اتصلت بي صحفية تسألني عن أرقام أو معلومات أو معدلات الزنا في مصر على خلفية محاولة فاشلة لتعديل القانون المدني المصري عبر تصويت في البرلمان أو مجلس الشعب، والقانون المصري له موقف واضح ومركب في إثبات واقعة الزنا، وهذا الموقف يستلهم روح الشريعة الإسلامية من ناحية ويحاول صيانة الحرية الشخصية من ناحية أخرى. الموقف القانوني المصري جدير بالتعرف عليه ومناقشته في موضع آخر ربما، ومشروع تعديل القانون لم يمر في مجلس الشعب على كل حال!!
لم أجد عندي لا أرقام ولا معدلات ولا إحصائيات، وربما يمكن أن تكتمل صورة مثل هذه الممارسات من ناحية أسبابها وأشكالها بتعاون بين الأطباء والمحامين ووكلاء النيابة وضباط البوليس وشيوخ الإفتاء، وشهادات من جمهور الناس عن وقائع يعيشونها بأنفسهم، أو يعرفونها حولهم، وتمثل شبكة الإنترنت فرصة ذهبية في هذا الصدد إذا ما تم استخدامها بجدية للتعرف على طبيعة ومقدمات ومناخ العلاقات المحرمة، وربما عندها نستطيع تخمين أرقام تقريبية، أو معدلات ازدياد أو تناقص، أو ملامح تغيير طرأت أو تطرأ على هذه الممارسات!!
لكن من خبرة الاطلاع العام، والرد على تساؤلات القراء، ومناظرة الحالات وجها لوجه في العيادة الخاصة أستطيع القول أن خريطة الزنا تشمل المساحات التالية:
بالنسبة للمتزوجين: لأسباب متنوعة هناك علاقات محرمة خارج إطار الزواج بالنسبة للرجال، وبالنسبة للنساء، وأحيانا تكون هذه العلاقات هي عبارة عن امرأة واحدة تزني مع رجل واحد، أو مع عدة رجال في وقت متزامن، أو الواحد تلو الآخر، وكذلك بالنسبة للرجال، أي علاقة واحدة خارج الزواج، أو علاقات متعددة متزامنة ومتوازية أو متوالية.
بالنسبة لغير المتزوجين: الأغلب أن المرأة غير المتزوجة ترتبط بعلاقة واحدة، إلا إذا كانت تقيم علاقات بهدف جمع المال، والرجل غير المتزوج أحيانا يقتصر على واحدة، وأحيانا يدخل في علاقات متعددة متوازية أو متوالية!!
ويمكن رصد وتخمين أسباب بعينها تكمن وراء ما أعتقد أنه زيادة في معدلات الزنا، ومنها طبعا صعوبة الزواج التقليدي الرسمي، وعدم الاعتراف أو القبول الاجتماعي بالزواج العرفي فيظل سريا، أو يمارس الناس علاقاتهم دون زواج لا رسمي ولا عرفي، لأن الأول غير وارد أو غير ممكن لهم، والثاني غير مقبول اجتماعيا، ويبدو غامضا أو ملتبسا على أفهام الناس، ومضطربا في الممارسات المختلة لجمهور جاهل بالدين والدنيا، وفتاوى وعاظ يحركهم الخوف على أخلاق مصطنعة يدعيها الناس بأكثر مما يحركهم واقع هؤلاء الناس، أو رفع الحرج عنهم.
فقه الزواج شرعيا ونفسيا واجتماعيا هو شيء غائب وغامض ومختل مثل أشياء كثيرة في حياتنا العشوائية، والنتيجة أن منظومة الزواج والأسرة صارت مشروعا يفشل في تحقيق المستهدف منه بالنسبة لأطرافه، وبالتالي فإن العزوف عن الخوض في هذا المشروع أصلا صار يدفع بملايين إلى مساحات وعوالم الزنا، والذين غامروا ونجحوا في دخول هذا المشروع ولم يحقق لهم إشباعا، ولا سد رمقهم العاطفي والجنسي فإنهم إما يخرجون إلى زواج آخر عبر المرور ببوابة الطلاق المرفوض اجتماعيا ـ وخاصة للنساء ـ أو عبر زواج آخر بالتعدد المرفوض أيضا اجتماعيا، أو محاولات البحث عن صيغ مثل العرفي المرفوض اجتماعيا!!! بالتالي فإن من يبحث عن القبول الاجتماعي لن يجد مقبولا غير المشروع الفاشل حاليا كما شرحت، فيصبح الطريق أمامه مفتوحا وممهدا إلى الزنا!!!
إذا أضفنا إلى هذه الأجزاء من الصورة تلك القدرة العجيبة للمجتمعات العربية على الكذب وخداع الذات، والنفاق الاجتماعي، والادعاء والتظاهر بالحياء أو بشيء بينما الممارسات الحقيقية على غير ما يظهر، وإذا أضفنا إلى مجمل الصورة هذه بقية تفاصيل وأوضاع عجيبة شاذة نتعايش معها مثل أن يعمل رب الأسرة خارج البلاد ولا تراه زوجته إلا مرة في كل عام، وأحيانا كل عامين، ومنتظر منها أن تنسى تبادل المشاعر، ورعشة الشبق، وضمة الحب (إذا كانت تحصل عليهم أصلا) من الزيارة إلى التالية، يعني عمر بن الخطاب سأل حفصة رضي الله عنها: كم تصبر المرأة على غياب زوجها فقالت له أربعة أشهر، فأصدر أوامره ألا يغيب عامل للدولة مثل مرابط على ثغر، أو قائم على أمر عن أهله أكثر من أربعة أشهر، أما نحن فعندنا النساء أتقى وأقوى وأكثر تماسكا من نساء الصحابة، ومن حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث نفترض أصلا، ونتوقع منها أن تصبر على فراق زوجها بالعام والعامين، ونعتقد مع أوضاعنا هذه أننا بشر، وبني آدميين، وعقلاء كمان!!!
غياب الأزواج ماديا بالسفر، أو معنويا بالهجر العاطفي والجنسي، أو بقسوة المشاعر، وغلظة التعبيرات، أو عدم التقدير، أو غياب الاحترام والعطف، أو ندرة الغزل والتعبير عن الأحاسيس، هذه الأوضاع كلها تؤدي إلى الزنا بشكل متزايد ومتوقع.
هل أضيف بقية المقدمات من أمثال انعدام الثقافة الشخصية والإنسانية والعاطفية والجنسية مما يؤدي إلى انعدام وفشل محاولات التواصل بين الأزواج، هذا إذا حاول طرف التواصل مع الآخر أصلا، لأن لدينا زيجات كثيرة بلا علاقة حقيقية وبلا تواصل بين طرفي هذا الزواج، ولله في خلقه شئون!!!
الفشل الكارثي الذي نعيشه في مساحات بناء الذات ومهارات العلاقات، والمناخ الاجتماعي الخانق والمحبط، وأعجوبة ومفارقات وطلاسم وألغاز ومخازي وصدمات وألاعيب وصفقات نظام فاشل نسميه زواجا، وحصاد الفشل الذريع لهذه المقدمات جميعا، وغياب قدرة الاستيعاب لهذه الأوضاع، أو القدرة على مناقشتها بالتالي، والقبول بحلول، أو تعديل وابتكار حلول أخرى... هذه المصيدة التي ننحبس فيها تفتح أبواب الزنا على مصراعيها أمام مجتمع تقوده الجهالة والحماقة والرعونة وعدم رسوخ الإيمان في أعماقه، ولا شيوع فهم الشرع، ولا إعمال العقل في الأمور كلها!!!
وأندهش جدا حين يتساءل أحد ضمن هذه القطعان السائرة إلى حتفها بغفلة ملفتة، وغباء نادر الحصول، حين يسأل أو حتى يقرر أو يختصر أسباب هذا الفشل في الأزمة الاقتصادية، رغم أن الفشل حاصل من المحيط إلى الخليج الذي لا يشتكي فاقة مادية، ولا حتى عزلة اجتماعية عن العالم، كما كان من قبل، بل إن الانفتاح على العالم دون استعداد، ولا فهم للذات، ولا للأصول ولا للثقافة الذاتية ومقاصد الحياة، ومبادئ الحياة، وأساليب الحياة في تصور وفلسفة الإسلام، غياب هذه الخلفيات الأساسية من ناحية، وهذا التخبط الذي نتخبطه يسلمنا لنواحي خلل عديدة، وليس اتساع الزنا سوى تجلٍ من تجليات فوضى أوسع، وأمراض وعلل عقلية واجتماعية وثقافية أعتى وأعمق!!
لابد من استعادة العقل المسفوحة دماؤه على قارعة الطريق، والمذبوح في بيوتنا التعيسة على أيدي آباء قساة وأمهات جاهلات، ولابد من تأسيس حقيقي لحياة إنسانية حقيقية تقوم على العلم وأدلته وبراهينه ومناهجه لأن ما نعيشه حاليا لا هو حياة، ولا هو إنساني، ولا قائم على أي نوع من علم سليم، إنما هو خبط عشواء أقرب لحياة الأنعام، وربما حياة الأنعام تنظمها الغريزة، أما نحن فلا غريزة ولا عقل ولا شريعة ولا قانون غير الفوضى والتخبط!!
لابد أن يثور كل فرد على جهله الشخصي العميق، وحماقته المزرية التي تورده المهالك، وهو يظن أنه يحسن صنعا، ويعيش مثل بقية خلق الله!!
بينما هو محض جاهل بجهله يتخبط في سيره. لابد من مصارحات صادقة لكذب ونفاق وتواطؤ وأوضاع أسرية واجتماعية كثيرة مختلة وفاشلة وغير إنسانية، ومن قبل ذلك لابد من اعتراف شخصي وعام بأننا فاقدين للبوصلة ونخطئ في حق أنفسنا، ولا نبذل جهدا يذكر في فهم ديننا، ولا جهدا يذكر في استيعاب تفاصيل وأوضاع عصرنا، ولا نحسن الاشتباك مع الأسئلة والتحديات التي يطرحها، لا فهمنا نحن الطبيعة الإنسانية ولا الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وإنه إن كان هناك من تنافس حقيقي، وصراع جوهري بين نسائنا ورجالنا فما هو إلا التنافس في الجهل، وغياب الدراية فضلا عن فقه الرواية أي استيعاب معاني ومقاصد ما ورد من أحاديث وآيات وآثار عن إدارة الحياة، والعلاقات الإنسانية.
ولا توجد حلول جاهزة لمشكلات مزمنة وقائمة منذ طويل الأزل تتراكم فيها عوامل الفشل والانحدار، إنما بدايات الإقلاع متوافرة دائما والطرق تتضح أمام من يصح عزمهم ويبدأون السير على الطريق خطوة من بعد خطوة.
يؤسفني أن يعيش ملايين الناس من الأفاضل والفضليات هذه الحالة البائسة من الوحدة الاضطرارية، وأوجاع الحرمان والجوع الجنسي والعاطفي بشكل عام، ويؤسفني أن الزواج لم يعد حلا لمشكلات الوحدة والحرمان وغياب الإشباع بل هو قد يزيد الطين بلة في أحيان كثيرة!!!
ويؤسفني أن السماء لا تمطر حلولا على المغفلين!!
ويؤسفني أن تشيع الفاحشة فينا بسبب الغباء، وقلة العقل، وغياب الفقه السليم العميق، وقلة الحيلة في تدبير وتكييف وإقامة أوضاعنا على هدي من الشرع الحنيف حين نستسلم لإرشادات الوعاظ المتحمسين ممن يقولون في الدين والحياة والدنيا بفقه متواضع كسيح أوصلنا إلى شلل وعجز وسقوط لا يليق بخير أمة أخرجت للناس.
ولهواة السؤال عن الحلول أقول أن كل جزئية من تلك الخريطة الواسعة التي حاولت هنا تبيان أهم معالمها تستحق جهدا في الفهم والاستيعاب والتعميق والتحليل، وبضاعتنا في بذل الجهد، ومحاولة الفهم، ومكابدة التعميق بضاعة بسيطة، وخبرتنا قليلة جدا وضعيفة.
شغلني البحث عن حلول لأوضاع كثيرة ملتبسة، وهزتني رسالة قديمة وصلتني عندما كنت أعمل مستشارا في موقع "إسلام أون لاين"، وكتبت عليها إجابة لفتت أنظار الكثيرين كان من عنوانها: الجنس للبعض أم الزواج للجميع، ودفعتني أسئلة واستفسارات أصحاب المشكلات إلى توسيع دائرة البحث، وتتوالى المفاجأت، وأعد من يبحث بعمق بما لا يتصوره من مفارقات ومفاجآت عن الزواج المؤقت وغيره.
أحدهم تفرغ لقراءة كل ما يستطيع الوصول إليه عن زواج المتعة أو الزواج المؤقت، وفي بحثه وجد عجبا، ووجدت أنا أن أهلنا من الشيعة الذين يعايرهم السفهاء دائما بأنهم يمارسون هذا النوع من الزواج، أهلنا من الشيعة يكادون لا يعلنون عن أية زيجة من هذا النوع، ويستخفون بالحلال ـ كما يعتقدونه ـ بينما الزنا ينتشر ويظهر ويصبح أرخص وأيسر عند المسلمين جميعا على مختلف مذاهبهم فهل رأيتم وضعا بائسا مثل هذا؟! أهل الشيعة يستخفون وسواهم ـ يزنون!!
هل رأيتم مجتمعا أكثر حماقة منا؟ حين يقف المجتمع مشلولا في كل سبيل يفتح فرصة لاستيعاب بعض جمهور الزناة الذين تم تضييق الحلال عليهم بفتوى جاهل أو عرف أو تقليد جاهلي أو معايرة سفيه لا فارق بينه وبين عقل دابته!! إلى أين وصل بنا الفقه الأعوج، والتفكير الضحل اللاعقلاني؟!
هل رأيتم أحمق منا حين حولنا الزواج إلى صفقة بيع وشراء، وتحكمت فينا عقدة الخوف فصرنا نتشدد أكثر حتى أغلقنا منافذ الحلال ومساحاته الكثيرة، ونمارس الزنا بمعناه الواسع: زنا العينين، والأذنين واليدين والرجلين، الزنا الفعلي والإليكتروني، ولا نبدو مستعدين لمراجعة أنفسنا، فأهلا وسهلا ومرحبا بجهنم جزاءا في الدنيا للأغبياء، وفي الآخرة للمستكبرين!!
ويتبع >>>>>>>>>>>>>>: بين الحلال والحرام ... الزنا مشاركة !
اقرأ أيضاً:
كيف نعيش جنسياً؟! تقرير بناتي- مشاركة / الجنس في حياة الفتاة العربية! / الاستغلال الجنسي للطفلة: التحرش الجنسي / من يعلم الجنس لأولادي !؟