فتحت عيناي في أول أيام عام جديد أتلمس نسمات صبح يخترقه دفء مأمول وسكينة تشتاق لها النفوس. فاجأتني عناوين الأخبار التي لم أستوعبها في البداية فمن يتخيل بشاعة ما حدث بكنيسة القديسين بالإسكندرية. قضيت اليوم وأنا أقلب بين القنوات الإخبارية فترى من هذا الذي سولت له نفسه قتل الأبرياء ومن هذا الذي يريد أن يشعل نار الفتنة بأكثر الوسائل خسة وجبنا. هو بالتأكيد إنسان بلا قلب وراءه تخطيط خبيث آثم.
لقد تفتحت عيناي منذ نعومة أظافري لأكتشف معنى الصداقة فكانت صديقتي الأولى مسيحية نافذتي تجاور نافذتها وبراءة الأطفال تحيطنا في نعومة. هذا ما نشأت عليه أن أستطيع أن أحب غيري وأصادقه دون أن تقيدنا الديانة.
ومازلت أخطو خطواتي على ذلك فلدي صديقة مسيحية تلمس صداقتها مشاعري فتحتويها في حب واحترام أنا أحترمها وهي تحترمني أحبها وتبادلني نفس المشاعر الإنسانية التي فطرنا الله عليها.
وذهبت إلى عملي في صباح اليوم التالي وأنا أتوجس خيفة. ماذا ستكون مشاعر صديقتي العزيزة بعد هذا الحادث المأسوي ماذا ستكون مشاعر زملائي الأقباط بالعمل؟! أترى بشاعة الحادث يمكن أن يجعل البعض يخطئ التقدير فيظن ظن السوء أو تخونه مشاعره التي تألمت لما رآه وتكون العاقبة ما أراده أولئك الجبناء. ويبدو أنني لم أكن الوحيدة في توجسي فتلك الزميلة تحادثني وتسأل عما أتساءل عنه، إذن فليست تساؤلات فردية بل ربما في تلك الوجوه من يتساءل مثلي.
إلا أن تساؤلاتي لم تدم طويلا فصديقتي العزيزة ماريان دخلت علي بابتسامتها المشرقة حين رأتني وقالت لي "وحشتيني" أو ربما أنا من قلتها أو كلانا لا يهم فقد مضت ثلاثة أيام لم نر بعضنا البعض. تبادلنا الحديث فيما حدث بمشاعر الحزن والأسى. لم أجد منها إلا مشاعر الصداقة النابعة من صدق القلوب. ووجدت زملاء العمل الأقباط لم تغيرهم الحادثة في مشاعرهم المرئية وأتمنى أن تكون كذلك مشاعرهم الداخلية وأعتقد بإحساسي أن الاثنين متطابقين.
كلما رأيت مشاهد مما حدث ومشاهد لجنازة الضحايا وحزن ذويهم يتألم قلبي فأعرف أن قلوبهم هم أيضا تتألم ومن ذا الذي يستطيع ألا يتألم لمثل تلك المأساة. إلا أنني أتمنى ألا يقودنا جرح القلوب إلى جرح بين القلوب. وأتمنى أن نضرب على يد الجناة أولئك من أرادوا إشعال نار الفتنة لعن الله من يريد أن يشعلها.
واقرأ أيضاً:
صلاة مشتركة في الكنيسة / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية) / قراءة في أحداث كنيسة الإسكندرية / ذكرياتي في حارة الكنيسة (2) / آخر العالم