الدور
كما قلت من قبل أنني وخلال سيري في تلك البلاد تملكتني مشاعر شتى لكن سؤالا مهما لم يفارقني مع كل إيجابية رأيتها هناك، سؤال ظل يتردد بداخلي بشدة وهو: ماذا أفعل؟ ما هو دوري لتغيير واقع مجتمعاتنا وبلادنا؟ كنت أستغرق وقتا كبيرا في المشاهدة ومحاولة فهم أين المشكلة وكيف الحل لأنني لست من هواة برامج (التوك شو) (وأعتذر لعدم معرفتي بالترجمة العربية للاسم) التي انتشرت في إعلامنا والتي تشعرنا أنها تناقش كل قضايا أمتنا بكل شفافية ووضوح ويشبعون بداخلنا شهوة الحديث أو (الفضفضة) فيستضيفون الدكتور فلان والخبير علان الذي يسهب في "وصف" المشكلة حتى نصل لذروة الشعور بها، ثم نجد الخبير المفوه حينما نتساءل عن الحلول نجده ينتفش في جلسته ويقطب جبينه ويحدثنا عن "ضرورة مطالبة الحكومات بإصلاح منظومة التعليم، وإصلاح منظومة الإعلام وإصلاح كل المنظومات الممكنة"، ثم نغلق التلفاز ونحن نزفر في راحة ونشعر أننا حللنا كل المشاكل، بينما في الحقيقة لا أجد السيد الخبير يقول لنا إلا أنه "ليس بالإمكان أبدع مما كان"، لكنني في خلال جولتي في أمريكا وكندا كان سؤالي الأول مع كل صورة تمنيتها تحدث في بلادي هو: ماذا يجب علي أن أفعل؟ وبالفعل عاهدت نفسي على عدد من الأمور أبدأ بها مشروعي الشخصي في الإصلاح دون انتظار إصلاح الحكومة لمنظومات حياتنا..... فتوصيف أدوار الآخرين ومسئولياتهم في حل مشكلاتنا هو أمر سهل ومريح، لكن توصيف أدوارنا نحن في تحمل مسئوليات مشكلاتنا هو أمر صعب لكنه بالتأكيد هو وحده........ الدور.
اقرأ
من الأمور التي لفتت انتباهي في تلك الرحلة هو ما شاهدته بشكل عملي من إعلاء لقيمة القراءة في نفوس الناس وخاصة الأطفال، وربما فهمت ما نتحدث عنه بانبهار كبير من أن الأجانب دائما ما يقرءون في المواصلات العامة وعند انتظار الحافلات وغيره، وقد أتيحت لي فرصة زيارة بعض المدارس هناك وهو ما جعلني أفهم نوعا ما كيف وصلوا لهذه النتيجة الرائعة من إعلاء وتعزيز لثقافة القراءة في مجتمعهم، فالواجب المدرسي منذ المرحلة التمهيدية يتضمن دائما قراءة كتاب أو قصة يختارها الطفل بنفسه دون إجبار ثم يعرضها بأسلوبه أمام زملائه في الصف، وعليه فإن الأم لابد أن تصطحب الطفل إلى المكتبة العامة أسبوعيا لاختيار كتاب ليقوم الطفل بقراءته.
أما المكتبة فهي بناء ضخم متعدد الأدوار ومؤثث بشكل يوفر جوا مريحا ولطيفا للقراءة للكبير والصغير، فقسم كتب الأطفال مثلا مؤثث بأثاث بهيج الألوان وتتراص الكتب فيه بشكل جذاب للطفل وقد وضعت بعض الألعاب بين الكتب ليتسلى بها الأطفال إذا ما احتاجوا تفريغ طاقتهم الحركية قليلا خلال جلوسهم للقراءة.
أما الأطفال الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة بعد فقد خصص لهم مكان جميل صنع على هيئة أشجار وكأنها قطعة من الغابة وتتناثر فيه الكراسي الصغيرة التي تلتف حول كرسي إحدى الفتيات اللطيفات التي تمسك كتابا وتقرأ لهؤلاء الأطفال.
وحقيقة لفت انتباهي غزارة الأفكار وتنوع موضوعات الكتب وطرق العرض بشكل جعلني أتوقف لحظات لأتذكر تلك العبارة التي سمعتها منذ سنوات تعبيرا عن التغييب المتعمد لهذه القيمة العالية من ثقافة بلادنا وأطفالنا وشبابنا فقالوا : "أمة اقرأ.............صارت لا تقرأ" ومن حينها عقدت اتفاقا مع نفسي أن يكون لي حظ ثابت من القراءة يوميا لا أتركه بإذن الله.
اقرأ أيضاً:
خواطر الرحلة: المَلِك / في يوم السادس من أكتوبر / في يوم وقفة الحجيج / تجربة 2003