ساخن من مصر أيام الغضب الخميس3
في صباح الجمعة الثالثة منذ بدء الثورة كان الإحباط والقلق سيدا الموقف إضافة إلى الغضب والدهشة، معظم الناس ما يزالون يشعرون بالصدمة من الكلمة التي ألقاها مبارك وكثيرون شككوا في قواه العقلية وصلاحيته للحكم حتى أن عادل الصفطي وهو وكيل أول وزارة الخارجية السابق اقترح في كلمته للجزيرة أن يصبح الكشف النفساني جزءًا من إجراءات الترشح للرئاسة ولكل المناصب العليا تقرر على أساسه صلاحية الشخص من عدمها،.... قلت في نفسي إن كم اللاعقلانية والانفصال عن الواقع في كلمة مبارك سهل علينا أن نطالب بأن يجرى الفحص النفسي لكل من يريد أن يكون من القادة والرؤساء.... بل ولعل من المهم أن يتم الكشف عليهم بشكل دوري.
بدأت الحشود تتوافد على ميدان التحرير منذ الساعات الأولى ليوم الجمعة وكنت أعرف أن الذاهبين من الزقازيق اتفقوا على التحرك بعد صلاة الفجر، كان من الواضح أن أعدادا كبيرة تتحرك من سائر مدن الجمهورية باتجاه ميدان التحرير، وحقيقة لم يكن قلقي على هؤلاء وإنما كان القلق من خروج آخرين في غير ميدان التحرير وفي غير القاهرة وأن تخرج الأمور عن السيطرة فيكون هناك قتل أو تدمير، ابنيّ وزوج أختي وبعض من زملائنا هناك في التحرير والأخبار طيبة حتى الآن، ظللت ممسكا أنفاسي حتى حان موعد الصلاة فذهبت أصلي وكانت خطبة الجمعة مستفزة بشكل لم أكن أتوقعه فقد أخذ الخطيب يؤكد على أن الخلاف لم يأت لأمة المسلمين بخير وأن الفتنة شر مستطير وأن... وأن... وحقيقة أشفقت على هذا الخطيب المغيب لكنني لم أشأ الدخول في أي حديث معه.... ختمت صلاتي وتفرست في وجوه الناس فوجدتهم جميعا في منتهى التوتر والقلق.....
عدت إلى بيتي وظللت أتابع الجزيرة.... حكت لي زوجتي عن جلال موقف الصلاة والدعاء في ميدان التحرير وكيف كانت آمين تهز أركان الميدان، لكنهم كانوا في ذلك الوقت..... وحين وصلت أنا كان الشيخ أحمد المحلاوي ينهي خطبته في الإسكندرية... وكانت الأعداد في القاهرة والإسكندرية فقط تزيد على أربعة ملايين..... وبعد الصلاة بقليل بدأت تصل الصور من مدينة المنصورة والأعداد تجاوزت ربع مليون..... ثم توالت الأخبار عن تظاهرات حاشدة في مناطق فعلا متعددة من مصر وشاب بعضها عنف وقتل وحرق وبدأ القلب ينفطر والخوف يزيد....
كانت الزقازيق هادئة أو هكذا تخيلت لأني لم أرَ تظاهرات في الأماكن المعتادة في وسط البلد،... وشعرت بخزي كبير خاصة وأني رأيت معظم الطرق مفتوحة ولم يعد شيء من مظاهر السخونة الأمنية، حتى الدبابات تناقص عددها وابتعدت عن الأماكن التي كانت فيها... وبدت وكأنها ستنسحب تدريجيا باعتبار أنه لا أحد يتظاهر في هذا البلد..... كيف لا يكون تظاهرات في الزقازيق هل يعقل أنهم كلهم سافروا إلى التحرير؟
ما زلت أخاف من انفلات المسار الثوري إلى حالة من الغضب الذي لا يفكر ولا يرى.... وأرعبني تذكر صورة من رفعوا أحذيتهم في أواخر كلمة الرئيس الأخيرة للشعب وقلت.... فعلها مع بوش ابن بلد احتلتها جنوده، وفعلها للفرعون آلاف من أبناء وطنه وهم يطردونه منه! بعدما أهانوه وقالوا له بكل طريقة ارحلْ امشِ وبالكاريكاتير وبالشعارات وبالعربي والإنجليزي والهيروغليفي وبعضهم قالها بالعبري، ولا حياة لمن تنادي..... منتهى البرود والتعالي والصلف والكبرياء... ثم اللعب بمشاعر الناس بصورة لا معنى لها إلا الرغبة في زيادة حدة غضبهم فيذاع أن الرئيس سيستجيب لمطالب الشعب بشكل يفهم منه أنه سيتنحى لأن الدنيا كلها تعرف أن أول مطلب من مطالب الشعب هو إسقاطه هو شخصيا.... ثم فجأة ينفى الكلام... ويقال لا توجد أي نية لدى الرئيس للتنحي!.... ثم تكون كلمته بمثابة الزيت على النار المتأججة!.... اللهم احفظ مصر من جنون الغضب!
بدأت الحشود عند العصر تتجمع حول القصر الرئاسي في مصر الجديدة وهو قصر العروبة والذي يقيم فيه الرئيس المصري بينما يقيم النائب في مكان قريب على مرمى الحجر منه، وفي رمزية حاصر المتظاهرون في الإسكندرية قصر رأس التين الرئاسي أيضًا.... وفي طنطا وفي أسيوط وفي الوادي الجديد وفي العريش..... ثم أعلن عن حشود في الطريق إلى القصر الرئاسي.... إذن بلغ الزحف مبلغه.... ثم جاء خبر في الجزيرة عن مظاهرة حاشدة في الزقازيق أمام مبنى المحافظة وعندما عرفت أن أختي وابنيها وبناتها في المظاهرة عند المحافظة وعرفت كذلك أن العدد يتجاوز 10000..... وأنهم أسرٌ بكاملها... قلت الله أكبر لكنني عندما عرفت ذلك كان قد أعلن منذ فترة عن يبان هام من رئاسة الجمهورية، ودخل الليل واستمر توافد الحشود وإعلانات الانضمام من الهيئات والنقابات..... وحتى الآن ما تزال بؤر الانفلات محدودة على مستوى الجمهورية... والجزيرة بالفعل كانت تشعرك أنك في قلب الحدث... بل في كل الأحداث في نفس الوقت.
هبوط 3 طائرات هليوكوبتر في ساحة القصر الرئاسي؟؟؟... أنباء عن وصول مبارك أو بعض من عائلته إلى شرم الشيخ! هل الأنباء مؤكدة؟...... من الواضح أن رئاسة الجمهورية ستقدم شيئا جديدا في هذا البيان.... مبارك فوض سليمان ومضى يستريح من صداع القاهرة.... وسليمان سيتصرف؟؟ هل سيهدد باستخدام الحرس الجمهوري القوة ضد المتظاهرين؟ هل هذا معقول أن يحدث؟.... لم تستخدم القوة منذ فترة في ميدان التحرير، لكن ليس عند القصر الرئاسي هل سيكون الرد عودوا دياركم أو فيمكننا أن نستخدم قانون الطوارئ ونعيدكم بالقوة.... إن الرئيس في كلمته أكد على أنه باقٍ ولن يتنحى.... فهل تصاعد أعداد المحتشدين وتوافدهم من كل صوب وحوب أو وقوفهم في شتى أنحاء البلاد هل قرر الرئيس أن ينقذ مصر من دمار محقق.....
مرت الدقائق ساعات... ثم إذا بنائب الرئيس يعلن تخلي الرئيس عن السلطة وتسليمها للمجلس العسكري الأعلى في منتهى الحزن كانت ملامح وجهه..... بدا فعلا كم كان ذلك القرار صعبا ومؤلما وقاسيا عليه،..... ولم أستطع أن أكمل تأمل موقف الرجل ولا أن أتابع أي شيء غير الفرحة العارمة التي تعم لا مصر فقط وإنما العرب جميعا في كل مكان، الناس بدوا غير مصدقين ثم انطلقت الزغاريد وابتسمت الوجوه ورقص الراقصون من الفرح..... جمعة الزحف هي إذن أم جمعة الحسم أم جمعة الرحيل؟ إنها جمعة البداية لكل خير إن شاء الله.
ويتبع >>>>>: تنظيف مصر من آثار الفرعون بالمقشات
واقرأ أيضاً:
ساخن من مصر أيام الغضب الخميس3/ المصريون.. أهل نكتة.. حتى في المحنة!