مغامرات.... في هيئة الأمم (1)
أهلا بكم من جديد، تعالوا نكمل ما بدأناه حول رحلتي إلى الأمم المتحدة، وقد نبهني الكثيرون أنني لم أوضح سبب الرحلة في الجزء الأول، لكنني كنت أريد أن تتسلسل الأحداث.
هذه الرحلة كانت للمشاركة في الجلسة الرابعة والخمسين للجنة مركز المرأة CSW التابعة لقسم الارتقاء بالمرأة DAW بالأمم المتحدة، كعضو في وفد ائتلاف المنظمات الإسلامية والذي تحوز منظماته العضوية الاستشارية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة ECOSOC وكانت تحت عنوان : بكين +15 في الفترة من 1-12 مارس 2010
لنعد الآن إلى بعض اللقطات التي أريد تسجيلها حول هذه الرحلة.
الطابور:
في يومي الأول في مبني الأمم المتحدة كان علينا أن نقوم بالتسجيل في المؤتمر والحصول على البطاقة التي يسمح لنا بدخول القاعات بها، ورغم أننا لم نكن قد حصلنا على فرصة كافية للنوم والراحة بعد الرحلة الطويلة من القاهرة وحتى نيويورك، إلا أننا استيقظنا مبكرين لنقوم بعملية التسجيل (أو هكذا تخيلنا) فما أن دخلنا إلى المبني الخاص بالتسجيل حتى فوجئنا بطابور طويل لم نستطع رؤية نهايته من شدة طوله، وقد قضينا اليوم كله بلا مبالغة في ذلك الطابور أي وقفنا فيه لمدة تسع ساعات كاملة، وخلال وقوفنا اختلطت بداخلي مشاعر شتى وأنا أنظر لنساء ورجال جاءوا من كل بقاع الأرض بمختلف ألوانهم ولهجاتهم فوجدتني ورغم تعجبي الشديد لهذا الكم من المجاهدين (إن صح التعبير) في عولمة نمط واحد وتصور واحد للحياة ويقسم البشر فقط بناءا على أساس سلوكهم الجنسي ويهدر كل ما خالفه من الخصوصيات الثقافية والتجارب الإنسانية ويصطدم بقوة بالفطرة البشرية والسنن الكونية، إلا أن شعورا كبيرا بالمسئولية طغى علي وأنا أنظر لهذه الجموع التي لم تجد الحل لمشكلاتهم إلا في هذا النمط القاصر المختزل للإنسان وقيم الحياة.
نياز:
وهو رجل باكستاني الجنسية قابلناه في إحدى الجلسات ودار بيننا وبينه حوار طويل، لكن أولاً هل تعرفون ماذا يعمل نياز بالأمم المتحدة؟ إن وظيفته تحددت (بحسب كلامه) في أن يقوم باستخراج من النصوص القرآنية والسنة النبوية ما يثبت اضطهاد الإسلام للمرأة، وحينما عرف أننا نرى الأمور بشكل مختلف، بدأ يحاورني ورفيقتي ويقول: why do you feel yourself that inferior to leave a man to be the boss? (لماذا ترين نفسك بهذه الدونية لتتركي رجلا يتحكم بك) وجعل يضرب أمثلة من قبيل: لماذا له حق التعدد وليس لك نفس الحق لمجرد أنك امرأة، لماذا له حق الطلاق؟ ولماذا عليك طاعته؟ وغيرها من الأسئلة المعتادة في هذا المقام، وحينما وجد أننا نملك منطقا مختلفا وفهما مغايرا نشرح ونوصف به الأمور قال: فأين أنتم؟ هل تريدين إقناعي أن كل من ترينهم حولك في المؤتمر خاطئين وأنتن فقط من يرون الأمور بشكل صحيح؟
وسأتوقف هنا عند عبارة نياز لأكرر التساؤل، إلى متى سنتوقف عن الطرح الجاد ونكتفي بالصراخ "إنهم يهدمون حياتنا" بلا طرح حقيقي ولا تواجد جاد في الساحة ثم نتباكى على المكان الذي تركناه فتقدم إليه غيرنا.
وانتصرت الفطرة:
رأيتها ترمقنا من بعيد وعيونها تحمل حيرة واضحة، ظلت تقترب ببطء حذر، حتى بادرناها بالتحية وسألنها عن نفسها، كانت طفلة لا تتجاوز ربما الثلاثة عشر عاما قادمة من دولة من دول جنوب أفريقيا (وهو ما عرفته من بشرتها الداكنة) وقد أزالت تقريبا شعر رأسها فصارت أشبه بالرجال، قالت بحذر: ما رأيكم فيما يقال في هذا المؤتمر، بهدوء تبسمت رفيقتي وقالت لها: ما رأيك أنت؟ قالت بحيرة بادية: أظن أن هذا لا يرضي "الرب"، لكنهم يقولون أن هذا هو الأفضل، صمتت قليلا ثم قالت: هل توافقون على أنه يجب أن نكون تماما مثل الرجال؟ فأشارت صديقتي إلى أحد الأطفال الذكور ثم إلى طفلة صغيرة بالجوار وقالت لها: هل تعتقدين أن هذين متماثلين تماما؟ قالت: أنا أشعر بذلك لكنهم يقولون...... صمتت بحيرة ثم قالت: علي أن أذهب الآن، ودعناها بابتسامة هادئة وقلنا لها: فكري كثيرا واتبعي قلبك.
هذه الفتاة الصغيرة ورغم عمليات غسيل المخ التي تعرضت لها إلا أنني شعرت أن صوت الفطرة ارتفع بداخلها ليرفض هذا العبث الذي يروجون له ويفرضونه فرضا على العالم.
اقرأ أيضاً:
خواطر حول الرحلة / رجل وأربع نساء / تجربة 2003 / تأملات