أفكار شتى تراودني منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتجول ببصري وقلبي وعقلي في الدنيا وأحوال الحياة....
منذ عدة أيام، كنت أشاهد فيلما سجلته أختي لابنها "بلال" الذي يبلغ من العمر عاماً واحداً وهو يحاول الوقوف، مدة الفيلم عشر دقائق حاول بلال فيها الوقوف عشرات المرات وفي كل مرة يقف لثوانٍ ثم يقع على الأرض، ثم يقوم بهمة ليعيد المحاولة، وهكذا..
وسرح خيالي مع تطور الإنسان من جنينٍ إلى طفل وليد لا يعرف شيئاً إلى محاولات للجلوس ثم الزحف ثم المشي، يبدأ بنطق حروفٍ لا معنى لها، ثم كلمات مكسرة، ثم جملٍ بريئة وهكذا...
وسألت نفسي وأسألكم، لماذا قضى الله عز وجل بأن يقضي الإنسان سنوات من عمره يتعلم فيها مهارات الحياة؟
ووجدتني لا إرادياً أقارن هذا المشهد بمشهد متكرر في نوع من الخطاب الديني الذي شاع هذه الأيام، والذي كثيراً ما أشعر أنه يبسط مفهوم الحياة والإنسان بشكل مبالغ فيه والذي قد يضيق حياةً واسعة، وملكوتاً شاء الله تعالى للإنسان أن يعيش فيه.
انظروا معي إلى الكون الواسع الفسيح، ليزداد تعجبي وتعجبكم، وتزداد معه فكرتي ثباتاً واتضاحاً، لماذا خلق الله تعالى "الجمال" (بفتح الجيم)؟
ولماذا جعل ذلك التنوع الرائع في أنواع الفاكهة والطعام إن اقتصر فهمنا أن الطعام هو "فقط" لإشباع جوع الإنسان؟
لماذا جعل الله ضحكات الأطفال مثلاً تشرح الصدور، وتملأ القلوب بالأمل والسعادة؟
وهل يمكن لنا كمسلمين أن نختزل معاني الدين والحياة والحياة المتدينة في صور تعبدية (هامة بلا شك) لكنها ليست وحدها صور عبادة الله في الأرض والعيش في هذه الدنيا لله؟
إن التعقيد والجمال في الكون الواسع يجب أن يؤدي إلى منهجية عميقة للعقل المسلم المؤمن بخالق الكون المبدع جل وعلا، فتخرج تفكيره من التبسيط المخل للحياة إلى تفكير عميق وفهم أعمق واجتهاد أعلى للإحاطة بأسرار الكون الواسع وسياحة مطلوبة في الكون والحياة.
هل أصبح الكثيرون بغير قصد يبسطون مشاكلنا بعبارات عامة وحلول سطحية تهدر كثيراً من المعاني التي بني عليها الكون فيخالفون دون أن يدروا سنن الله في خلقه؟
وهل انشغلنا كمسلمين عن السعي في عمارة الأرض عندما توقفنا عند ظواهر النصوص وابتعدنا عن المقاصد والمعاني؟
أعزائي... أدعوكم جميعاً أن تخرجوا إلى مكان واسع، وأن تتأملوا عجائب الجمال والتعقيد في الكون الواسع لتشعروا وتفهموا ما أقول.
أليست هذه هي عبادة التفكر الغائبة عن وعي الكثيرين منا كمسلمين منذ زمن.
واقرأ أيضاً:
مغامرات في هيئة الأمم (2) / وداعاً يا رمضان