يحكى أن نظاماً عملاقاً له أسلحته من داخلية فاسدة وامن دولة لا يخدم الدولة وإعلام كاذب ومظهر ضخم فخم في العالم، موتوسيكلات وعربات لاسلكي، صفير ونفير وحزب ليس بحزب أعضاؤه أصحاب مصلحة، أو خائفون من عدم الانضمام له. سلطة وجاه وفلوس وعقارات هيصة وشنّة ورنّة. عملاق بمعنى الكلمة، تخضك هيئته الفجّة ودمامته الواضحة. مُخوّخ وبهتان وعفن الرائحة.. تَبدّى لي آخر ما تبدّى عندما أقام عيد شرطته الهاربة قبل الثورة بيومين، لما قام العادلي المخاطي النظرة، الساهي الداهي الهيئة، كالثعبان القذر، كالسحلية الغبية، يفّح يقرأ كلمته، كانت لغة جسده، صوته، تردّده، لونه بلا لون، نظرته الخبيثة كالقوارض المنتظرة في جحورها.
كان العملاق يتخبط رغم سطوته وفلوسه وناسه وإعلامه وإمكانياته وإفساده. كان نتناً كفأر سيئ السمعة، يحاول أن يكذب فصدقه بعض الناس، فأر عملاق منفوخ هواء مسمم، قاعد جوّه بكابورت مفتوح غطاه سِنَّه، نشُم الناس رائحته، ليس كلها، يخرج برأسه قليلا وهو ملوث بالرائحة والخراء، تعمى عيناه فضلات النظام الذي يحميه، يرصد الثورة والثوار ويحضر لهم الرصاص والأمن المركزي والقنابل بكل أنواعها، ثم ينزل مرة أخرى إلى البحر الوسخ يهز ذيله ويشرب من ماء المجارى ناشراً كل الأوبئة. هذا العملاق (الفأر) يسير في الشوارع والحارات والأروقة والأزقة والدروب متخبطاً في الجدران، لا يرى تخبطه ويظن الناس أنه قوي، ويظنون أنه يعرف سكته لكنه كان يدرك بأنه سيتوه، عند لحظة التوهان تلك أدرك المارد الجسد الفأر النفس، أنه لازم ولابد أن ينزل إلى الميدان لأنه أعمى القلب والعقل عقيم النفس والواجدن، قرر الاستعانة بمُبصر كان كسيحاً، سأل العملاق الجسد الفأر النفس الكسيح المُبصر عن الطريق من وإلى ميدان التحرير.. داخله وخارجه، من وإلى الوطن، مفتاح السجن، خزنة الرصاص، خزنة الفلوس، ضحك المبصر الكسيح في خبث ودهاء وقال (بُص يا عم لا تسألني ولا أسالك، أنت أعمى وضخم وفخم، وأنا كسيح وقزم لكن باشوف، شيلنى فوق كتافك وأنا أبقى بوصلة اتجاهك أرشدك وأقولك)..؟؟.
زمجر المارد الأعمى القزم النفس، وقال هو أنت حتى مش عارف شوارع البلد ولا شكلها؟ المهم ماعنديش حل إلا ده. ظل القزم الكسيح المبصر على كتفي العملاق الجسد القزم النفس، ده يقول له من هنا، وده يقول له من هناك، يخبطوا في بلكونة، يدهسوا عيل صغير، يموتوا شاب عاري الصدر، حتى أنهكتهم المحاولات وأعيتهم الحيل.
في المقابل كان الناس في الميدان عفويين، يعتمدون إلى حد كبير على الحدس والفهم لا على الفهلوة والكذب، كانوا غير متأكدين إلى أين سيجرى النهر، لكن يعرفون بفطرتهم أنه سيروى الأرض وسيزهر الشهداء، كانت القدرة على الاستنهاض داخل القِدر المكتوم البخار يغلى فيطرد غطاء الإناء إلى الهواء، ليرتفع إلى عنان السماء ويسقط على الأرض دماء شهداء، رصاصاً مطاطياً،شظايا، قنابل غاز مختلفة الصنع والفاعلية، خوذات جنود، عربات غشيمة لا ترى ولا تدرى، تترنح فتقتل وتميت وتدوس على الناس.
وعندما شُجت رأس المارد الأعمى ألقى بالمبصر الكسيح على الأرض خارج الحلبة، ظل يترنح ويلطش بيديه شمالا ويميناً. ثمة توجس وثمة إحساس بالفخر وإحساس بالنصر وشعور غامر بالثورة وبلذة الحرية.
بدأ المارد الأعمى في توتره وفى غليانه، وفى عنفوان الذليل، صار كالثور في الحلبة بعدما أدماه الفارس لكنه لم يجهز عليه من بعد، مُثخن بجراحه يصرخ ويتنازل، يسقط جزءاً من ثيابه النتنة المضمخة برائحة البكابورت فيقدم تنازلاً تلو الآخر.. مرة تعيين نائب الرئيس ومرة تغير وجوه عفنة بأخرى كالحة، وأخرى بوعود تبدأ بحرف الهاء (هاعمل كذا وكذا) ولا من مجيب، يجيب اللصوص في الليلة الدهماء وتصرخ النسوة ويعلو صوت الأطفال.
جاء العملاق الأعمى الجريح يترنح تساعده إبل قريش وبغال الوطني، بدأ يضرب ويشيع قولا كاذبا مفضوحاً، وكلما تُعرى راقصته الاستربتيز جزءاً من جسدها، يظهر قبحها أكثر لدرجة لم يعد الثوار في حاجة لرؤية عورتها.. عهد مبارك انتهى، مارده الأعمى الضخم الكريه الرائحة يُحاكم، قزمه الكسيح مفضوح.. وبعد أيام من الثورة ما زال يرقد المارد والحاكم خلف الدبابات، يهطل المطر وتذروا الرياح حبوب اللقاح في الهواء، يعلو الغناء والتغريد وتفيض البهجة.
أيها الحاكم، أيها المارد، أيها الخونة، لا نريد أن نشم رائحتكم ولا نريد أن نرى وجوهكم العكرة، ولا نريد أن نسمع أصواتكم النشاز ولا نود أن نشاهد عورتكم فلقد رآها العالم مصورة على كل الشاشات.. بقى أن تطلق المدفعية قذائف النصر.. بقى أن تنسحب الدبابات والمدرعات وتعود قوات جيشنا المهذبة الباسلة إلى ثكناتها... بقى أن ترسل قادتها لتتصدر الجنازة.
مصر كالذهب الخام أخضر اللون بلون قلوب أمهات الشهداء، بلون المزارع، تَجليه المعاناة؛ فيفيض نوراً متوهجاً أصفر بلون الشمس لنغنى جميعا مع فيروز:
(مصـــر عــادت شمسُك الذهــب)
8/2/2011
واقرأ أيضاً:
مواصفات الرئيس القادم/ ساخن من مصر أيام الغضب أحد الشهيد