"إذا لم تستح، فاقتل من شئت"، هذا عنوان قديم لمقال قديم، كتبته ونشر في الأهرام (11 يونيو 1999)، بدأته بمثل "خوجاتى" وقح يقول " 'كل شيء مباح في الحب والحرب'، قلت فيه أيضا: .... لقد أثبتت الأيام أن نظاما جديدا فعلا تـرسى قواعده في العالم المعاصر، ليس نظاما ماليا فقط يحتج عليه الأمريكيون في 'سياتل' قبل أهل الجنوب الجوعى، وإنما هو نظام حرب مجرم، ثم هو نظام أخلاقي (لا أخلاقي) قبيح..".
انتهى المقتطف رغما عنى، وكنت أود أن أعيد نشر المقال كما هو، إلى أنه قد جد جديد يحتاج إلى إضافة تخصنا نحن ضمن من تخص، ذلك أنه إذا صدق القول "إذا لم تستح، فاقتل من شئت"، فقد يصدق الآن بعد أسطور الحرية قول مكمل ينطبق علينا ضمنا، لأن "علم الضحية" يؤكد مسئوليتها عن ما يصيبها، هذه الإضافة تقول: إذا لم تستح فصرّح بما شئت، وأيضا: "إذا لم تستح فتربع على مائدة المؤتمرات كما شئت.."، ثم "إذا لم تستح فابتسم لكاميرات التليفزيون كما شئت..." إلخ،.
قلت لنفسي وأنا أكاد أكف عن مواصلة كتابة هذه التعتعة: وأنت أيضا: "إذا لم تستح، فاكتب ما شئت"، يا ساتر يا رب، ما فائدة ما أكتب الآن بعد أن قرأت كل ما كتب عن هذه الجريمة الجديدة التي لا تضيف إلى القضية أي بعد جديد، إلا فضيحة ممسرحة تشغل فضائيات العالم وصحفه، كل هذه التصريحات والشجب والغضب والاحتجاج والمظاهرات، والهتاف، والوعيد، عبر العالم، كل هذه الكتابات والاستثارات والفيديو والصراخ والعويل والمؤتمرات والجلسات والتوصيات بضبط النفس، ونفس الضبط، ثم ماذا؟ لا شيء يتحرك، ولا شيء في تقديري سوف يتحرك، (في القريب المنظور على الأقل)، النتيجة كالعادة "يستمر الحال على ما هو عليه، والمتظلم يخبط رأسه في حائط المبكى، أو عواميد قاعات مجلس الأمن، أيهما أصلب!!"
بمراجعة ما آل إليه حال العالم، وليس حالنا فقط، سوف نكتشف أن ما يجرى مازال هو هو يجرى، بل إنه يتمادى، دون رادع، وقد آن الأوان أن نتأكد أن القوى الحقيقية التي تتحكم فينا هي بعيدة تماما عن التأثر بمثل هذه الاحتجاجات، والمظاهرات، والصياح ، والنحيب والدموع، وحتى الدماء والأشلاء. كيف بالله عليك نتوقع أن يتأثر آكلو لحوم البشر (الكانابيليون) بمثل هذه الاحتفالية الغاضبة التي تكاد تتحول بعد أيام أو أسابيع إلى نوع من الموسيقى التصويرية لفصول مسرحية الانقراض المتمادي.
والله العظيم ليس يأسا، ولن يكون، من يستسلم لليأس ليس له مكان بين الأحياء، مع أن الواقع مر جدا.
رحت أجمع كل ما كتب، وقلت نلعب لعبة ، انقلبت إلى فزورة:
ذلك أنني جمعت الاعتراضات والاحتجاجات (لا..لا. لا) إلى بعضها البعض، ثم ترجمتها إلى ما وصلني في عمق وعيي بإيجاز، ثم خلطتها على بعضها مثل أوراق الدومينو، دون تمييز لمصدرها: سواء صدرت من الشارع العربي، أو من الجماهير الطيبة شرقا وغربا، أو من السلطات المرتزقة أو المتغطرسة، أو من الحكام العجزة، أو من المجالس الدولية الديكور، أو من الجمعيات الإنسانية المثالية المجتهدة، أو من مؤتمرات القمة، أو من القتلة أنفسهم نعم: جمعت الإيجابي مع السلبي لأشكل منها الفزورة بأن تبذل سيادتكم –عزيزي القارئ- الجهد اللازم وتشاركني المرارة لا السخرية، وتلحق أنت كل تعليق أو تصريح بصاحبه أو ناسه، وقد تعمدت أن أضع بين قوسين ترجمتي للأصوات المعارضة والمحتجة للاختصار والتركيز:
.. لا... لا..، (مايصحش كده)،.. لا... لا.. (والله دي حاجة تزعل جدا جدا)،.. لا... لا.. (.. هذا عمل لا يساعد على دفع علملية السلام)،.. لا... لا.. (ده عيب قوى)، لا.. لا... لا.. (والله لانْـوَرِّيهم، بس ازاي؟؟؟؟!!)، لا.. لا... لا.. (بلغ السيل الزُّبى)،.. لا... لا.. (والله العظيم والله العظيم ماني مطبّع مع إسرائيل تاني- إلا غصب!)،.. لا... لا.. (يا لـَلْهوْل!!!)، لا... لا.. (ولا يهمك!!)،.. لا... لا..(هوا ده يخلص من الله)،.. لا... لا.. (والله لنبعت سفينة تانية ومعاها كاميرات الفيديو وكل حاجة)،.. لا... لا.. (يستاهلوا).. لا... لا.. (ولسوف نعقد مؤتمرا ثانيا وثالثا ورابعا لقمّة ثانية وثالثة ورابعة، لعلهم يتغاظوا جدا)، لا.. لا... لا.. (مش قلت لكم ما فيش داعي للمقاومة أصلا)....إلخ
والآن كما اتفقنا:
حاول أن تحل الفزورة : أن تنسب كل اعتراض إلى صاحبه أو ناسه؟
(يمكنك أن "تستعين بصديق" خصوصا أثناء المفاوضات غير المباشرة!!)
أو أقول لك: لا داعي، فسواء جاء التعقيب من ناس طيبين، أو سفلة، أو جبناء، فسوف تصل إلى نفس النتيجة:
"يستمر الحال على ما هو عليه...إلخ"!!
أنا آسف
ولن أيأس!!
ولو وحدي
نشرت في الدستور بتاريخ 9-6-2010
اقرأ أيضا:
نجيب محفوظ يعلمنا، القتل العبادة = ثقافة الحرب!! / هل تحب إسرائيل لحم العرب إلى هذه الدرجة؟؟ / نفس الموقف عبر ثلث قرن!! فما لزوم الكتابة؟