طائرات الهليكوبتر الأمريكية تحلق فوق رؤوسنا ليل نهار منذ استباحة سمائنا قبل سبع سنين عجاف ولحد اللحظة ولا أدري كيف تعودت أسماعنا على أزيزها المنكر والمهين, أحيانا بشكل سرب كالغربان السوداء وأحيانا أخرى منفردة وبارتفاعات واطئة حتى لنحس بارتجاج جدران منازلنا لا تقل الطلعات اليومية عن 4 ولربما أكثر حين يكون النوم قد أخذ بانتباهي ورحمني قليلا من الشعور بهوان الاحتلال.
ومضيت بأحلامي إلى ملاعب صباي حين كانت السماء لا يسكنها إلا مخلوقاتها التي سكنتها, تلفها الزرقة الصافية وتزينها في المناسبات مروحيات جيشنا الوطني حيث كنا نتسابق على عشب حدائقنا لعلنا ننال قسما من الحلوى أو المنشورات التي تلقى من المروحيات في المناسبات الوطنية أو نحظى برؤية الطيار العراقي الوسيم يبتسم لطفولتنا ونعود لنتسابق في التباهي أمام الكبار:
من منا قد رأى الطيار هذا الرمز للبطولة والفرح والذي كان يبسط ملكوته على السماء الممتدة تشجو له البلابل والحمام بعد وهلة حيث تربينا على أصواتها التي ترافقت مع ترنيمة الأم ورائحة مطبخها الحنون, أحقا ذهب ولن يعود؟
أحقا تدمر الماضي وتناثر إلى أشلاء؟
هل تعود أيها الطيار الجميل الخارج من البيوت العفيفة أم تراهم قد صنعو لك بدائل من الصفيح كل بطولاتها هي في اتباع خطاهم؟
أين جندينا المشرع صدره العاري أمام نيران المعارك في خطوط القتال ولا من سترة واقية تحميه وإن غطت الرتب والنياشين كتفيه؟
ترى هل أبدلوك بالجندي المجوف, ينظم المرور في الشارع ويحرس رياض الأطفال بعدة قتال خرافية وعتاد يكفي لعشرات الساعات من القتال؟
وعند مغيب الشمس يترافق مع قنينة البيرة وحبوب (الفاليوم) بالعشرات ويعود ليضرب امرأته ويشتم ويكفر بالله لكنه يقدس البشر ويؤدي التحية للمحتل صباح اليوم التالي, هل يا ترى نستطيع أن نضم هذه الأصوات إلى الفهرس الطبي لتوصيف الصدمة التي تسبب الأعراض النفسية المسماة بالرضح الكربي؟ كيف لمتخصص في الطب النفسي أن يعيش تحت ظل أحقر أنواع الاستعمار الحديث الذي تلبس لبوس العصرية وتشدق بالشعارات الكاذبة ومما يحز في النفس امتناننا له إذا عطف علينا بكلمة محايدة في صحيفة أو مشهد تمثيلي في فلم سينمائي قد يظهرنا كبشر وقد نستحق بعض تعاطف الأسياد المسترخين في بلاد العم سام.
أبدا لا تكفي الكلمات لإيفاء المشهد المأساوي حقه ولم يسبق لكل الأمم السائدة والبائدة أن مرت بمثل ما خبرناه من تجارب الموت بمختلف أشكاله وصوره لم يسبق لأي مكان أو زمان في العالم أن جمع المتناقضات من أقصاها إلى أقصاها حيث يترافق عواء طائرات العساكر مع تحليق العصافير, أن يركض أطفال المدارس بعيدا عن جثث افترشت الأرض, أن يسمى أسافل القوم وأجبنهم بالأبطال والمناضلين, وأن يسمى النهب والفساد بالتطوير والإعمار, أن يحقر من كان كريما ويكرم من كان حقيرا, لا يوجد غير خالقنا جميعا لينظر لنا بالرحمة والعدل الذي لم يشملنا إلا في أضيق الحدود –يا الله يا الله أنت القائل: بسم الله الرحمن الرحيم: ورحمتي وسعت كل شيء-صدق الله العظيم.
واقرأ أيضاً:
من العيد إلى يوم العراق البعيد / على باب الله 13 /3 مع العراق / لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة / مدونات مجانين: كيف ننجو بالعراق؟