كما تعودت في كل عام، حرصت في ذلك اليوم الكريم أن أفتح التلفاز بعد أدائي لصلاة الفجر، لأتابع ذلك المشهد المهيب والفريد لتوافد الحجيج إلى عرفات.
وفي كل عام يثير ذلك المنظر مشاعري ويهتز له قلبي وتثور له خواطري.
"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"(الحج:27)
كم هو مهيب ورائع منظر الحجيج وهم يستجيبون لأذان إبراهيم عليه السلام، ويتوافدون من كل فج عميق، مشاة وراكبين ومنهم من اعتلى سقف الباصات، نساء، رجال، شيوخ، بل وأطفال كلهم يقصدون مقصدا واحدا، ونشيدهم واحد: "لبيك اللهم لبيك"
وجوه متنوعة، هذا أسود من جنوب أفريقيا، وبجواره أصفر من شرق آسيا، وثالث أبيض من أوروبا هذا سمين الجسم وذلك هزيل، شيخ ناهز السبعين، وشاب في عنفوان شبابه، عجوز تتحرك بصعوبة وفتاة تسير بخفة ونشاط، طفل تعلو وجهه البراءة يتلفت يرقب الوجوه من حوله، أم تهرول باطفالها لتلحق بالركب، ورجال يسيرون بسير حثيث.
نسمع الهتاف "لبيك اللهم لبيك" بكل لهجات العالم، وأستمتع بسماع غير الناطقين بالعربية وهو يحاولون تهجئة النشيد بصعوبة،..... والآية تتردد في نفسي: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"(هود:118)
ورغم اختلاف اللغة والمشارب والثقافات والعقول والقناعات، إلا أن الجميع يلتزم بنفس القواعد، يتحركون في نفس التوقيت، يلبسون نفس الملابس، يمتنعون عن نفس الأمور، ويهتفون جميعا بكل لهجات الدنيا "لبيك"
وقلت في نفسي، من من ملوك أو عظماء الدنيا يمكنه أن يوحد أداء كل هؤلاء "المختلفين" إلا الملك عز وجل
كل عام وأنتم وكل المجانين بخير.
اقرأ أيضاً:
الحج موسم عالمي / دمعة المحرومين من الحج / في يوم السادس من أكتوبر / المسلمون الروس والحج في نهاية القرن الـ19 / خواطر حول الرحلة