنين.. سألتني المخرجة الفرنسية.. "هذا فساد واضح، معناه أن هناك شخصا يملأ جيوبه بالمال، من تتهمين؟" رددت، لا أريد أن أقطع الأمل عله عندما يصل صوتي للعالم وللدكتور سمير أيضا قد ننجح في إيقاف هذه المذبحة وإنقاذ ضحاياها من آلاف الأسر المصرية، تأملت وأنا واقفة علي شط النيل البديع كيف أن هؤلاء الناس المصريين ولدوا في هذا المكان الجميل وعاشوا فيه، فلماذا تستكثر الحكومة عليهم البقاء في أماكنهم؟
سمعتك يا سيادة رئيس مصر تقول إنك لا تقبل أن يمتهن مصري واحد، وها هم هؤلاء يتم امتهانهم دون مباريات، ودون كرة قدم، وبدون أي جزائريين، يمتهنون هنا في قرية المريس، فماذا أنت فاعل يا سيادة الرئيس..؟
اقرأ أيضاً:
مصر لما بتفرح/ المرسى والمريس