أرسل مصطفى (20 سنة، طالب، مصر) هذه المشاركة في مدونة الأمة هي الحل يقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
دكتور احمد أنا شايف إن حضرتك متحامل كتير على الشيوخ وحضرتك بتقول كلام كثير إحنا مش بنسمعه منهم يعني حضرتك بتعمم والأسلوب اللي حضرتك بتكلم بيه ممكن يخلى الناس متستفيدش منه أنا عن نفسي مقالات كتير لحضرتك تضايقت كتير من الأسلوب اللي فيها ومش هيوصل لاتفاق مع حد مثلا أنا بحب أسمع لشيوخ مثلا مش قادر أقرأ مقالات حضرتك وآسف فيها كتير تهكم وهجوم صارخ على الشيوخ وزي ما حضرتك بتقول إن هما بيقوله إنهم الصواب المطلق فانا شايف من نبرة كلام حضرتك إن حضرتك بتكرر نفس الكلام بطريقة ثانية ويا ريت حضرتك لا تضع الشيوخ جميعا في سلة واحدة أو بمعنى أصح السلفيين مثلا مصطلح عام حضرتك لو تكلمت عليه هتقصد أي سلفي مثلا.
ثاني نقطة الشيوخ من أهم الناس الذين يزرعون أفكار في المجتمع ومن أكثر الناس تأثيرا في المجتمع والحمد لله فلو عندهم مشكلة نحاول تصليحها وتنبيههم مش ذبحهم وإقصائهم.
ثالثا موضوع إن الشيوخ مش بيتكلمو عن أخلاقيات وبيتكلموا عن التزام شكلي فقط فأنا لا أرى ذلك حضرتك أنا بحضر لشيخ معين من خمس سنين متكلمش عن الحجاب إلا مرتين اثنتين ولم يتكلم أبدا عن اللحية مع أن أغلبية الذين يحضرون له الدروس والخطب ملتحين فيا ريت لا نخسر الشيوخ وطلابهم ونحاول أن نصل إلى نقطة اتفاق مابين الرأيين أعانكم الله ووفقكم وسدد خطاكم
والسلام عليكم ورحمة الله
14/12/2009
هناك معضلة كبيرة تواجه كل من يكتب، وهي أكبر وأثقل عند من يحاولون إرشاد الناس أو شرح قضايا كبرى، أو تلخيص خبرات متنوعة ومتراكمة!!
أقصد بهذه المعضلة ما يمكنني تسميته: قصور اللغة، فالكلام وحروفه ومعانيه قاصر مهما كان الثراء، أو محاولات التجويد والتبسيط والانتقاء، وإلا قل لي بالله عليك كيف يمكنك أنت أو غيرك، وكيف يمكنني أنا أو غيري أن تشرح أو تختصر خلاصة ربع قرن مثلا من الأسفار والتجريب والخطأ والتعلم منه؟! كيف يمكن التعبير عن هذا بكلمات مهما كانت بليغة؟! ولكن لا بأس من المحاولة لأننا سنظل نتواصل بالكلام، وسنحاول دائما الفهم والتفهيم والتفاهم عبر كلام!!
الأصل أن من يتصدى لإرشاد الناس هو من تتكامل في شخصيته نواحي تمكنه من القيام بهذا الدور، إضافة إلى سعيه لاكتساب مهارات وقدرات ومعارف لا غنى له عنها، وأنظر حولي فلا أرى أحدا يتعب نفسه كما ينبغي له أن يفعل، والنتيجة أن يأتي كلام المتصدرين للإرشاد قاصرا عن الإحاطة بالمقصود أو المنشود أو المطلوب لمقتضى الحال والزمان والمكان والمخاطبين، وبالطبع لا أعمم لأن كل تعميم هو خطأ منهجي، لكن الغالب على ما أسمع من كلام التوجيه والإرشاد أن يقع في أخطاء فادحة مثل الغرق في العموميات، أو إعادة إنتاج البديهيات، أو اضطراب الأولويات، أو بساطة وبدائية إدراك الواقع والشرع، ولا يمكنك يا عزيزي أن تدرك حقيقة ما أقوله هنا إلا إذا أتعبت نفسك بنفسك في فهم الواقع والإنسان والشرع والحياة، لأنك طالما تفهم شيئا عن طريق أحد فأنت لا محالة ستكون أسيره، وسقفك سيكون محدودا بما يطرحه هو، أو بالأحرى ما تستوعبه أنت مما يطرحه، ولن تستطيع أن تدرك شيئا مختلفا إذا بقيت تنظر للواقع بنفس العيون المستعارة ممن تقرأ لهم أو تسمع!!!
وحل هذه الجزئية أن تتعب نفسك، وتوسع دائرة مصادرك ـ وتعبر حدود حالة الاستسهال القاتلة التي نعيشها، وطمأنينة التعافي التي نركن إليها فنصاب تدريجيا بالعمى، ويصبح من بعض العبث أن يشير لنا أو علينا أحد بشيء لا نراه!!
بالطبع لا أهدف إلى الهجوم الشخصي على أحد مهما كان، بل أعتبره مشينا وعيبا قاتلا أن تخرس ألسنتنا عن مهاجمة أشخاص من لديهم السلطة والسطوة والجنود والهراوات ثم نطلق نفس الألسنة لتنال ممن لا ميليشيا أو لا جنود ولا حرس لهم، ولذلك فإنني أبدا لا أشير إلى أحد بعينه من أجل ما ذكرته هنا توا، ومن أجل أن كل إنسان يصيب ويخطئ، ويجتهد فينجح أو يفشل، ولا أفعل أنا مثل كثيرين، أي اختصار الأخطاء ونواحي القصور في أشخاص بعينهم، فهذا ليس صحيحا لا منهجيا ولا واقعيا، إنما تحديدا أنا أنتقد وبشدة نمط تفكير وممارسة، وأسلوب توجيه وإرشاد، وقصور تكوين وأداء، وما أبرئ نفسي ولا زملائي، وفي مدونتي عن "من لا شيخ له" أسهبت في شرح أن كل من يصنع المعاني، ويشير على الناس فهو شيخ، وعليه مسئوليات وواجبات، وعلى المتعلم، طالب العلم منه، واجبات أيضا، ومنها أن يتحرى من يختار، أو ما يختار، من مصادر وأشخاص يتعرف من خلالهم على الدين والدنيا، وأن يوسع دائرة هذه المصادر ما أمكن، حتى تتكون له بعد حين ذائقة يحكم بها على جودة وأصالة ونفع ما يسمع أو يتعلم، لأنني رأيت غياب هذه الذائقة مما يضيع على الكثيرين وقتهم وحياتهم في غير الأولى (بفتح الهمزة).
أنا معك في أن المشايخ يؤثرون في الناس كثيرا، وبالتالي أراهم مسئولين بقدر تأثيرهم هذا عن بؤس واقعنا وتخلفه، وأتطلع معك إلى دور متقدم لهم في تغيير مفاهيم الناس، ولكنني أعتقد أن هذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا تغيروا هم أصلا بتنمية في مهاراتهم ومعارفهم، وتوسيعا وتعميقا في إدراكهم لمتغيرات الواقع، ورؤية زوايا جديدة، وربما نظرات جديدة في الشرع وتطبيقاته المتجددة بطبيعتها، وطبقا لمتغيرات الأسئلة تختلف تفاصيل الإجابات حتما، وصور الممارسة، وإن ظلت القيم والمبادئ والمقاصد أكثر ثباتا واستقرارا من الوقائع والمستجدات المتغيرة بطبيعتها!!
لم يعد يكفي النظر في كتاب الله المسطور دون المنظور، ولا التعرف على أحوال الناس بالشبه والإجمال، ولا الإلمام بأسئلة العصر تخمينا، أو بالاعتماد على مصادر ركيكة متهافتة، ولم يعد يكفي أن يبقى الجمهور كسولا وعالة على دعاة يواجهون وحدهم عصر الانفجار المعرفي، وتلاحق الأسئلة، واتساع الأزمات والمعاني وتجارب الحلول، وخبرات التعامل معها!!
لا يمكن أن يحيط إنسان مهما كان مجتهدا بهذا وحده، والحل ببساطة في العمل الجماعي، ومشاركة الجمهور الكسول!!!
ولا سبيل غير هذا، إن كنا نريد مستقبلا مختلفا!!
عمليا اقترحت منذ مدة طويلة على أخي وزميلي د.وائل أن نقتحم هذا المضمار بخطة وخطوات، ولكن ضيق الوقت وكثرة الأعباء تؤجل البدء، وأقترح هنا بديلا واضحا ومحددا أو يبدو لي أسهل وأسرع: مبدئيا أن يصل رابط موقعنا هذا إلى أوسع دائرة من الدعاة، وما يهمني هو الجزء المتعلق بالأسئلة، أريد أن يرى المشايخ وتفاصيل وتضاريس المشكلات من زاوية لا يرونها في الواقع وجها لوجه، وأن يتعرفوا على تضاريس أرض يسيرون فيها دون أن يتبينوا تفاصيل تضاريسها!! وأن يعرفوا بعض حقيقة ومعاناة من يخاطبونهم.
أريدهم أن يعرفوا تفاصيل وأعراض الخلل والعلل حتى يكون وصفهم للأدوية موجها ومحددا وواعيا وناجحا بدلا من الاقتصار على وصف الفيتامينات أو مقويات المناعة!! ولعهم أيضا يتعرفون على أنفسهم وعيوبهم شخصيا!!
وأريد لهم صلة للتعريف بمبادئ العلوم والمفاهيم النفسية والاجتماعية وهي مفاتيح لا غنى لهم عنها، ومعرفة لابد لهم منها، وتفاصيل سيكون الإلمام بها مفيدا لتسديد خطابهم، وإرشادهم للناس.
ولا أعتبر نفسي طماعا إذا تطلعت لإسهام المزيد على غرار ما تقوم به الأستاذة رفيف الصباغ، وهي دارسة علوم شرعية، ويبدو أن كتاباتها يمكن أن تكون نموذجا ملهما ومهما للتعارف والتعاون بين المشايخ وبيننا، وأحسب أنها أتعبت نفسها، وما زالت، ونحتاج إلى ذلك لا يكفي يا أخي الكريم، وابني العزيز أن تتوافر لدينا النوايا الحسنة، والرغبة في الوصول للخير، ونفع الناس، ونهضة الأمة، ولكننا نحتاج إلى أن نتعب أنفسنا قليلا وكثيرا في سد فجوات هائلة، ورتق فتوق واسعة، واستكمال حلقات ناقصة، والاعتراف والمصارحة بأخطاء فادحة، والتعاون لإصلاحها.
إن كثيرا من المادة التي يحملها موقع "مجانين" هي كنز متاح لا أعتقد أنه متوافر على موقع آخر، وأزعم أن تقصيرنا في التواصل مع هذا الكنز، والتواصل به وتوصيله لمن يمكن أن يستفيد منه ويضيف إليه هو تقصير يحتاج إلى حركة عاجلة لتلافيه!! وأشكرك بشدة على مشاركتك.
وأرجو أن أكون قد أوضحت لك ما أهدف إليه من أن التعويل على الآخرين ـ مهما كانوا ـ ليكونوا العين التي نبصر بها العالم، والأذن التي تسمع، والعقل الذي يدرك ويفكر بديلا عنا ثم نستهلك نحن أفرادا وجماعات هذا "على الجاهز"، هذا المنهاج سيكرر إنتاج نفس أخطاء الماضي، ولا بد من حدٍّ أدنى من الوعي عند المتلقي، وذائقة تمييز، ومعايير جودة لفلترة ما يتلقاه يحسبه آخر العلم، وهو بضاعة رخيصة وبسيطة لكن ضعف خبرة المستهلك تجعله صيدا سهلا لأي بائع!!
نظرة بسيطة على أي موضوع مطروح مثل استفتاء منع بناء المآذن في سويسرا، أو حملة السلطة ضد النقاب، أو غيرها من القضايا التي تشغل الناس، ويتفاعل معها الدعاة، أية نظرة بسيطة متعمقة ستكشف بسهولة أن طريقة معالجة أغلب المتكلمين أو المتصدرين للتعامل مع هذه القضايا إنما يقولون كلاما عاما وسطحيا ناهيك عن الانتباه إلى أن هذه القضايا ربما يحجب غبار إثارتها قضايا أهم تتعلق بالمسجد الأقصى، أو غير ذلك من قضايا أخرى تتوارى على أهميتها لمصلحة أجندة أولويات مصطنعة يلقيها إلينا الإعلام، ونحن نتلهى بها!!
إن أسلوب معالجة المسائل، وليس فقط جدول العناوين والقضايا، وإن ترتيب الأهم فالأقل أهمية، وإن اتساع الرؤية، وعمق التحليل لجذور القضايا هو مما ينقصنا جميعا دعاة، أو موجهين على أي منبر، والمقارنة بين أي إنتاج أو عمل رصين سواءً في إنتاج فقهاء قدامى في عصور الازدهار، أو علماء محدثين حيث الجهد والعرق بحثا عن الحقائق لا الأوهام والكليشيهات، حين تبحث وتجد شيئا تعلنه في شجاعة، وقد يتغير موقفك بعد أن تعلم أو تتعلم شيئا جديدا، وهكذا.
ويبدو لأنني أحببت حرصك وتهذيب أسلوبك قد أطلت عليك، ولذلك دعني قبل أن أتركك في رعاية الله أن أقول لك أنني لست متحاملا على أحد بعينه، وأنني أرى أهمية تطوير ما هو شائع وسائد من خطاب وتأثير للمشايخ على الجمهور، وأن الأسلوب الذي أستخدمه في أغلب كتاباتي يا عزيزي هو أسلوب نقدي، ونحن لم نتعود ولم نتعلم عن النقد شيئا، فلم نتعلم عبر أسلوب التكوين النقدي للعقل، ولا نكاد نفهم ولا نمارس من النقد إلا جوانب التعريض والتهكم والهجوم الشخصي، وغالبا ما يكون هذا إما من باب "التريقة"، أو مقدمة للذبح أو الإقصاء، كما تفضلت، وقد أدركت كلامي في إطار ما تعودت أنت وتربيت عليه، ومثلك أغلبنا!!
وهذا هو سر ضيقك، وقد فهمته وتفهمته، وأكرر عليك وعلى كل من يقرأ لي أنني أمارس في كتاباتي فضيلة مهجورة ومنهاجا لا أتصور فهما ولا تطويرا للأفكار والممارسات بغيره، وهو الأسلوب النقدي كما ذكرت لك، ويحزنني غياب مناخ وتقاليد وإدراك النقد بوصفه شرطا أساسيا لتكوين عقل سليم، ومواصلة تعليم ناجح، وتنمية وعي راجح، ومعرفة تصلح لزماننا.
ونقدي للمشايخ وخطابهم يأتي من زاوية تصديهم لقضايا كثيرة دون أن يكون تكوينهم الثقافي والفقهي كافيا للخوض فيها، ودون أن تكون درايتهم بالدين وأصوله ومقاصده، والكون وسننه، والدنيا وتفاصيلها، دراية تؤهلهم للإفتاء في كثير من المسائل التي يتجرؤون على الفتوى فيها!!
ونقدي للجمهور أكبر وأعمق، هذا الجمهور الذي يعتبر هؤلاء المشايخ ـ أصلحنا الله وإياهم ـ آخر العلم والمعرفة، والمصدر الأول والأخير للدراية عن الدين والدنيا، وهذا ظلم للمشايخ، وإفساد للدين والدنيا معا، ودعنا نتعاون على تغيير هذه الأوضاع.
ملاحظة أخيرة أسجلها هنا، وربما نفكر معا كيفية الاستفادة منها، وهي أن كل من يعرفني أي سبق له أن قابلني شخصيا في مناسبة أو ندوة أو زارني في عيادتي مسترشدا أو طالب علاج، هؤلاء جميعا يفهمون كلامي على نحو أدق وأعمق من هؤلاء الذين كل صلتهم بي أنهم قرؤوا لي استشارة هنا أو مدونة هناك!!
وأولئك الذين يقرؤون لي من بدايات وجودي على الإنترنت يفهمون من كلامي أغلب ما أريد، بخلاف من يقرأ لي منذ فترة قصيرة!!!
ومن يفهمني لأنه يعرفني لا يدور بخلده ـ ولو للحظة ـ أنني متشائم أو أتهكم على أحد، أو يمكن أن أستهدف شخصا بهجوم أو تجريح، إنما يقرؤون كلامي في ضوء معرفتهم بشخصي وأسلوبي الذي أعترف أنه مختلف عن الشائع والسائد والمألوف، ولا أستطيع أن يكون غير ذلك، ولا أقصده إنما أقدم العالم كما أراه، والنقد الذي أستشعره، وأستجيب أيضا للنقد كما أفهمه، وحين ألمسي نفعا في الرد عليه لتوضيح غامض أو تفصيل مجهل، ولا أتجاسر على اعتبار نفسي أفضل من أحد، إنما فقط أقوم بواجبي في الإدلاء بشهادتي كما ينبغي أن يفعل كل مسلم، والله تعالى أعلى وأعلم.
واقرأ أيضًا
على باب الله: قطرة في بحر/ على باب الله: فيلليني