(1)
واحنا نايمين
قام أحدنا "واحنا نايمين" بالضغط على زر التلفاز لنشاهد المذيع الألمعي صاحب أشهر البرامج الرياضية؛ يطل علينا من الشاشة "واحنا نايمين" ليزف لنا خبر طالما توقعناه بفوز الكابتن عبده قوانص "واحنا نايمين" برئاسة مجلس إدارة نادي الحارة. وقد قام سيادته "واحنا نايمين" بحلف اليمين أنه سيجعل من نادي الحارة "واحنا نايمين" نادي القرن الإفريقي والأسيوي والأوروبي ونادي كل القرون في الدنيا "واحنا نايمين". وبهذا أصبح الكابتن عبده قوانص رابع رئيس لمجلس الإدارة إذا تجاهلنا ذلك الذي دخل وخرج "واحنا نايمين". وقد انتقلت كاميرات التلفاز "واحنا نايمين" إلى الحارة لتنقل لنا احتفالات وأفراح أهالي الحارة بجلوس الكابتن على الكرسي "واحنا نايمين".
وأخذ الأهالي يحملون كرسياً على أكتافهم ويطوفون به في كل أرجاء الحارة تعبيراً عن سعادتهم بتقلد سيادته "واحنا نايمين" ذلك المنصب الحساس وأن الرجل المناسب في المكان المناسب "واحنا نايمين"، وفي إطار هذه الاحتفالية التقت كاميرات التليفزيون بأحد المؤيدين للكابتن عبده وأخذ الرجل "واحنا نايمين" يعدد ميزات الكابتن التي لا تعد ولا تحصى، وبما أنها لا تحصى فلا داعي للعد والتعب "واحنا نايمين"، تطلعنا إلى الرجل وهو يتكلم وكأنه أحد أهم المعارضين للكابتن فكيف صار ما صار "واحنا نايمين"؟! وإذا بشريط يجري تحت المذكور لنكتشف أنه صار رئيس حاجة كده قومية "واحنا نايمين". وأثناء هذه الاحتفالية إذ بأحدنا يقوم بالضغط على زر التليفزيون "واحنا نايمين" لنكمل نومنا ولتدور من حولنا الدوائر... واحنا زي ما احنا لسه نايمين!.
(2)
مجلة الحائط والكتابة على الحوائط
ساقني أحدهم إلى حيث اللا مكان في زمن اللا معلوم، ليدخل عليّ رجلا شديد البأس له عين بياضها شديد البياض وأخرى شديدة الاحمرار لا مثيل لها إلا في حواديت جدتي عن أبو رجل مسلوخة وأمنا الغولة، وكان يجلس إلى جواره كلب أشد بأساً من بأس الرجل؛ وكأنه ينتظر إشارة البدء ليفعل بي ما يشاء. قال لي الرجل في هدوء شديد وهو يبتسم ناظراً إليّ بعينه شديدة البياض أنه إن لم أكف عما أكتب فإنه سيقطعه لي.
فقلت مرتعداً: "سيدي أنا أكتب باليسار وليس باللسان" فقال ساخراً: "برضه ح أقطعها لك"، فسألته مستعطفاً: "سيدي إن موسى وعيسى يلعناكم صباحاً ومساءً، ولم يحركا فيكم ساكناً، فلماذا أنا؟" فقال لي الرجل متعجباً: "أنت حمار يا حمار؟! أنا باكلمك دلوقت بالذوق؛ لو عايز أخليك تعمل كل حاجه بالأمر حتعمل... شايف الكلب ده لو عايزك تحب الكلب وأبو الكلب وابن الكلب وبتاع الكلب وكل كلاب المنطقة حتحبهم كلهم بالأمر... يا ابني افهم وبطل غباوة خليك تطلع لك من الموضوع ده بقرشين بدل ما تخرج منه قفاك وارم... يا ابني افهم؛ الدنيا دي مسرحية وكل واحد فيها له دور.. عندك أنا مثلاً لي دور وموسى وعيسى بتوعك وكل اللي بيلعنوا برضه لهم دور، كل واحد فينا بيتحرك حسب النص، أما أنت بقى يا روح أمك نشاذ بتتكلم من غير إذن، لا بتخلي اللي بيتكلم يعرف يتكلم ولا اللي بيتفرج يعرف يتفرج وهو ساكت!"؛
فقلت له متوسلاً: "سيدي، هو أنا عملت إيه بس؟! دا كله كلام في الهوا، كلام كده زي اللي كان بينكتب في الجامعة في مجلات الحائط" فنظر إلي الرجل شزراً متسائلاً: "حائط إيه يا ابني؟! إحنا شلنا الحوائط من زمان"، فاستطردت قائلاً: "أقصد يعني حوائط الحمامات؛ واهو الواحد برضه بيفك عن نفسه شويه ويخَرّج الكبت اللي جواه"، وهنا نظر الرجل لي باستخفاف وقال: "يا بابا كلام الحمامات ده كلام جنس ودعارة يعني مسـمو..." وهنا صرخت مقاطعاً: "هي دي والله هي دي أخيراً فهمتني؛ أنا مش باتكلم غير في دي" وهنا احمرت عيناه والشرر يتطاير منهما وصرخ بي قائلاً: "هو أنت حتبطل لماضه ولا لأ ياروح أمك؟ ولاّ انت يا ابن الـ... فاكر نفسك عايش في جزيرة لوحدك والحياة فيها دريم"، وهوى عليّ بيده... فإذا بي أستيقظ مفزوعاً على صفعته مدركاً أنني في كابوس، متحسساً ذات اليمين تارة وذات اليسار؛ ومن باب الاحتياط قررت أن أكتب باليمين تحسباً إذا ما قطعوا اليسار.
(3)
ثوب الحكمة
يحكى أن محتالاً أتى ملكاً وقال له: "أبيعك ثوب الحكمة يا مولاي بمليون دولار، ثوب لا يراه إلا الحكماء" ففرح الملك إذ سيلبس ثوباً لم يلبسه أحد من قبل، وأخذ المحتال يحيك الهواء ثوباً بقصر الملك بعد أن نزل ضيفاً عليه. وفي كل يوم يقوم الملك بزيارة النصاب ليطلعه الأخير على آخر ما انتهى إليه في حياكة الثوب؛ مستفسراً من الملك عما إذا كانت تعجبه تلك النقوش التي غزلها على ثوب الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء، ولما كان الثوب هو ثوب الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء؛ فكان لا بد إذن أن يرى الملك تلك النقوش لأنه أحكم الحكماء! أخذ الملك في سؤال الحاشية والوزراء عن أي جمال تحمله تلك النقوش والزخارف التي هي على ثوب الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء، وهنا يتجاوب الوزراء والحاشية مع الملك كل يمدح في دقة الزخارف والنقوش؛ فطالما أن الملك يقول بوجودها فهي موجودة وإلا فإنهم ليسوا بالحكماء!.
استمر الأمر على هذا حتى انتهى المحتال من حياكة الثوب الذي لا يشاهده إلا الحكماء، وقد قضى في حياكته قرابة الثلاثين عاماً في ضيافة الملك ينعم بكل ما يفيض عليه الملك من نعم، وجاء اليوم الموعود ليلبس الملك ثوب الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء، خلع كل ملابسه، إذ كيف لثوب الحكمة أن يلامس شيئاً لا يمت للحكمة بصلة؟ يكفي جسد الملك الحكيم. خرج الملك على الرعية لابساً ثوب الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء؛ يتهادى في خطواته وقد اصطفت الرعية لتشاهد الموكب الملكي الجليل الذي يخرج فيه الملك عليهم لأول مرة وهو يلبس لهم لباس الحكمة الذي لا يراه إلا الحكماء، واستمر الملك في موكبه، والكل يمدح ثوب الملك فالكل حكيم يرى ثوب الحكمة والملك هو أحكم الحكماء، إلا أن من بين الشهود طفل تافه لا يدعي الحكمة كباقي أفراد الرعية، فصرخ ليقول: "إن الملك عارٍ"، وهنا استفاق جميع أفراد الرعية ليصرخوا: "إن الملك عارٍ".
لا أدري لماذا تذكرت هذه الحدوته التي قصها على أبي يوماً منذ أعوام وأعوام لأتساءل من المخطئ في هذه الحدوته هل المخطئ هو الملك؟ ولماذا الملك؟ فالرجل في أغلب الظن مرفوع عنه التكليف! إذن فالمخطئ هو المحتال لأنه الشرير الذي خدع الملك واستغل مرضه، لكن لماذا ألومه؟ إن لم يفعلها هو فعلها غيره. هل ألوم الحاشية والوزراء لأنهم لم ينبّهوا الملك إلى ما دبر له؟ ولم ألومهم فهم مجموعة من البشر أرادوا للملك ما يريد، وراح كلٌ ينتفع من الملك ومن ثوبه بالطريقة التي تروقه! هل ألوم الرعية فهم الذين لم ينتفعوا بشيء من وراء هذا الثوب ولم يجلب إلا الفضيحة والعار حين خرج ملكهم على شعبه عارياً؟ أم أن الذي يُلام هو ذلك الطفل؛ فلو لم يتكلم لسار كل شيء طبيعياً، لكن هذا الملعون الذي نغص عليهم متعة المشاهدة. لا أعرف لماذا أشعر بالدوار؛ فأرى الأمور وقد اختلطت عليّ؛ فالرعية مكان الملك، والطفل من المعارضين؛ يا تُرى الملك من يكون إذن؟!.
(4)
الأسطى طلعت
كان والدي رجلاً جاداً شديد التجهم، فإذا ما تنازل عن تجهمه ليقول نكتة كانت تعلق بذاكرتي لأن هذا الرجل عرف الضحك بل وأضحك الآخرين حوله. ذات يوم قال والدي أن الأسطى طلعت سائق حافلة هيئة النقل العام كان يرجرج في الركاب ويقلبهم ذات اليمين وذات اليسار، وحين تذمر الركاب أوقف الرجل الحافلة وأخرج مطواته قرن الغزال ليهدد الركاب المتذمرين، هنا خرج أحدهم عندما رأى المطواة ليقول: يا جماعة الأسطى طلعت أحسن سواق في الجمهورية، إحنا اللي مش عارفين نركب، ثم نظر والدي في تجهمه المعتاد وكل من حوله يضحك ليقول وعيناه تدمع: "احنا اللي مش عارفين ولا مش راضيين نتركب".
ويتبع:>>>>>>>>>>>>:: حكاوي القهاوي (2)
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر/ ولمَ لا؟