لكم الله يا أهل غزة... رأيناكم تذبحون ولم نتحرك، ونراكم محاصرون ولن نتحرك، لك الله يا قدس كم طال بك الأسر ولم نتحرك، لك الله يا أقصى كم دنسك اليهود ولم نتحرك، لك الله يا عراق، ويا أفغانستان، ويا صومال، ويا كشمير، ويا شيشان، ويا باكستان، وتركستان، ويا فطاني، ويا بوسنة، كم رأيناكم ونراكم في الأسر ولم نتحرك... يكفي الأمة أنها هبت لنصرة مقاتليها في ساحة الساحرة المستديرة، قامت ولم تقعد من أجل مباراة لكرة القدم.
ترى كيف ينظر المستضعفون إلينا، وقد كنا أعجز ما نكون عن نصرتهم وما زلنا، كيف يشعرون تجاهنا ونحن نبذل الغالي والنفيس من أجل نيل اللقب، ونحن نتقاتل من أجل الكرة، مع الاعتذار لكتائب المهووسين... إإلى هذا الحد وصل الحال بالأمة، تُجيش الطاقات خلف نصر موهوم، كالسراب لا يكاد يبدو حتى يتلاشى، ولم تكتف بكل هذه الأموال المهدرة والطاقات التي وظفتها في لاشيء والأوقات التي ضيعتها سدى، حتى شرع بعضها يستعدي بعضا.
قاتل الله الكرة وقاتل مهووسوها، كم تفرق بين الأشقاء، وكم تجيش النفوس وتتسبب في العداء... ظننت أنهم يتحدثون عن إسرائيل لا عن الجزائر الشقيق، لم يبق إلا أن يطالبوا بإعلان الحرب ردا على ما تعرض له المشجعون المصريون في السودان، هكذا بدى لعدد من الإعلاميين المصريين وهم يعلقون على ما جرى بعد إنتهاء المباراة الموعودة، حتى طالب رئيس تحرير صحيفة (مستقلة) بمعاقبة كل الجزائر على ما جرى.
لا يمكن لأحد أن يقبل بما جرى في السودان من بلطجة واعتداء وتحرش بالمشجعين المصريين على أيدي الأخوة الجزائريين، والحال نفسه بالنسبة للمصريين المقيمين في الجزائر، أو أي إهانة يمكن أن توجه لجزائري مقيم في مصر، أو بما يجري على شاشات التلفزة وصفحات الصحف من شتائم ومهاترات من الجانبين.. لكن ليس معنى حدوث مثل هذه التجاوزات أن يستعذب هذا الاستعداء المفزع بين الشعبين وهذا التجييش الإعلامي غير المسئول والمشين.
تعددت المطالب من طرد السفير الجزائري وطرد الجزائريين المقيمين في مصر حتى وقف الاستثمارات المصرية هناك وسحب الشركات، وقد وجد الإعلام في المسألة مساحات من الترويج ينبغي له استثمارها فلم يقصر في صب الزيت على النار.
الأنظمة الحاكمة هي الأخرى لم تفوت الفرصة، في كلا البلدين، فبينما وجد نجلا رئيس الجمهورية الشقيقين جمال وعلاء مبارك في المسألة وسيلة مناسبة لإظهار التعاطف مع المشجعين الذين ذهبوا إلى السودان دون أدنى استعداد حكومي، لم يفوت نظام بوتفليقة المناسبة لإظهاره السعادة والحفاوة باللاعبين في هذا الجو الذي يتابعهم فيها شعب الجزائر من أقصاها إلى أقصاها، بوتفليقة أرسل ساعده الأيمن عبد العزيز بلخادم لاستقبال العائدين من السودان في المطار، ولم يكتف بذلك بل أعلن الخميس ـ يوم الاستقبال ـ إجازة قومية مدفوعة الأجر حتى يتسنى للشعب أن يحتفل بفريقه المتوج بالنصر... أراني مقتنع تماما بكل ما يقال حول فوائد يجنيها حكام القهر من مثل هذه الأحداث، ولما لا هم ضالعون في كل ما يجري وأجهزتهم الإعلامية لاعب رئيسي في معركة الفتنة.
منذ اللحظة الأولى التي شرع فيها المتقاتلون (أقصد الغوغاء من الجانبين) يتوعدون بعضهم البعض كان الخلل في اهتمامات الأمة وأولوياتها واضحا، فالأمة التي لم تحرك ساكنا عندما اقتحم اليهود المسجد الأقصى ها هي تتقاتل على مباراة لكرة القدم، الأمة التي يرتع على ترابها المحتل الأجنبي من مشرقها إلى مغربها يشحذ الأشقاء فيها الهمم للتقاتل على الكرة من أجل الوصول لمونديال كأس العالم... هذا الخلل كافيا لأن يتحرك له عقلاء الأمة فيتداركون ما يجري بين أبنائها، هناك قضايا تكاد تعصف بمستقبل الأجيال هي أحوج لهذه الطاقات: ثغور محتلة، وعدو متربص، واستبداد جاسم على الصدور، وحرمات منتهكة.
واقرأ أيضاً:
مصيبة الأزهر وشيخ السوء / مصر كلها الآن محبطة كيف الجزائر؟/ هزمنا جميعا قبل أن تبدأ المباراة/ مصر كلها الآن ترقص كيف الجزائر؟ / لا مصر ولا الجزائر يستحقان... / ليلة رأس السنة.. صلاة وقرآن ومناجاة