مضى زمن طويل منذ آخر مرة رأيت فيها مظهرا عفويا حقيقيا يعكس شعبية فعلية لقائد مصري، ناهيك عن أن البرادعي مجرد قائد محتمل أو فكرة مطروحة ولم تتحقق بعد، وتذكرت زمن السيارات المكشوفة التي كان يقف فيها رئيس مصر ليحي شعبه بعد أن أصبح الزجاج الواقي من الرصاص هو سيد الموقف حتى في مباريات الكرة. أصبحت المسافة بعيدة حقا بين الحاكم والمحكوم، يعيش الرئيس أغلب الوقت في منتجع ناء معقم في أقصى أطراف مصر تاركا شعبه يموت بالسرطان أو تحت الصخور أو في قاع البحر.
لذلك كان المشهد مبهجا لقلبي من الأعماق وأنا أقف بين الآلاف نهز أعلام مصر بألوانها الجميلة في انتظار ذلك الرجل العظيم القادم من الخارج يريد الإصلاح. رفض البرادعي الخروج من قاعة كبار الزوار مصمما على الخروج من باب الجمهور، وهكذا شعرنا جميعا أن باب الجمهور قد تحول هو ذاته إلى قاعة لكبار الزوار وبأننا جميعا شركاء في ذات القاعة وأننا لنا قيمة لدى ذلك الذي نريده ويريدنا، إن حجم الزائر هو الذي يصنع قاعة كبار الزوار في أي مكان يزوره.
ورغم ذلك فلعلي أكون أول من يريد استعمال ديمقراطية البرادعي لأخالفه الرأي فورا وأطالبه بألا يظل مغلفا في الهواء خارج الأطر المقننة لأنها رغم سوئها الذي نعرفه فسوف تكون العربة التي تتحرك بطموحاتنا نحو التحليق إلى المستقبل، قد تكون العربة رديئة وقد يكون الطريق غير معبد هذا حقيقي ولكن هذا هو كل ما لدينا ويجب أن نستغله إلى أقصي حد، حتى لو اضطررنا إلى دفع العربة دفعا ورفعها بأذرعنا فوق كل الحواجز المزروعة على الطريق، ولكن أن نترك العربة ونعترض على حالة الطريق ونبقى في الهواء دون منظومة محددة مهما ساءت فهذه مثالية تليق بالبرادعي ولكنها لا تليق بما هو مقبل عليه.
أقول لمحمد البرادعي أريد منك خطة بعينها وجدولا زمنيا بل وعوائق كي نحطمها من باب التغيير وحواجز نكسرها ولو بالألم لكي نتعلم قيمة ما نبحث عنه بالكفاح والتضحية، لقد أتيت إلى مصر من فيينا طائرا فوق السحاب ولكنك لن تصل إلى رئاسة مصر إلا عندما يتعفر حذاؤك اللامع بترابها ويسير فوق حواجزها وأحجارها. لو سمحت من فضلك إنزل من فوق ولا تتركنا معلقين في الهواء لا نعرف تحديدا ماذا يجب أن نفعل، فالقول المجرد بأنك تريد العمل مع الشعب فيه تعميم، والقول المجرد بأن المطلوب ممن يريد العمل معك هو أن يؤدي واجبه في موقعه فيه تجريد يتركنا حيارى وهذا لا يليق بقائد، من فضلك ارسم لي خط على الأرض وأنا أمشي عليه لكي لا تتبدد هذه الطاقة الهائلة المشحونة بالأمل فوق السحاب، طاقتي أنا وآلاف بل وملايين من أبناء هذا البلد...
اقرأ أيضاً:
المجلس الحكومي لحقوق الإنسان/ المخاض