علم النفس المعرفي
جرى مؤخرا على إحدى المجلات العلمية تداول مسألة الاعتقاد بالله وأهميتها للصحة النفسية، وذلك اعتبارا لإحدى التجارب المجراة في أمريكا الشمالية، نلخص محتواها:
عندما نؤمن بالله، تعمل منطقة في الدماغ ببطء أكثر: إنها القشرة الأمامية التي تدعى القشرة الحزامية cingulate cortex. فما هو دور هذه القشرة؟
هذه المنطقة من الدماغ تُستخدم للتنبؤ بالمستقبل، وتحذرنا ما إذا كانت الأحداث التي تجري تماثل ما كنا نتوقعه.
ففد قام أطباء الأعصاب في جامعة تورنتو في كندا بإخضاع أفراد، مؤمنين وغير مؤمنين، للماسح الضوئي -السكانير-، واجروا اختبارات ذهنية حيث كان عليهم توقع الجواب، ومن ثم الاطلاع على الجواب الصحيح:
لدى غير المؤمنين، كان يتم تنشيط القشرة الحزامية بقوة في حالة الخطأ: إنها تشير إلى أن النتيجة لا تطابق التوقع.
لدى المؤمنين، كان يتم تنشيط القشرة بدرجة أقل بكثير. عندما يحدث حدث لا يتوافق مع تطلعاتهم، فإنه يثير رد فعل أقل حدة مما عليه لدى الآخرين.
فيما يقلل الدين من ردود الفعل على ما هو غير متوقع؟
في معظم نظم المعتقدات، يمكن دائما إعادة النظر في حدث لا يلبي التوقعات، وتفسيره ليتناسب مع الإطار النظري للإيمان.
إذا ما قتل صديق في حادثة سير، وإذا ما أصاب احد ما مرضا عضالا، فإنها مشيئة الله. وإذا كنا لا نستطيع العثور على أي تفسير، هذا لا يعني أنه لا يوجد تفسير: فلان تقديرات الرب لا نحيط بها علما.
ومن الواضح أن هذه الرؤية للعالم تجلب فوائد لا تقدر بثمن: القشرة الأمامية الحزامية الذي تعمل ببطء تقود إلى توتر أقل؛ كما يقل الاهتمام بالغموض الذي يلف المستقبل، لا نحاول كثيرا استكشاف الممكن وترقب البوادر التي تؤكد أو تنفي التوقعات. نكون أكثر قدرية، ولكن بضغط أقل.
ويعتبر الدين أيضا من قبل العديد من الباحثين مضادا للقلق، والدي شاع في الثقافات المختلفة بسبب هذه الفضيلة المهدئة، مساعدا على معالجة مخاوف الموت، ذات الطابع الذي لا يمكن التنبؤ به والسيطرة عليه.لكن شريطة الاعتقاد.
للمزيد من الاطلاع (M. Inzlicht et al., Neural markers of religious convictions, in Psychological Science, vol. 20, p. 385, 2009)
وتوالى الجدل والنقاش حول الموضوع، حيث لاحظ البعض أن الإحصائية كان من المفروض أن تكون معكوسة، وذلك اعتبارا أن الإلحاد ظاهرة بشرية حديثة بدأت تظهر في أوروبا منذ قرنين أو ثلاثة قرون مع عصر التنوير. وقبل ذلك ومنذ ظهور إنسان- sapiens –العاقل-، فإن الغالبية العظمى من البشر كانوا يؤمنون بإله واحد (أو آلهة متعددة) ولا يزال الكثير منهم يعتقد ذلك. إحصائيا الحالة الطبيعية للدماغ البشري تبقى بأغلبية ساحقة، وبلا منازع، الاعتقاد بالله... ولذلك فان عدم الإيمان بالله هو من يغير الدماغ، وليس الإيمان بالله!
القشرات الدماغية الحزامية لغير المؤمنين تثار بصورة غير طبيعية عندما يكونون على خطأ.. ليمكننا القول أن عدم الإيمان بالله هو عامل للتوتر بامتياز! بل يمكننا افتراض، أنه في نهاية المطاف، القشرة الدماغية الحزامية، التي تتحمل فوق طاقتها لدى الملحدين، ستتعب وتسقط مريضة.
ليتم التساؤل: هل هناك أمراض عصبية انحلالية أكثر شيوعا بين الملحدين؟
واقرأ أيضاً:
القنوات الفضائية: تدين وإشهار / دماغ الإنسان ينمو، يتغير وقادر على أن يشفي نفسه