هي رسالةٌ لقراءة مشاعرِ أمٍ وليستْ للنَقد، مشاركة مني لحزني على الأحزان، هي لحظةُ صدق، وقفة هادئة لمسيرةٍ على ضفاف الأمل، رسالتي خاصة لا تصلح للنشر، هي من القلب إلى قلوبكم ..لست شاعرة أو كاتبة أو أديبة !!! بل أم حقيقية ! تصارع أمواج الشوق لآخر رمق !!!
ولأنها مازالت صغيرة على القراءة والبكاء .. فاخترتكم أنتم لتمسحوا دمعاتي بمناديلكم المعطرة ! وأمسح دمعاتكم ..
لين يا غصن البان
جمالك ورد ومرجان ..
آه بنيتي
آه يا وحدتي، يا فراغًا وثقبًا كبيرًا بحياتي، من يملأه غيرك ؟ من يسد فجوتي، من ينقذ غرقي بمحيط شوقي إليك؟ من يصلح خللاً بعقلي ! من يرجع قلبي؟ سافرت الصغيرة الكبيرة، أخذت قلبي والحقائب معها .. آه بنيتي .. بدموع محبرتي وحيرتي أكتب إليك كلماتي، كان عامًا حزينًا 2004 كان يومًا غير اعتيادي علينا جميعًا، مختلفًا، غريبًا، على عكس يوم مولدك وهدية الله لنا، شعور غريب اجتاحني، سعادة تغمرني، كونك متفوقة وستتابعين علومك، وحزن يجتاحني كلما نظرت لعقارب الساعة، تلك السويعات التي تنتظرنا .. وتنتظرك للصعود إلى الطائرة!!((تلك الطائرة اللعينة من اخترعها ؟؟)) !!!!
دخلت غرفتك ليلة السفر، رأيتك ترتبين ثيابك وبعض الكتب، أتابعك بدموع مخفية صامتة خبأتها بجيوب ملابسي التي غمرها ماء حزني.. أساعدك قليلاً وأزودك بالثياب الثقيلة وتقولين:
-(يكفي يا ماما ) لن أعيش قرنًا هناك سأرجع ..
- ولكن يا بنيتي أخاف عليك من ثلوج (كندا) وصقيعها..
وكيف لا أعطيك المزيد من(الكنزات) الصوفية ، بعد أن كنت تتدثرين بغطاء محبتي وحناني الدافئ ! ; تتابع لين ترتيب الثياب، وأملي عليها عشاءها الأخير قبل الرحيل عشاء دسمًا من النصائح التي (حفظَتْهَا) وتقول لي :" نعم يا ماما، أكيد، حاضر، لا تقلقي سأكون بخير يا ماما، سأكون بخير وأنا أيضًا سأشتاق لكم جميعًا، وكونك تحبين الكتابة اكتبي لي ياماما كل يوم وأنا سأقرأ وأكتب إليك أيضًا، احمدي الله على التكنولوجيا ياماما .."
وضحكنا سويًا ، وقلت لها :"صدقت يا بنيتي لا أدري كيف كانت الأم من زمن مضى تنتظر الرسالة ( بالبريد ) الجوي والبحري وساعي البريد بقبعته ودراجته وحقيبته حاملاً الأخبار والأشواق من وإلى المحبين، وحين تراها الأمهات كأنها وجدت كنزها المفقود، ولم يكن هناك هاتف جوال!! صدقت يا بنيتي،، صدقت يا بنيتي سأصبح غنية يا لين، سأصبح غنية برسائلك يا حبيبتي ..)
هاهو الهاتف ..تتحدث ابنتي مع الصديقات والأقرباء، تودع أحبابها واسمعها (أرسلوا لي عبر الإيميل، راسلوني عبر الإيميل، أحبكم كثيرًا، الوداع)!!!!
(( لسنا بحاجة اليوم لساعي البريد، فالرسائل سريعة الكترونية .. وأخاف من التكنولوجيا أن تبرمج محبتنا على طريقتها ..عبر Hotmail&Yahoo ... المحبة الكترونية !!فيروساتنا الكترونية !! صلة الرحم الكترونية !!!!!! أخاف من المحبة أن تبقى صامتة للأبد نتبادلها عبر المحادثة ، ولكن ماذا لو انقطعت الكهرباء ؟ أو أصاب الفيروس أجهزتنا ؟ ماذا لو كانت أم فلان وأم فلانة لا تعرف بالتكنولوجيا ؟ ماذا لو أصرَّت على استلام الرسائل المكتوبة بخط اليد ومتطوعين من الجيران يقرأون لها ؟؟ ماذا يحصل إذا كانت الأمهات فقيرات ولا يملكن هذا الجهاز .. وكذلك الجدات ، وليس معهن ثمن طابع للصقه على الرسالة ؟ من يتطوع ويقوم بعمل Delete لمشاعري ويدمر تلك التقنية ؟؟؟؟))
مازلت اصطنع مساعدتها والحقائب شبه جاهزة ، هذه هي حجتي للوجود والالتصاق بها لآخر لحظة انتظار .. ضمَمْتُها واغرورقت عيني بالدموع وقلت لصمتي : حبنا طبيعي ياابنتي، ولكنه الشوق! وتبعثرت أشواقي وتناثرت شظاياها وأصابت قلبي المتعب الفقير من القوة .. هشة أنا يا لين .. زجاجة أنا يا لين، ولكن يبقى عندي قوة الرحم الذي أقمت فيه تسعة أشهر متصل بحبل سري متين لن تقطعه أوجاع الغربة، بل سيتعود هذا الحبل، سيتصلب شيئًا فشيئًا، يومًا ما ستعودين ونقطع طريق الغربة بلا عودة، وتسكنين قرب رحمي، داخل قلبي تنامين ، تلعبين ، تضحكين ..
آه يا بنيتي .. أراك مبتسمة سعيدة راحلة إلى هدفك ولتحقيق حلمك الأول، ومحاضرتك الأولى وليلتك الأولى بسكن الطالبات، ورحلتك الأولى لخطواتك الجديدة !! كنت قد أكثرت الدخول ليلة سفرك إلى غرفتك أكثر من تاريخ عمرك، نعم .. بنيتي نقرات يدي الخفيفة على بابك عددها مليون .. نعم مليون مرة دخلت وخرجت أتأملك وليتها تكفي ! أتأمل تلك القارة الجديدة البعيدة على الخريطة أصابعي تعبر من بلدي إلى هناك أراها قصيرة المسافة ولكن على الورق فقط،، حديثة هي، وبلادنا تبقى أصيلة معتقة ولكن .. !! مشيئة الله يا حزني مشيئة الله .. كنت أودع هاتين اليدين الصغيرتين, كنت أضمك لأشبع روحي من رائحتك وأبثك الحب بكل قوة وأبثك الحنان بكل قوة، والاعتماد على الذات.. ومواجهة الحياة.. الليلة غريبة ، الحقائب لا أريدها أن تغادر الغرفة،، أتمنى أن أكون الغطاء أو قفل الحقيبة !!أو يدها الجلدية الصغيرة..أو عجلاتها الدائرية ..ولكن .. كل شيء على ما يرام .. كل شيء على ما يرام مازلت تسألينني .. ما زلت طفلتي .. ( ماما هذه سأحتاج إليها ؟ ماما هل هذه ضرورية،، وهذه آخذها أيضا.."..!!)وأنا في عالم آخر ما زالت عيني تراقب كل سنتيمتر فيك، طفلتي كبرت ومازالت صغيرة، ستترك هذا السرير، ورائحتها الجورية أثرها على الوسادة، على الأغطية القطنية ،على حائط الغرفة والهواء المعطر بروحها ..
ستترك لي رنات ضحكتها بصداها، وصورها داخل إطار قلبي، آه بنيتي.. تلك( الخزانة ) باتت خالية وليس بها سوى بضع من أشيائك القديمة، لا بأس اتركيها اتركي لي شيئَا منك..ألمسه من بعدك.. وتلك المنضدة التي تراقبك مثلي لطالما انطلقت من على سطحها وأبدعت وتفوقت.. وهنا كتبت مذكراتك الجميلة، وهنا رسمت أول رسومك وأول حرف وأول كلمة ،، من هنا انطلقت يا حبيبتي ،، أرى قطعة الخشب هذه والكرسي( الدوار) يذرفون دموعَا ويودعونك .. آه .. تلك النافذة .. كم حملتك هنا حين كنت صغيرة و قصيرة ونظرنا معًا إلى القمر ، وذلك الشجر ، وراقبنا السفن الكبيرة ، وأصغيت معي لصوت البحر.. وكنت أقول لك لين ما أجملك يا حبيبتي حين تكبرين يا ابنتي وترين القمر بدرًا تذكريني أينما كنت وتذكري أن ماما تحب القمر،، إلى أن أصبحت لديك قامة ممشوقة وتقفين لوحدك .. هنا راقبت وهنا حلمت .. ومن هنا ستطيرين لطالما كنت تنظرين إلى السماء خاشعة وتدعين إله الكون بأن يحقق حلمك ، من هنا لين قرب النافذة كنت أشاهدك تصلين لله .. وستصلين لطالما دروبك صالحة .. وأحلامك كبيرة يا صغيرة .. يا نجمة متلألئة ذهبية..
استرجعت تلك الليلة شريط الذكريات، لحظة صرختك الأولى، كنتُ صغيرة، كنت بعمرك يا لين حين عرفتك إلى هذه الحياة الجميلة .. وولادتك كانت قريبة من سفرك الحالي، ولدت في أمريكا،، في لوس أنجلوس عام 1986 فمن سورية إلى مقر إقامتي (بغربتي) إلى قارة بعيدة ..رزقت بك هناك وكم كنت حزينة من مقولة: (حرام أنت طفلة وبيدك طفلة) !!! وكنت عكس السيدات أزيد من عمري كي لا يهبوني صدقات العطف على صغري ..لم يدركوا قوتي الكامنة بعقلي لم يدركوا أنني ولدت وبفمي دباسة الورق ، وبيدي الصغيرة قلمًا مغطسًا بمحبرة أسبح مع حروفي ما بين غلاف المحبة وغلاف الكتاب، ولطالما كنت أسأل نفسي(عائلة الطباع) لماذا أنا أنتمي إليهم هل لأثبت للجميع ارتباط (الطباع) بالطباعة ؟ بعشقي للأوراق والكتب ؟ لربما صدق أجدادي وكان عندهم تصور بأنني سآتي يوما وأطبع لأحدهم محبتي الأبدية لعائلتي لنسبي لهويتي .. بقلبي وسكني الأبدي داخل الكتب والمعرفة ..لربما جدي أخبر جدتي أنه سيقرأ لي يومًا ما كتاب أو بضعة كتب (لا أدري) ليتك لم تغادرني يا جدي العظيم ..لتشاركني قراءة هذه السطور وتتعرف إلى أطفالي ..
أجل يا جدي مشتاقة لك ، سأضع ما أكتبه إلى جانب قبرك لربما يأتي من يقرأ لك ما كتبته على صفحات البحر من الشوق والمحبة .. عن احترامي لك ..
بنيتي .. حين أحملك بين ذراعي ونتبادل الابتسامات وأتكلم معك .. كنت يا لين تسمعيني وأسمعك عبر لغة خاصة وخاصة جدًا لا تنشئ إلا بين الأم ووليدتها عالمنا خاص يا حبيبتي ، عالمنا خاص.. نشأت بيننا ! تلك الرابطة القوية ..كنت خيط جميل بحياتي ربطتني وعقدتني بشريطة وردية كثريات معتقة أساسها ركائز من بريق الكريستال الفاخر والحب ، نستمد ضوء الحياة الجميلة من أنوارك المبهجة وجمالك .. ورجعت وأباك إلى مقر عمله في غربتنا إلى الصحراء ..
ياإلهي تغربت عن بلدي الحبيب ..وأنجبت في غربة ، ورجعت لغربة، وستغادرني ابنتي لغربة، وأنا ما زلت لليوم مغتربة عن وطني وبلدي دمشق ولكن لماذا ؟أين أنا؟ أنا غيداء ابنة دمشق التي غادرتها بإرادتي عام و1983!!!لمن تركت دمشق ؟ لأكتب إليها من بعيد ؟لأتبنى حبها وذكرياتها وأنا طفلة ؟؟؟ لأتذكرالمدينة الجميلة .؟ وذاك الجبل .؟ لتقرأي شوقي عبر طفلة تحمل طائرة ورقية تتناثر الأحرف وتقع على البيوت وقلوب من أحبني ؟ ومن أحببتهم ! دمشق أما زال الأطفال يطيرون تلك اللعبة ويبتهجون ؟ دمشق أما زالت شوارعك تعبق بالحنين لأبنائها المشتاقين لضمك ؟ دمشق أما زالت الفتيات تقطف أزهار الياسمين وتصنع منه عقدًا للمحبة تتوجك به ، لأنك أجمل مدن العالم ؟ دمشق مهما كبرتِ ، تبقين مميزة ، وجمالك مذاقه خاص، معتقة شهية ، نفتخر بانتمائنا إليك ..
لمن تركت دمشق ؟ لأشاهدك أول باش تان : عبر الصور .. ثاني باش تان : أقرأ عنك من الكتب يا جوهرتي !! ثالث باش تان ؟ الفضائيات !!عبر مسلسل ( ليالي الصالحية )وكلمات للأسف أسمعها وأتعرف إليها لأول مرة !!! من يامو سعدية وعمر !!
دمشق ..لا أدري يتمْتِني.. أم يتيمة أنت بحبي ؟؟سافرت غيداء.. اختارت وطنًا في الصحراء عانت أمي ، وها أنا أعاني من غربة ابنتي وغدًا ابنتي ، تعاني من غربة ابنتها، لماذا الحلقة دائرة متى نمنع السفر .. ونرجع الروح إلى بطاقات تاهت بغربة نحرق جوازات السفر متى نمنع السفر .. لماذا الحلقة دائرة .؟متى نمنع السفر .. ونفتح حدود المحبة ونمحي اسم غربة .. نمحي السفر.. نمحي السفر ..
لأجتمع مع روحي ونتذكر الفصول الأربعة وخاصة صوت المطر حين ينقر على زجاج الغرفة ليخبرني أنه أتى، ليغسل شجيرات أبي؟؟ آه كم أحب تلك اللمعة والدمعة بنهاية أوراق ما زالت تنتظر قدومي كل صيف ... وأمي المسكينة تقول: يا إلهي كل ما تنتهي (عيشة) من (تنظيف الحديقة تهطل المطر !!) وأضحك وأضحك وأقول (نزلت المطرة هيه نزلت المطرة هيه) وتؤنبني أمي المسكينة المعلمة المتعبة من التعب ... ويشاركني بالغناء أخي (الصغير) مجد الحبيب وأخرج مسرعة كي أستحم وأبلل شعري الطويل تحت المطر فرحة بهذا الضيف الذي كان ومازال عندي مميزًا... وأشرب بضعة قطرات لطالما كنت أسأل أمي ما طعم المطر ؟
وتركض أمي خائفة قائلة: ادخلي (بلا ما تمرضي) آه يا أمي لو تدري أن المطر كانت زجاجة دواء لشفائي،، آه لو كنت (أنا عيشة) ولم أتعرف على الصحراء والغربة والضجر ... والجمل وأكمل شغبي في الخريف وأدوس على الأوراق الصفراء وأصنع من صوت تكسرها تحت قدمي أغنية عن حبي لكم يا أهلي .... عن عشقي لحديقتي وداري .. ووطني
لقد أحبني القلم لطالما كنت الورقة الطائرة .. يلعب بحروفه فوقي تارة يأخذني كعنوان للضجر وتارة يذيل الصفحة لتوقيع مني وتارة حين يسيل الحبر مع الألم أختبئ على الهامش ..واليوم أخذت ممحاة ومسحت الزمن وأخذت كراسًا جديدًا لأرسم أحرف ملونة بحياة جديدة .. بعام 2005 الذي أتمنى أن يكون سعيدًا لأكمل رسمي وأتمم جنوني على صفحات كانت تائهة شاردة لربما حالمة ..
آهٍ مني.. لا أدري لماذا شردت عن الموضوع ربما اشتياقي للمطر، لسوريا.. لكم أينما كنتم في أرجاء الكرة الأرضية .. لأهاتف أبي وأمي عبر الهاتف والإيميل (حديثا) كما ستفعل ابنتي؟؟؟ لماذا اسمح لها بمغادرة ظلي ؟ لماذا يا عصفورة ستغادرين ذاك العش.؟؟ أحب أن أسمع تغريدك كل صباح وظهر ومساء .. أحب أن أتسلل إلى مخدعك كل ليلة وأمسح شعرك وأقبل خدك ويدك وجبينك الطاهر أحب أن أمسك بيدك وقلم الرصاص ونرسم اسمي واسمك .. وأعرفك إلى العالم بطريقتي وطريقتك ؟؟أحب أن أشاهد معك أفلام الكرتون وزينة ونحول وتوم وجيري أحب أن آكل معك (البوشار) وصديقاتك معك وتتابعون أفلامًا للمراهقات .. على ضوء التلفاز وضحكاتكم المسموعة لغرفتي .. وكلي فرح لفرحكم لطالما أنت وإخوتك وأصدقائكم قربي ولطالما كانوا كما تقولين لي بأن الجميع دون استثناء( يحبونك ياماما ) ولم لا يا حبيبتي كونهم أصدقائكم فهم أصدقائي ..
آه يا بنيتي ..خذيني سوارًا يستمد جماله منك ! مرة حياتي كقهوة الصباح ! خوف، رهبة، شعور جديد، لا ادري ما هو، مصير دولة ( أسهل برأي ).. لا أدري كيف قضينا ذلك الطريق إلى المطار نضحك وأبكي وتبكي وتصغي أتكلم وتتكلمي تتضارب نظراتنا،، نصمت،، نبكي مجددًا نضحك ونضحك حبيبتي :حين دخلت لصف الروضة مع صندوق طعامك الزهري المنقوش بالزهور والرسوم المبهجة قائلة لك : لا تأكلي من طعام أحد غريب،، أكملي طعامك،، اغسلي يديك،، كوني مهذبة مؤدبة مع المعلمة والأصدقاء ،شاركيهم المحبة والعبي معهم، لا تذهبي مع الغرباء انتظريني أنا أو والدك فقط لاصطحابك ..
الصدق يا ابنتي الصدق والمحبة والأخلاق الحميدة طريقك للنجاح..واليوم، اليوم كبرت وما زلت طفلتي، ستذهبين بوعيك بأخلاقك ورسالتك وهدفك،، وبت أكثر إشراقًا وجمالاً وأنوثة، كنت وما زلت متفوقة ومميزة، وفيما مضى تحملين حقيبة المدرسة الصغيرة الملونة وضفيرة شعرك الجميلة، وفي العطل تركضين مع المضارب والكرة والدراجة للبحر والحدائق،! واليوم نحمل حقائب مختلفة.. واليوم نحمل أمتعتك !! حقيبتين كبيرتين.. تحملين ثيابًا وكتبًا وعنوانًا جديدًا.. تحملين ذكرياتك الخاصة، وأغنياتك المفضلة،، لا مكان للكرة والدراجة !! تركت لنا حبك الخالد وشهادة ميلادك ..وأخذت جواز السفر.
أما بقلبي يا لين فجوازك بدون أختام، مقعدك محجوز باسمك للأبد في الدرجة التي نهاية ولا حدود لها، جوازك يا بنيتي صفحات بيضاء محملة بالحب والحنان، لا يحتاج لتوقيع وتاريخ انتهاء الصلاحية، لأن طريق سفرك من وإلى قلبي مفتوح مفتوح مفتوح من عام 1986 إلى أن يغلق الله حدودي أنا !
غادري سافري اعملي واعلمي أنك : درسي الأول في الحياة ولوحتي الأولى ولحني الأول وأنهار محبتي في ينابيعك الأولى وزهوري الملونة التي لن تذبل ..
آه بنيتي ..أمضيت رمضاني الأول وحيدة لأول مرة ، وليالي الأعياد وحيدة لأول مرة وهاهو 2005 يأتي وأنت بعيدة .. ولم أكن ادري أنه لا يوجد حب هانئ دون وجودك لا يوجد عيد سعيد دون وجودك لا توجد شفاه مبتسمة في غيابك لا توجد حياة إلا معك ومن خلالك سأخبئ هدايا الأعياد والأفراح والسعادة بجعبة قلبي وأقدمها ملفوفة بأجمل شرائط ساتانية ملونة أطرز أحلى الأشعار والأشواق وأقدمها إليك حين أذهب للمطار وأنتظر قدوم الطائرة، لتهبط الأفراح وتنجلي الأحزان على مدرجات الأمومة لتعود الأنهار بمياهها تجري وتسقي وترتوي من محبتك، من قبلتك الممزوجة بالحنان، من لمسات يديك، من ضمتك الشجية..
كل عام وأنت ابنتي
كل عام أهديك محبتي
كل يوم وأنت حبيبتي
وصلنا المطار ونقطة الدخول كانت تلك الفاصلة، تلك بداية القصة، بداية غربة فوق حطام غربتي!! آه بنيتي ..انتبهي إلى نفسك، الله يرعاك ويحميك، كانت تلك آخر كلماتي وأباك الكريم لك ..والكثير من القبلات ..
الوداع
دخلنا السيارة.... نظرت للمقعد الفارغ، لسكون مخيف، وصمت صامت، بكيت وضيعتني طرقات الحنين لليال ومازلت .... أبكي
لين :
شحيح ضوء الفوانيس يا بنيتي ..
شحيح ماء البحر دون وجهك ..
أتوسل للنجمات ، والقمر ، أبتهل لإله الكون أن يحميك ويوصلك إلى طريق الأمان ، ويبعد عنك الأذى ،، وكلته يالين وتوكلت عليه ، لكنني ضعيفة أمام هذا القدر ، أمام حقيقة البعاد بالجسد وروحك تسكنني..
بنيتي يا غرسة خضراء
في عيون الأمهات
عصفورة أحبت الطيران
بأجنحتها الصغيرة
غادرت قفص الأسرة
كانت تحلم
كانت صغيرة
تنام تحت ظلالي الوارفة
اليوم تدرسين
وغدًا سترجعين
ويومًا ما ستتزوجين
ستغادرين
ستغادرين
وتقرأين لابنتك هذه الأسطر الحزينة ..
وربما تكونين قوية.. وتغلقين حقيبتك وتتذكرين ، تتذكرين كيف كان يا ما كان يا قديم الزمان: كانت غيداء (والدتي) مرهفة الإحساس والمشاعر ، تخاف علينا من نسمة الهواء ..إلى أن جاء يوم كبرنا أنا وإخوتي وبدأنا بالتحليق والسفر فلم تحتمل ( والدتي غيداء ) هذا الضجر فلملمت حقيبة أوراقها المتعبة مع القلم والألم وكتبت إلينا بداية مني أنا ( لين ) وغادرت بطائرة أبدية ورمت بهذه الرسالة من السماء لأقرأها لابنتي( المستقبلية ) حين تتسلم شهادتها الجامعية عام 2024!!!!!!!!!
وجدتي (غيداء) بعد عشرين عام أصبحت في 56 من عمرها !! من عام 2024
كتبت لأمي لين هذه الرسالة:
وبدايتها :
لين يا غصن البان
جمالك ورد ومرجان ..
همسة : أتمنى أن أسمعها في المستقبل :
جدتي غيداء : كم أحبك
دمت لي
المحبة للأبد
ماما غيدا
2004
واقرأ أيضاً:
أحجار الوَداع .. / أنا لست مثالية! / هل تذكر يا حبيب ؟!!.. / إذا غيرت رأيك