بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
أحبائي في كل مكان...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بأحسن حال وأهنئ بال...
أحبائي؛ هاهو رمضان قد لملم أغراضه استعداداً للرحيل... تاركاً في نفوس البعض آثار التقوى... فيا رب اجعلنا مع ومن المتقين وكل من نحب...
وفي هذه اللحظات يحلو سرد الذكريات واستنباط العظات من هذا الشهر ((المدرسة))، لما فيه من الدروس والعبر الكثيرة، أحببت أن أتبادل معكم بعضاً منها عسى الله أن ينفعنا بها، إليكم هي:
الدرس الأول: أياماً معدودات
جرّب أن تطيل المكوث في مسجدٍ كان يغصُّ بالمصلين لما بعد أداء الصلاة، لتشهد خروج المصلين واحداً تلو آخر، حتى تفاجئ وأنت لا تشعر بأنك أصبحت وحدك...
هذا المشهد ما أشبهه بحالنا مع أيام رمضان بل مع العمر كله، ترحل الأيام يوماً بعد يوم حتى ينصرف الشهر كله وأنت لا تشعر... نعم هي أيامٌ معدودات لعلنا نحصّل آثار التقوى منها (ولعلكم تتقون)...
الدرس الثاني: من رمضان الماضي إلى رمضان الآتي
قد يراودك في نهاية الشهر كما راودني الشعور بالخسارة والغبن على ما فوت من طاعات، فتشعر بالندم والحزن والخسران، وخاصة لما تقارن قليل عملك بفضل الله عليك، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
لكني أحبائي وجدت برداً لحزني في كلمات طيبة نُسبت للدكتور الحبيب عمرو خالد حين قال:
لا تحزن إذا ما فاتك العتق من النار في رمضان، فرب رمضان موجود طوال العام... لا تحزن إذا فاتتك ليلة القدر، فهناك عشر من ذي الحجة قادمة فلا تضيعها...
لا تحزن إذا فاتك الاغتراف من كنوز الحسنات في رمضان فبعد رمضان القرآن موجود والقيام موجود والذكر موجود وبالتالي فالحسنات موجودة والله يضاعف لمن يشاء....
ابتسم واسعد وابدأ من جديد فأنت لك رب كريم رحيم... انتهى كلامه جزاه الله خيراً.
ثم تخيل أخي الكريم أختي الكريمة أن الزمن سيعود بك إلى أول يوم من شهر رمضان أو لنقل أول يوم من شهر شعبان، يا ترى ماذا كنت ستفعل مستفيداً مما حصل لك الآن؟!
فضلاً امسك قلماً وورقة واكتب ما ستفعله، واجعلها خطة لرمضان القادم إلينا إن شاء الله، واحتفظ بتلك الورقة حتى شهر شعبان القادم لتستثمر أخطائك وتستفيد منها. وهكذا افعل مع كل رمضان وكل مناسبة تشعر بعدم الرضا عنها...
الدرس الثالث: شكراً لله
هو رد سمعته من أخ مسلم يعمل في تنظيف ممشى الملك عبد الله في الرياض، لما مررت بجانبه فأعطاه أمامي شخص بعضاً من الريالات، فنظر إلى السماء وقال: شكراً لله، فاجأتني ردة فعله وجلست أردد بيني وبين نفسي (فعلاً شكراً لله) أن وفق من أعطى ليعطي ورزقه قبل ذلك وجعل الناس درجات، كم تملك هاتين الكلمتين من معاني مكثفة!!
الدرس الرابع: وأغطش ليلها وأخرج ضحاها
جرّب أخي الفاضل أن تصلي القيام ثم الفجر في جماعة ثم تجلس تذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، وبذلك تشهد الحالتين شدة سواد الليل وحلكته مع وضاءة الفجر وبدايات تنفسه، وتأمل كم وكم ستحظى من الانشراح في الصدر والسرور والحبور بعدها، حينها تعلم لمَ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب بها بقوله: له أجر حجة وعمرة تامتان تامتان تامتان!! والله أعلم.
الدرس الخامس: لمَ نكسّب شركات الاتصالات ولا نكسّب أنفسنا ومن نعايده ؟!
أصبحت وسائل المعايدة متنوعة حسب ما هو متوفر من وسائل اتصالات حديثة، عبر رسائل الجوال والإيميلات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسوبك، ولكني أجد -ولعلكم أنتم أيضاً- أن الصلات الاجتماعية تتسطح أكثر ويقل عمقها بالرغم من الكم الهائل من رسائل الجوال والإيميل خلال الأعياد ورمضان، لتصبح وسائل التواصل فيما بيننا إلكترونية وحسب، ويغيب عنها الحميمية والدفء، أجد الرسالة المرسلة مليئة بالدعوات، لكن ما أجملها وما أطيبها لو كان لها حظاً في دعائك المباشر مع الله تعالى!!
وحسب الإحصائيات أن رسائل الجوال في بلد ما كمصر خلال رمضان أو العيد تكفي لتقديم معونة جيدة لبلد مسلم منكوب كفلسطين أو باكستان ، وما بالك بالعالم الإسلامي ككل!!.
كنقطة عملية أقترح أن نبتعد عن الإكثار من رسائل الجوال ابتعاداً عن الإسراف وحفاظاً على المال (ولا أعني إلغاءها أبداً فلها أثرها بل ما أعنيه تقنينها)، ويبقى الإيميل ومواقع التواصل الاجتماعي جيدة وأقل تكلفة وأرحب لتقديم التهنئة الرسمية فقط، أما الاتصال المباشر عبر الهاتف أو شخصياً فهو الأكثر وقعاً على القلوب... وعلينا أن نتخير المناسب حسب الشخص الذي سنقدم له واجب المعايدة.
الدرس السادس: لقد عشت أسمع الله - سبحانه - يتحدث إلي بهذا القرآن!!!
وفي الختام أترككم مع كلام صاحب تفسير ظلال القرآن يصف حياته في ظلال القرآن ، حين افتتح تفسيره قائلاً:
((الحياة في ظلال القرآن نعمة . نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
والحمد لله، لقد منَّ علي بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي. ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
لقد عشت أسمع الله -سبحانه- يتحدث إلي بهذا القرآن، أنا العبد القليل الصغير، أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟))
تلك هي الدقائق الأخيرة من شهر رمضان تنسحب من عمرنا بصمت، وهاهي شمس هذه اليوم لا أكاد أراها... اللهم اجعلنا من الفائزين بالجائزة وأهلونا وكل المسلمين... اللهم اجز عنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير ما جزيت نبياً عن قومه.
اللهم اغفر لنا تقصيرنا وعاملنا بما أنت له أهل... اللهم لا تحرمنا السعادة برؤية وجهك الكريم، آمين آمين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ودمتم بكل خير... ومن خير إلى خير
(آذان المغرب السادسة مساء يوم 30 من رمضان 1431 هـ ، 9-9-2010 م)
*اقرأ أيضاً:
أسرتي صامتةٌ.. لكني أعشق حديثها! / فن الصبر