كانت هناك واحة في الصحراء يحيا بها مجموعة من البدو وكانت لهذه الواحة بئر واحد اسمه بئر الفاجر نسبة إلى سوء خلق صاحبه وكان الجميع يلقبون هذا البئر بهذا الاسم فأصبح الاسم علماً ولم يعد أحد يفكر في دلالته, فالجميع يذهبون إلىه يومياً ويرجعون منه بالآنية المملوءة بالماء, فأصبح عادة مثل صلاة الفجر عندهم أو حتى مثل شروق الشمس, كل يوم في نفس الوقت نفس العمل والصغار مغلقة الأبواب علىهم ينتظرون عودة والديهم محملين بقوارير المياه, لتبدأ حياة يوماً أخر.
وفي يوم كان عم عوض راجع مع امرأته في طريقهم إلىومي من البئر ويتحدثون بأصوات متقطعة.
عم عوض: قلت لك من قبل أنه يجب أن يأتي أحمد معنا لكي يأخذ نصيبه من المياه, هل أخبرته.
امرأة عم عوض: يا عوض الولد مازال صغيراً, ولم يحن الأوان بعد .....
قاطعها عم عوض بحدة: كيف تقولين هذا, ألم تريْ نظرات السيد جابر الفاجر لنا إلىوم وكأنه يسألنا عن ابننا.
امرأة عم عوض: لا لا يقصد, أنت فقط الذي تدقق وتهول الأمور.
واستمر النقاش بينهم حتى دخلا دارهما, وإذا بأحمد فتى في العاشرة من العمر يصيح يا هلا, أبي جاء, بينما ألتفتت البنت أخته الصغيرة إلى جلباب أمها تشده بفرح.
مضت دقائق والأمور تجري ككل يوم وجاء وقت خروج أبيه إلى جمع البلح, فقال قبل خروجه من البيت: أحمد أعد نفسك للخروج من البيت غداً للذهاب معنا إلى بئر الفاجر لكي تحمل نصيبك من الماء, قال هذه الكلمات المبهمة وهم بالخروج, ولم يستطع أحمد إلا أن يسأله إلا سؤال بكلمة واحدة :لماذا. قال متعجلاً: عندك أمك تقول لك ما تريد, وغلق الباب بشدة.
التفت أحمد إلى أمه وكرر سؤاله لماذا يا أمي؟ بدأت ترد على أحمد بصوت متراخي لا يتناسب مع حماسه في السؤال: يا ابني هناك أصول يجب مراعتها وأنت كبرت ويجب أن تبدأ تتحمل أعباء الرجال. قاطعها أحمد: إنني أكره البئر وأكره صاحبه.
الأم: يا بني, السيد جابر له فضل على أهل الواحة كلها, جده هو الذي حفر هذا البئر, والأصول أن البئر هذا ملكه ويجب أن نرضيه حتى يسقنا منه, أم تريد أن تخرج عن الأصول؟.
الابن: ماذا تقصدين بقولك نرضيه, هذا الجابر الفاجر.
أخذت الأم تكرر كلامها وكأنها لا تريد أن تبوح له بكل ما لديها وشعر أحمد بهذا فمل من الحوار معها وذهب للعب مع أصحابه فارس وعبد الله.
وعند المغربية عاد أبوه من العمل منهك القوى وسأل أم أحمد عن أحمد وهل أخبرته باللازم؟ فصاح: أحمد, فهرول الولد إلى أبيه, نعم أبي.
أبو أحمد: بكره من الفجر تجهز نفسك لتذهب معنا, هذه هي الأصول, السيد جابر مشترط على القرية أن كل ولد شد عوده لازم يذهب بنفسه ليأخذ نصيبه من المياه.
وقبل أن يهم أحمد بالرد أكمل أبوه: وأبو فارس وأبو عبد الله أخبروني أنهم سوف يأخذون أولادهم معهم من الفجر, سامع يا أحمد؟ رد أحمد: نعم يا أبي.
استدار الأب وذهب إلى غرفة النوم وترك أحمد حائر البال وسمع بعد حين أذان العشاء بصوت الشيخ زينهم, فرأي في الأذان رد عن الأسئلة التي تدور في رأسه، بعد الصلاة وخروج المصلين من الزاوية واحدا تلو الآخر أجتمع أحمد وفارس وعبد الله عند الشيخ زينهم.
يا شيخ زينهم, أبي يقول لي أنه سوف يأخذني معاه غداً إلى بئر الفاجر, وأكمل فارس هذا الرجل اسمه سيئ وسمعته أسوأ, كما أنه لا يصلي معنا, قاطعه الشيخ وقال: لا تقل هذا مرة أخرى, السيد جابر هو الذي أعطاني الماء التي تتوضؤون منها ولا يصح أن تقولوا هذا علىه, وأكمل الشيخ تسبيحه.
قال عبد الله: الماء هذا ماء الله وليس ماءه, ربنا هو صاحب السماء والرمل والنخل وكل شيء, والرجل فيه كذا و كذا .
صاح الشيخ: أصمت يا ولد وإلا قطعت لسانك, إذهب عني, أذهبوا إلى بيوتكم يا جهلاء, غداً سوف تكبرون وتتعلمون كيف تلتزمون بالأصول, تخطئون في السيد جابر الذي يملك غير البئر نصف نخيل الواحة ويعمل عند أبنائه نصف رجال القرية, اذهبوا أيها البلهاء.
قال هذا وانصرف وترك الفتيان يتحدثون عن يومهم القادم, أخذوا يتخبطون في أفكارهم وأنتهي بهم الحديث وهم جالسين على الحصاة فوق التبة العلىة التي تعودوا الجلوس علىها ليلاً ووجدوا في النظر في النجوم ما يهدئ قلوبهم، وقال عبد الله: انظر هذه النجمة أظنها أكثرهم توهجاً, جميلة جميلة بالفعل تشبه النخلة التي تجاور بيتنا, هي الأخرى علىة.
قال فارس: سبحان الله, أخاف أن يأتي يوم ويمتلك هذه النجمة هذا الجابر الفاجر.
قال أحمد: المصيبة الأكبر أن يصدقوه أهل هذه القرية ويأمرون بهذا الأمر أبنائهم والله العظيم هؤلاء الناس هم البلهاء بالفعل.
قال فارس: الفقر والحاجة يجعلك تصدق أي شيء يا صاحبي.
قال عبد الله: كم أحب أن أنظر في الأفق وأنسى أنني أعيش في هذه الواحة, كلما رأيت نخلاً بعيداً حلمت أن تحته بئر يشرب منه من يريد, ثم يحمد الله وحده لا غير.
ومر الوقت وهم جالسون ينظرون إلى الصحراء الصامتة حيناً والنجوم المضيئة حيناً حتى أذن أذان الفجر حينها هرع الجميع من مجلسه.
وقف أحمد ينظر إلى أمه وهي تجهز الآنية للذهاب إلى البئر وكانت تحاول أن تبدوا ككل يوم ولكنها تعلم أن رأس أبنها لم تزل مستعصية، وصاح الأب هيا يا أحمد خذ إنائك, هيا يا أم أحمد, خرج الجميع صامتين, صامتتين رغم أنه في نفس كل واحد أصوات علىة تتحدث بل تتعارك مع بعضها البعض.
أمام دار السيد جابر التي بناها وعلى جدرانها حول البئر أصطف الناس وكل واحد يعرف مكانه وكالعادة يعلو صوت النساء وهم يتحدثون فيما بينهم وينتظر الرجال قدوم السيد جابر الفاجر فوق عتبته الخاصة به وأخيراً يصمت الجميع وتتوحد الأنظار حول الرجل الضخم المهيب الذي يصعد فوق الدرجات ليصل إلى منبر على ومع انحباس الأنفاس يبدأ رجاله في تنظيم الناس وتتقدم كل أسرة في دورها, قائلين برجاء "رضاك يا سيدنا" يهمسون بهذه الكلمات ويتلقون يديه يقبلونها أما الصبية والصغار, فلا يسمح لهم طولهم أو مقامهم بتقبيل يديه فينحنون إلى حذائه الفخيم يقبلونه, أسرة تلو أسرة وفرد تلو فرد يتجهون بعدها إلى البئر ليملؤا منه أوعيتهم.
الأمر يسير بانتظام فالأمر عادي ويحدث كل يوم ولكن الجديد أن أحمد ينظر إلى كل هذا ولا يطيق, قلبه يدق بشدة وأنفاسه تزداد سخونتها ولا يستطيع أن يتقدم الخطوات الواجبة لأخذ مكانه المناسب في الطابور, كان أمامه أسرة عبد الله وخلفه أسرة فارس, كان يريد أن يصيح في وجه أبيه هل تريد مني أن أقبل قدم هذا النتن ولكن عرف أن الكلام لا يفيد شيئاً فآثر الصمت.
جاء دور أسرة عبد الله, فتقدموا إلى السيد جابر وانحنى أبو عبد الله وأمه على يد الرجل بصورة تلقائية وهنا لا حظ الجميع سكون هذا الصبي الغريب على المشهد إلىوم وصاح بلهجة حازمة أحد أعوان جابر: اركع وقبل قدم سيدك ومع هذا ظل الفتى ينظر إلى وجه السيد جابر نظرات جامدة وهنا لم يكن من رجل آخر واقف إلى أن أمسك برأس الفتى وأجبره أن تلامس شفتاه حذاء هذا الجبار فلم يطق عبد الله أن يلا مس غبار الحذاء فمه فتفل على الفور في اتجاه هذا الجبار وصاح اتركوني..اتركوني أعوذ بالله منكم...اتركوني يا ظلمة, قال هذه الكلمات هو يتلقى لطمة من نفس الرجل أدمت أنفه، في هذه اللحظة نطق جابر لأول مرة منذ وقوفه في المشهد: اتركوه.. إنه غلام لا يدري ما يقول وأكمل عبارته بنظرة إلى أبي عبد الله جعلت أ قدامه لا تقدر على أن تحمله, فانسحب أبو عبد الله وابنه وزوجته وهو على يقين أن للأمر تبعات، هنا انتهز كل من أحمد وفارس هذه الفرصة ليظهروا انشغالهم بجرح عبد الله وتركوا الجمع وعادوا معه إلى المنزل يتبعهم أبوه وأمه اللذان لم يتوقفا عن تعنيفه وتهويل فعله طوال الوقت.
في الليل, وصل الكثير من أهل القرية إلى أبي عبد الله ينصحونه بتصحيح خطأ ابنه ويبادرون بالآراء حول ترضية السيد جابر, فيقول أحدهم يجب أن تقبل جميع الأسرة حذاء الطاغية ويستمرون على ذلك حتى يرضى السيد جابر بل ذهب بعضهم إلى أن يركع عبد الله له أمام جميع الناس ويطلب منه المغفرة والسماح وذكره البعض بما حدث في فلان عندما تمرد علىه يوماً وعاقبت فلان الذي صاح فيه يوماً أتقي الله وكيف أن السيد جابر لن ينسى هذا الأمر بسهولة.
كان من بين الجالسين عم عوض وابنه أحمد وبعد أن انفض المجلس, وما أن خرج أحمد من دار عبد الله, حتى سمع أصواتا علىة, اختلطت بين أصوات الأب وصوت صرخات عبد الله وصوت أمه وهي تحاول أن تهدئ الأب الثائر.
حتى ذهب أحمد وأبوه إلى بيتهما وصاح الأب في الابن أرأيت ماذا فعل هذا الفتى الأحمق بأهله, ربما نسمع غدا عن مقتله هو أو أبيه أو على الأقل سوف يمنع سقيتهم من البئر, سوف يموتون من العطش ولن يتجرأ أحد أن يعاونهم، أخذ الأب يكرر الكلام الذي سمعه هذه الليلة في بيت أبي عبد الله وأحمد ينظر إلى وجهه أباه صامتاً وكلما حدق الابن في عيون الأب, اضطربت نظرات الأخير وارتفع صوته وفي النهاية صاح الأب:
لقد عشنا هنا منذ صغرنا وعلمني أبي أن الخوف فيه النجاة وأنني إذا فعلت كما يفعل الناس سوف أعيش كما يعيشون, وقد رأيت إلىوم كيف فعل صاحبك وكيف وقف الجميع ينظرون وغداً سيقتل وهم ينظرون, هل تسمع ما أقول؟ شعر الأب بإلىأس من خطاب أبنه وصاح به غداً سوف تذهب معنا وهذا أمر من والدك ولا أرى أنه من البر أن تعصى أباك.
حاول أحمد أن يغمض عينيه في هذا إلىوم, لكنه فشل فتسحب إلى سقف الدار ومدد جسمه مستسلماً وأخذ يناجي الله ويبكي ويدعو لصاحبه عبد الله حتى غلبه النعاس، وفي الفجر, دوى الأذان وتنبه الجميع وانتظموا في ممارسة حياتهم كالمعتاد وبعد لحظات سمع صوت طرق الباب وأم عبد الله تصيح من خلفه: عبد الله راح, عبد الله راح, خطفوه, قتلوه كانت هذه صيحات المرأة فور دخولها دارهم, ألتفت حولها أم أحمد تحاول أن تهدئ من روعها ولكن بلا فائدة.
فهم أحمد بعدها أنهم لم يجدوا عبد الله في الدار في الصباح وأخذت الأم تنتحب وهي ترثي ابنها وتسرد قصص عن ابن عم حامد وعم إبراهيم وكيف أن رجال جابر خطفوهم وقتلوهم في أحداث مشابهة لقصة ابنها.
كان أحمد لا يزال يداعبه أمل في أن يكون كلام أم عبد الله خاطئا وأن عبد الله سوف يراه وهو عائد إلىه متبسماً في أي لحظة, لكن مر يومان ولم يظهر له أي أثر, حتى أتفق الجميع على أنه السيد جابر حبسه عنده أو قتله وسرت الشائعات وصعب معها الكشف عن الحقيقة, فقال البعض قتله جابر ووضعه في البئر وقال آخر بل حبسه حتى الموت وثالث دفنه في الصحراء وهو حي, ومع كل هذه الأقوال, لم يتجرأ أحد على سؤال السيد جابر أو ذكر هذا الموضوع عنده خوفاً من بطشه.
بعد صلاة المغرب ذهب عم عوض ومعه أحمد وأبو فارس وابنه إلى دار أبي عبد الله ليواسيه في مصيبته, وهنا جلس الجميع بجوار أبي عبد الله ويتخيرون أرق الكلمات للتخفيف عنه.
أبو فارس: مالك يا سالم، إلا تخرج من خلوتك هذه وتلتقي بأصحابك, الكل يسأل عنك.
سالم(أبو عبد الله):الحمد لله, أدعوا لي ربنا يفرج عني.
عوض:عبد الله ابننا كلنا وفقده يحزننا أكثر مما يحزنك, لكن ربنا لا يرضي أن تقتل نفسك كمداً على ابنك.
سالم: تصور يا عوض, جمعت قواي إلىوم وخرجت باكراً ومعي أم عبد الله لكي أملئ أوعيتنا كما كنا نفعل كل يوم ولكن فالطريق لم أستطع أن أحرك قدمي وسقطت على الأرض .
هنا قاطعه أبو فارس: إذا كان على الماء خذ من نصبنا, فماءنا ماءك وعيالنا عيالك.
تنهد سالم وقال:أه يا ربي, أيوجد خلق, أيوجد دين في هذه الواحة الظالمة, أيقتل هذا الجبار الفاجر ابني ثم أذهب إلىه وأقبل يده, أي هوان هذا يا ربي أي هوان هذا يا ربي, هنا أجهش عم سالم بالبكاء حتى أبكى الجميع وخفضت الرؤوس وساد الصمت إلا صوت نحيب أبي عبد الله المكلوم في ولده.
الآن جاء الليل سكن الجميع إلى مأواهم, وخفي الظلام بيوت محزونة وخبأ الصمت خلفه إلا آلاف من الأصوات العلىة, لكنها لا زالت محبوسة داخل الصدور.
أما أحمد وفارس فلم يستطيعا الذهاب إلى النوم وبغير موعد وجدا نفسيهما مجتمعين فوق تبتهم العلىة حيث اعتادوا أن يجلسوا ولكن إلىوم هم اثنان وليسوا ثلاثة.
فارس:لقد أضاع عبد الله نفسه وأحزن أهله, بفعلته الحمقاء.، فنظر أحمد إلىه نظرة غاضب. فارتبك فارس وقال:أعرف أن هذا الجابر فاجر وظالم ولكن ما عسانا أن نفعل ونحن صبية صغار وقد ذل له جميع رجال القرية.
قال أحمد: دعك من الكلام وأخذ نفس عميقاً ثم قال انظر معي إلى هذه النجمة المتلألئة, إلىست هذه التي كان يشير إلىها عبد الله دائما.
فارس: نعم, السماء صافية إلىوم والقمر بدر, كان عبد الله يحب هذه الأوقات حيث تنكشف بعض معالم الصحراء تحت ضوء القمر.
أحمد: يا حبيبي يا عبد الله..... كنت تشير دائماً إلى هذه النخلات البداية في الأفق وتقول يا ليت لي ببئر تحت هذا النخل فأشرب من مائه وآكل من ثمار النخل, ثم لا أحمد أحدا غير الله, هنا دمعت عين أحمد.
قال فارس محاولاً التفريج عن أحمد: أتعلم يا أحمد, نساء هذه الواحة حمقى بحق, سمعت أحداهن تقول أن أبا عبد الله يخبأ عبد الله في صندوق حفرى تحت الأرض خوفاً من بطش جابر, وأخرى تقول أن عبد الله قد تسلق إحدى النخلات ومعه أحجار ينتظر أن يمر جابر من تحته فيقذفه بها والثالثة تقول أن عبد الله أخذ معه فأساً وخرج لضرب جابر به فأمسك به رجال جابر وقتلوه قبل أن يصل إلىه. فتبسم أحمد وقال: ولماذا الفأس بالتحديد.
فرد فارس: ألم أقل لك أنهن حمقاوات, قالوا هذا لأن فأس أبو عبد الله اختفت مع اختفاء عبد الله.
فحدق أحمد في وجهة فارس: لماذا لم تذكر لي هذا من قبل, ثم أخذ أحمد يردد فأس, عبد الله, ونظر في الأفق فوجد الصورة المعتادة للنخيل البادي في الأفق.
ثم صرخ أحمد: أذهب وأيقظ أبيك وعم سالم, قالها وهو يقفز من مكانه.
فرد فارس: ما الأمر يا أحمد.
فقال أحمد أظنني عرفت الآن أين عبد الله.
أعد الجميع أنفسهم للذهاب إلى السهل البادي في الأفق ومع أنه ممكن أن تراه من فوق التبة إلا أنه قد يستغرق نهاراً بكامله للوصول إلىه.
خرج الجميع وهم يشكون في كلام أحمد وكان أبو فارس وأبو أحمد يرون أن هذه الرحلة هي في الأصل للتسرية عن نفس سالم وزوجته حتى وأن كان هدفهم زائفا, ومع مضي وقت واشتداد حرارة الشمس بدأت الأم تبكي قائلة أيمكن حقاً أن يكون أبني قد قطع هذه المسافة وحده في هذه الشمس المحرقة, بعيني أنت يا ولدي.
وبعد مرور أكثر من نصف النهار في السير بدت نخلات السهل قريبة وشيء فشيء وصل الجمع إلى هذا السهل الخاوي من العمران وكان أول من سبق هم أحمد وفارس وأخذوا يهرولون هنا وهناك حتى قطعت أنفاسهم، وبعد لحظات سمعوا أحمد يصرخ عبد الله...عبد الله.. أجبني يا عبد الله أه نشيج.
هنا أنتفض الجميع إلى وجهة الصوت فوجدوا أحمد يجلس و عبد الله ممدد في حفرة بجواره الفأس وقد رفع أحمد رأسه إلىه وأخذ يبكي.
مشهد لا يكاد يوصف ارتمت أمه إلى الحفرة صارخة ابني ابني وارتمى الباقون على الأرض يبكون, كثر النحيب من الجميع واحترقت القلوب بالأسى على موت غلام طيب النفس بغير ذنب, وحيداً غريبا بلا مأوى, مات شهيداً لحلم لم يستطع تحقيقه بعد.
بعد شهرين من ذلك الىوم انتشر الخبر لم يصدقه أحد في القرية حتى ذهبوا إلى السهل القريب وشاهدوا بأعينهم, بئرا يفيض بالماء العذب حفرته أسر الثلاث فتيان وكتبوا علىه لافتة بئر عبد الله, اشرب واحمد الله.
تم بحمد الله
إذا كان لك أي رأى بالسلب أو بإلىجاب تجاه القصة, فلا تردد في أن تقول لي رأيك بصراحة, فهذا يساعدني على الاستمرار بشكل أفضل.
شكراً
لا تنسوا الدعاء لنا بالخير