أعترف أني سأطير من الفرحة! فرحة طفولية رقص لها قلبي عندما أخبرني عمر ابن عم عبد العزيز أنهم قد أطلقوا اسمي على إحدى شجرات المريس. أصبح لي الآن في المريس شجرة، لأ وكمان شجرة مانجو مثمرة في عز الشتا واسمها "بثينة". كتب الله لي أخيرا أن أحس شعور ذوي الأملاك، ومحدش أحسن من حد. أغلقت التليفون لأجد نفسي أتبختر بين غرف بيتي في حال من الزهو والفخر وكأني أطير بجناحين. وبدأت أدندن ببعض النغمات، حاولت أن أتذكر أي أغنية تصف كلماتها هذه الحالة السعيدة التي استولت عليّ، فلم تسعفني ذاكرتي سوى بأغنية أم كلثوم القديمة "أصبح عندي الآن بندقية"!! بالطبع لم تعجبني كلمة "بندقية" فحاولت استبدالها بكلمة "شجرة" فانكسر الوزن وباظت الأغنية.. مش مهم.. تبوظ، فمازالت لدي الشجرة التي هي أجمل من أي بندقية، لأنها رمز للحياة لا الموت. وتبقي أجمل من كل الأشجار. لأنها مزروعة هناك، في المريس الناعسة علي نيل الأقصر.
وتبقى قرية المريس نفسها أجمل من كل القرى. لأن فيها أهل المريس الطيبين. أجدع ناس لأنهم يقفون اليوم وحدهم دفاعا عن أرضهم. وعن كل أشجارهم التي زرعوها منذ الأزل، وعن شجرتي أيضا، يدافعون عنها أمام الحكومة التي تريد انتزاعها من تحت أقدامهم، وتبويرها للمنفعة العامة التي هي مشروع سياحي كبير لكبار المستثمرين (؟؟؟؟). لقد توجني أهل المريس بأنبل وأرق وأعز تكريم طوقوا به عنقي، شجرة من أرضهم الغالية التي عنها يدافعون لتصبح قضية المريس قضيتي، وقرية المريس قريتي، تقف فيها شجرتي، وليصبح أهلها هم ناسي وعزوتي، وكيف لا وقد أصبح لي في المريس جذور... وفروع.. وأغصان.. وأوراق خضراء زاهية فرحانة تظلل عليّ.
كل ما أتمناه الآن أن أسافر إلى بثينتي التي سأحبها دوما رغم طول المسافة ومشقة السفر وتعذر الأسباب. وعلى البعد سأحيا مشتاقة لها، فرحانة بها، مطمئنة بوجودها، وسأعود إليها مرارا وتكرارا لأهرب في أحضانها من قلب لحظات الألم والخوف والعجز وقلة الحيلة لألقي تحت ظلها بكل همومي من كل الحياة بكل ما فيها، أضمها لأغفو في أمان، وأنام على حفيف أوراقها الهامس الحنون.
ما أروعه من حلم وما أجمله من شعور، بثينتي سأحبها وسأرعاها وأحميها وأسقيها وأرويها لكي تزيد جمالا على جمال وبهاء علي بهاء، ولن أسمح لأي حكومة أن تقف بيني وبينها، فظلها لي ولأهل المريس نستجير به جميعا من قيظ الدولة وقيظ الحكومة وذلها وقسوتها على ناسها.. أحب بثينتي وأعشقها على البعد لأن فيها من حنان أمي، ولأن جذورها ضاربة في قلب هذه الأرض الطيبة، ولأنها ثابتة، قوية، صامدة أمام العواصف والأنواء، جمالها آية.. حنانها حكاية.. عطاؤها بلا بداية.. ولا نهاية. أحب بثينتي نعم، لأنها مصرية.. ولأنها مريسية!
اقرأ أيضاً:
الصدق منجة!!/ الأقباط فعلا في حاجة إلي حماية