أرسلت نرمين (36 سنة، طبيبة، مصر) تقول:
كلنا غزة....!!!
السلام عليكم ورحمة الله،
أستاذتنا الفاضلة رفيف الصباغ، أستمتع كثيراً بقراءة ما تكتبينه بنكهة سورية محببة ولغة عميقة وبسيطة تعودتها من أهل الشام الكرام، ولي مع شعار كلنا غزة خواطر أضيفها؛ فأنا أتساءل: هل فعلاً يمكننا أن نقول أننا كلنا غزة؟!.
بداية، فإنني لا أقصد التشاؤم وأثق أن من هتف بأعلى صوته: كلنا غزة كان الصدق والحماس يملآن كيانه، لكن الأمور للأسف ليست بهذه البساطة، فقد كنت أفكر كثيراً وأنا أرى واقع مجتمعاتنا وما أصابها من تراجع لقيم التكافل والتراحم والمسؤولية المجتمعية وأسأل: هل من تعود أن يبيت شبعاناً وجاره اللصيق به يتضور جوعاً فلا يقتطع من فضل ماله (ولا أقول من أساس ماله) لإطعام جاره، هل يستطيع أن يشعر حقيقة "بأخيه" الذي تفصله عنه مئات بل آلاف الأميال!.
وهل من تعود ألا يحرك ساكناً لنصرة مظلوم في دائرة عمله -ناهيك عن أن يكون مشاركاً في ظلمه- ولا يطرف له جفن وهو يرى الحقوق تسلب والكرامات تهدر حوله يومياً، هل فعلاً سيستطيع أن يبذل روحه لأخ لم يره ولا يعرفه؟!.
وهل من عاش في خصومة مع أخيه في الدم أو ابن عمه من أجل قطعة أرض أو بيت... فقطع أواصر الرحم، هل سيبذل ماله وكل ما يملك لأخيه في غزة!.
وكيف لجيل تربى على اللطم والصفع والإهانة كلغة للحوار في البيوت ومؤسسات التربية ويتعلم قواعد من قبيل "مالكش دعوة بحد" وأن "مصلحتك فوق كل اعتبار" كيف له أن يضيق بإهانات متتالية وظلم يواجهه أخوه في غزة؟!.
كيف لمن تعود ظلم زوجته وإيذائها وقهر أبنائه وإلغاء شخصيتهم أن ينصر مظلوماً عبر الحدود؟.
كيف لمن لا يعود جاراً مريضاً ولا يصل رحماً قريباً بدعوى: أن الحياة مشاغل، أن ينشغل بمريض عزة؟!.
كيف لشاب يافع ممتلئ بالصحة والقوة يركب حافلة عامة مزدحمة فيجلس مرتاحاً وبجواره يقف عجوز يترنح أو امرأة تحمل طفلها أو فتاة غضة تتخبط بين الرجال يمنة ويسرة فلا يحرك ساكناً ولا تهتز فيه نخوة أو مروءة ويقول: ما ذنبي أن أقف أنا، هم المخطئون فلماذا يخرج هؤلاء من بيوتهم، بالله عليكم كيف نتوقع أن تثور نخوته لامرأة في التلفاز؟ كيف وكيف وكيف وكيف؟؟.
إن السلوك ينشأ من التصورات فكيف نتوقع أن تتجزأ سلوكياتنا بهذا الشكل؟ نعم يا غزة حيل بيننا وبين نصرتك، لكن هل فعلاً نستطيع أن نكون كلنا غزة؟.
تحياتي.
نرمين
كما أرسل محمد وائل الحنبلي (30 سنة، طالب، سورية) يقول:
رائع بل أكثر من رائع.
الظلم من العدو لا يستغرب.
والإساءة من العدو منتظرة.
وعدم الرحمة من العدو مرتقبة.
لكن الغريب ما يفعله المسلمون لبعضهم!.
* تعليق الأستاذة رفيف الصباغ:
السلام عليكم ورحمة الله،
الأخت الكريمة نرمين، الأخ الفاضل محمد وائل، إن هذه المأساة الأخلاقية مأساة عالمية، في الشرق وفي الغرب وفي كل مكان! وعند المسلمين وغيرهم، ولا ينجو منها إلا من عصمه الله!!
ولكن الشناعة في تصرفات المسلمين تبدو أوضح وأشد، لأن الأخلاق جزء من دينهم الذي يدينون به، وكان الشائع بين الناس أنهم إذا قالوا: فلان إنسان متديّن، فهذا يعني أنه على مستوى من الأخلاق!!
ولكن للأسف لم يعد الأمر على ما كان، ولم يعد لكلمة "متدين" مفهوم واضح في الأذهان، بعد أن تعددت صور الشخصيات المتدينة، ولم يعد يميزها عن غيرها إلا عدد المرات التي تدخل فيها إلى المسجد، أو الأذكار والصلوات التي تأتي بها، أو الجماعة التي تنتسب إليها!!
أختي الدكتورة نرمين: إن الأمثلة التي جئت بها هي التي جعلتني أخرج بنتيجة: أن غزة موجودة في كل مكان، بشخصياتها، وأحداثها... فالإنسان هو هو، أين ما كان، لن تتغير شخصيته بتغير موقعه، وإنما سيظهرها حيث يستطيع إظهارها...
لهذا لا تتوقعي أبدًا أن تأتي النصرة ممن يكيد بأخيه، وإن صاح في الشوارع، وامتلأ بالحماس، وحركته العواطف... إنسان كهذا لو ذهب إلى فلسطين فإنه ما يلبث أن يكيد بإخوانه هناك عند أول خطر يهدد مصلحته!!
فلماذا الاستغراب يا أخ محمد وائل؟!
إذا كان من ينتسب إلى الإسلام –هذه الأيام- يعد أخاه المسلم أول عدو للأنا التي يحملها بين جنبيه، فكيف لا يفعل به ويفعل...
وجود أخيه يعني: وجود منافس له فيما يسعى إليه من مال أو جاه!
لهذا تراه يجهد في سحقه والكيد له من أجل أن يفوز بالمال أو بالجاه الذي سيسبقه إليه!! ومن أجل أن يسترجع حقه المسلوب منهما....
صديقه الوحيد الذي يخلص له: هو من يحقق مصالحه الحقيرة هذه...، فإن عجز يومًا عن تلبية مراده منه، رماه في سلة المهملات دون تردد!! والناس من حوله تسأل: كيف انقلب فلانٌ ضدّ فلانٍ في غمضة عين؟؟
والحق أنه لم ينقلب، ولكنه يمارس استراتيجيته في الحياة، والتي لم يكن يفقهها الذين من حوله!!
الناس يظنون أن مبادئه مستمدة من الإسلام!! ولكن الأيام تكشف أنه كان يعتنق مبدأ: (حبيبي نافعي) و(مصلحتي أولاً)!!
إذن أخانا صاحب مبدأ، وقد كنا نتهمه بأنه لا مبدأ له!! فحذار حذار من ظلمه والقول عليه بغير حق!!
ولهذا، إن خوفته بالموت:... ازداد في غيّه وطمعه!! ذاك أنه يريد أن يستغل كل دقيقة لجلب مصالحه قبل أن يموت!!
وإن خوّفته بالحساب والعقاب: لم يقفز إلى ذهنه إلا العقاب الذي سيناله أخوه الإنسان، الذي تعدى حقه، ومنعه من حيازة جميع ما على الأرض من مال أو جاه...، أما هو... فواضح أنه لم يظلم أحدًا مهما فعل!! وأنه لم يتعدَّ على حق أحد!!
فلا يغرّنك منه كثرة صيام ولا صلاة! ولا مداومة على حضور مجالس العلم! ولا حماس مؤقت زائف!
ولا تعجب بعدئذ مما يفعل بأخيه!!
وكلنا غزة...
مجزرة في غزة و العرب بلا عزة؟؟/ الطريق إلى غزة/ مع غزة ومن غزة/ حروب غزة التي بدأت/ يوميات مفرووووسة جدا... غزة!/ غزة صمود وأمل/ غزة، والبشرُ خلايا المخ العالمي الجديد!!