ما أن تمُرُّ أمة من الأمم بمِحنَة يطول وقتها ليشمل عدة أجيال متعاقبة تـُضعِف من شأنها بين الأمم وتؤخر النمُّو العلمي والاقتصادي فيها، نجد أن الخرافة والروحانيات تبدأ في الظهور مرة أُخرى على السطح وتنتشر لتكون ملاذا ً لمن يُعانون من البشر، خصوصاً أن مُعاناتهم إنما مَبعثها هو الضَّعف الاجتماعي والتخلف وانتشار الجهل وخمود العلم عندهم.
فالشعوب غالباً ما تلجأ للخرافة وللسلبية ولاجتِرار الحلول القدَرية حين يدٌّب فيها اليأس من إمكانية التغيير والخروج مما وقعت فيه من ضعف وانهيار وحين يصيب الوهن والتشقق كيانها وأعمدتها.
كأن يكون هناك شعب من الشعوب يعاني من الضعف والوهن وقلـَّة الحيلة، ولديه عدو منظم وقوي يتمتع بأحدث وسائل العلم الحديث والتقنيات العالية، ولأن ذلك الشعب لا يملك من الوسائل العلمية والمادية ما يجعله قادرا على مواجهة عدوه.
وبدلا من أن يعمل على تقوية شوكته وبناء قوته وأن يأخذ بأسباب القوة فإنه يكتفي بأن يتمنى أن يُصاب العدو بصاعقة من السـماء أو بزلزال من الأرض دون مشقة أو مجهود.
إن ما ينتشر هذه الأيام من أخبار حول تجليات وظهورات للسيدة مريم -البتول، عليها السلام- هو نموذج حي لما أقصده، وهو ليس بجديد، وليس مقصوراً فقط على النصارى، فللمسلمين أيضاً خرافاتهم الدينية، أي التي تأخذ صبغة دينية حتى لا يجرؤ أحد على مناقشتها، كما أن كلاً من المسلمين والنصارى قد يشتركون في نفس الظاهرة الخرافية، بل ويؤازر بعضهم البعض، كما يتضح ذلك جلياً في ظاهرة العلاج الروحاني المزعوم، وتخليص الأبدان من الأرواح الشريرة، وكرامات السيد البدوي، والعديدين غيره من الأموات، والكثير من مظاهر التخلف والأمية العلمية...
وأحب أن ألفت النظر إلى توقع حدوث خسوف جزئي للقمر في منطقة الشرق الأوسط بعد أيام قليلة، وأتخيل ما سوف يتردد بين العوام من مسلمين وغير مسلمين من تفسيرات وتبريرات -غير علمية- لتلك الظاهرة الكونية المحسوبة، فما بالكم بغيرها من الظواهر غير المحسوبة، أو غير الكونية...
يستغرب الكثيرون من إمكانية إجماع الآلاف من البشر على رؤية شيء يعتقدون في حدوثه، ويعتبرون ذلك دليلاً على صحته، بل وإنه الدليل الوحيد!!!!
وكأن في رؤيتهم هذه الدليل العلمي القاطع على حدوثها!!!
أنا لا أستطيع تكذيب من رأي، ولا تكذيب ما رآه، ولكنني أحب أن أوضح أن تفسير ما -قد رأوه- تفسيراً روحانياً إنما يؤكد على وقوعهم تحت تأثير الوهم والإيحاء الجماعي والذي هو ثابت علمياً منذ قديم الأزل... خصوصاً أن اليأس والمعاناة والتخلف وانتظار الحلول السماوية المعجزة قد أصبحت من خصائص وسمات مجتمعنا المسكين، والمتخلف، الذي لا يجد منفذاً للخلاص من معاناته...
وأعتقد أن حكومتنا الرشيدة -التي أطال الله في عمرها فعلاً- تعلم عن يقين تفاصيل كل ما يحدث في دهاليز الخرافة التي أصبح انتشارها من أهم وسائل السيطرة على مقاليد الأمور!!!
ألم يؤثر السحرة المحترفون -في عهد موسى عليه السلام- على جموع البشر الحاشدة -بما فيهم موسى نفسه- ليخدعوا أعينهم ويجعلوهم يرون ما ليس له وجود؟؟؟
ألم يذع صيت ((كوبر فيلد))، ذلك الساحر الماهر الذي استطاع أن يؤثر على أعين الجماهير فعة واحدة، ليطلق العنان لتخيل قدراته الزائفة...
إن الخداع الحسي ( تفسير المؤثرات الحسية تحت تأثير الحالة النفسية)، والهلاوس الحسية هي من أوضح أعراض الأمراض العقلية،!!! انتبهوا أيها السادة، فأعراض الفصام العقلي، أو التخلف العقلي، تظهر بجلاء على وطننا الحبيب... تحت غطاء من الخرافة والتدين الشكلي، كنتيجة مباشرة لإنكار الواقع المؤلم، وتفشي الفساد، واضمحلال فرص النجاة... واستمرار حكومة الحزب الوطني....
واقرأ أيضاً:
أيعجز المسلمون في بلد الأزهر كما الدانمارك / إقالة وزير... تعني الكثير!!!