حين بلغتني صعوبة ما أحاول توصيله لتفسير ماهية وحتمية "ثقافة الحرب"، ورفض ثقافة السلام حتى لا تنقلب ورقة المعاهدة إلى استسلام دائم، رحت "أستعين بصديق" لإبلاغ رسالتي، فلم أجد أحب إليكم من جاهين ومحفوظ. أظهرت في تعتعة سابقة كيف أن صلاح جاهين أبلغنا موقعه من غمر الدماء للبقاء بكرامة طول الوقت: "أنا كلـّي دم، قتلتْ ولا اتقلتْ"، وأيضا اقتطفته وهو يصارع النهار الجديد، يا قاتل يا مقتول: "نهار جديد أنا.. قوم نشوف نعمليه، أنا قلت يا ح تقتلني.. يا ح اقتلك!!" ثم وعدت أن أواصل محاولاتي من مدخل نجيب محفوظ في إبداعه "ليالي ألف ليلة"، ونقدي لها.
أنا أعرف نجيب محفوظ مبدعا وروائيا منذ 1948، ثم عرفته في مقابلة واحدة مرتبة من أصدقاء في مبنى الأهرام فى منتصف السبعينات، ثم تعرفت على إنتاجه ناقدا حين بدأت أمارس النقد الأدبي بانتظام، ثم عرفته بعد محاولة الاغتيال مريدا وصديقا عددا من السنين، ثم اكتشفت وأنا أمارس الآن كتابة بعض ذكرياتي عن هذه الأيام الأولى التي صحبته فيها، وكنت أكتب لمحات عنها آنذاك، ثم قررت أن أنشرها حاليا في موقعي كل خميس بعنوان "في شرف صحبة نجيب محفوظ"، اكتشفت أنني أتعرف عليه من جديد بشكل لم أكن أتصوره، أكتشف أثناء تحرير كل نشرة أنني قد عاشرت داخله بقدر ما عاشرت خارجه، وأنني حفظت بعض حواراته عن ظهر قلب، بل وأنني أستطيع أن أقرأ ملامح وجهه الآن وأنا أعيد التحرير، إذ يبدو أنني استوعبت زوايا انحناءات رأسه أو جسده، وتنوع أشكال صمته، وتجليات مختلف ابتساماته وضحكاته، وأنني تعلمت كيف أرصد عمق زوابع غضبه حين يكتمه أو يحوره بإرادة واعية، وأنني تعلمت وربما عانيت من صلابة عناده...إلخ، أضف إلى ذلك أن هذا التحرير الجديد قد سمح لي أن أعيد تقييم مواقفه، وأيضا أن أعيد تقييم مواقفي منه، بما في ذلك مواقفي النقدية من أعماله، فتراجعت -نسبيا- عن مبالغتي في رفض نهاية ملحمة الحرافيش التي بدت لي توفيقية ساكنة بشكل ما، لا تتناسب مع زخم الخلق والعدوان والبطولات والتحدي طوال الملحمة.
ثم إني بمناسبة حديثي عن ثقافة الحرب عدت اراجع نقدي لروايته ليالي ألف ليلة ، فوجدت أنني لم اربط بين توقيت كتابتها وبين موافقته المعلنة على معاهدة السلام، وبالتالي قدمت دراسة نقدية كاملة عن تجليات القتل العبادة، فى مقابل تشكيلات القتل الدموي الغادر، دون أن أنتبه إلى ما حرّك كل هذا القتل فى إبداع محفوظ إثر معاهدة السلام مباشرة. وبالذات إثر موافقته عليها، صحيح أنني استشهدت في نقدي بأطروحتي الأساسية عن علاقة "العدوان بالإبداع" (الإنسان والتطور1980& فصول1992) لكن لم يخطر ببالي أن أستثمر هذا التوقيت لأكشف عن ما أسميه الآن "ثقافة القتل" إبداعا وغير ذلك.
الفرض الذي أطرحه حالا (لأعود إليه بالتفصيل) لاحقا، يقول: إنه بمجرد أن وافق نجيب محفوظ على معاهدة السلام 17 سبتمبر 1979، تحرك داخله الإبداعي ليعلن بداية الحروب التي لا تنتهي (عكس ما أشيع أن حرب 73 هي نهاية الحروب) فكتب هذه الرواية ليحافظ على زخم العدوان الخلاق فينا وفيه، (نشرت الرواية سنة 1981ولا بد أنه كتبها خلال أكثر من عام قبل ذلك)، فتجاوز بها كل ما ورد في إبداعه من قتال ودماء وجرائم وبطولات قبل ذلك، وهكذا تكشف الرواية وقد حركتها "ثقافة الحرب" بفضل معاهدة السلام عن حقيقة التركيب البشرى القوي المقتحم في مقابل الاسترخاء الغبي الغافل (ثقافة السلام).
وبعد؛
انتهت مساحة تعتعة اليوم، فأضطر أن أكتفي بسرد قائمة لبعض القتلى والضحايا في هذا العمل المليء بالعبادة والدم (ثقافة الحرب)، آمِلا أن يتاح لي أن أواصل في تعتعات لاحقة ما تيسر من تفاصيل لازمة.
شهريار -صنعان الجمالي- جمصة البلطي (عبدالله الحمال- عبد الله المجنون) - جلنار - المعين بن ساوى - فاضل صنعان - علاء الدين أبو الشامات - وحسام الفقي - ودرويش عمران وابنه حبظلم بظاظة - الطفلة المغتصبة في البداية - وعلي السلولي - كرم الأصيل - زهريار- شملول الأحدب - يوسف الطاهر- قوت القلوب - توأم شاور العجان بائع البطيخ - قمر العطار.
رجاء:
هل يمكن لمن ينوي أن يتابعنا أن يقرأ، أو يعيد قراءة الرواية، ولو على حسابي؟
شكرا.
نشرت في الدستور بتاريخ 26-5-2010
اقرأ أيضا:
هل نحن في حاجة إلى زعيم، أم إلى رئيس، أم بطل قومي؟ / ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر! / هل تحب إسرائيل لحم العرب إلى هذه الدرجة؟؟