وقفت تتأمل ملامحها في المرآة، أزاحت شعرها من على وجهها ليبدو واضحًا.. تأملته بدقة.. بدأت من أعلى
جبهتها، حاجبيها، عينيها، أنفها، فمها، ومن داخل فمها أطلت على أسنانها، ذقنها، ثم نظرت لوجهها إجمالاً، ثم أسدلت شعرها لتشاهد توافق التسريحة مع ملامح وجهها.. شعرت بالزهو من جمالها و أحست بالرضا عن عمليات التجميل التي أجرتها مؤخرًا لتزيد من حجم شفتيها وترفع وجنتيها وتزيل الدهون الزائدة من فوق جفنيها.. كانت ترى أنها هكذا أجمل بكثير فملامحها أصبحت أكثر إغراء وأكثر جاذبية.. ومع لمسات المكياج التي تضيفها تبدو وكأنها ملكة جمال..
الجمال.. ما أحلى الجمال.. إنه تاج على رأس المرأة يحسدها عليه باقي النساء ويجذب إليها أنظار الرجال.. ولكن الذي يحيرها لماذا بعد كل هذا لا تشعر بالسعادة؟ إنها ذات وجه جميل وقوام أجمل.. ترتدي أغلى الثياب من الماركات العالمية.. تركب أحدث سيارة.. والداها لا يؤخران عنها شيء فهي طفلتهم المدللة.
كانت تشعر في البداية أن جمالها عادي وغير ملفت للأنظار وكان هذا يحزنها، فأقبلت على عمليات التجميل دون تردد ظنًا منها أنها بهذا ستكون أسعد، ولكن هاهي بالرغم من كل هذا لا تشعر بالسعادة. تشعر بالزهو، بالفخر، نعم... ولكن كل هذه الأحاسيس شيء والسعادة شيء آخر.. ماذا تفعل إذًا؟ كل هذا دار بذهنها وهي لا تزال تتأمل وجهها في المرآة, لم يقطعه سوى طرقات على باب غرفتها، فالتفتت إلى الباب وهي تقول: أدخل
كان أخوها عمر..
- أهلاً يا عمر أين أنت؟؟؟ لم تزرنا منذ فترة
- مشاغل الحياة يا نهى كما أنك تعلمين أن مها على وشك الولادة
بدت على وجهها ملامح الامتعاض حين جاء ذكر زوجته مها وقالت فى تهكم: مها..كيف حالها؟؟؟
لاحظ أخوها لكنتها في الكلام فسألها: ألازلت تكرهينها؟
- ومن هي حتى أكرهها أو أحبها؟
- إنها تحبك يا نهى ولا تذكرك إلا بكل خير وتتمنى أن تكوني صديقتها
- طبعًا وهل تحلم مثلها أن تصادقني؟
- لا يا نهى..كفى.. لا تنسي أنها زوجتي
- لقد أخطأت الاختيار من البداية وقد نصحتك بما فيه الكفاية ولكنك لم تستمع إليّ.. فلا تلمني بعدها
- نهى قلت كفى..
انتبه عمر وهو يكلمها فجأة إلى تغير ملامح عينيها بشكل واضح فقطع كلامه وسألها: ما هذا يا نهى؟؟ هناك شيء تغير في عينيك أو جفنيك على ما أظن
ارتبكت نهى ونظرت إلى الأرض فأدرك عمر معنى هذه النظرة على الفور وصرخ فيه: عملية تجميل جديدة؟؟؟..... هذا لا يصدق...... لماذا كل هذا؟ ....... هل وجهك لعبة لتتركينها في أيدي جراح التجميل يغير فيها كما يشاء وكما يحلو لك؟ أين عقلك؟؟؟
وأمسكها من ذراعيها وهزها وهو يقول: نهى أفيقي لنفسك.. إنك بهذا تشوهين نفسك.. أنت الآن أقبح مما كنت عليه في البداية.. كان جمالك هادئًا طبيعيًا.. ولكنك الآن أصبحت أشبه بامرأة لعوب، ملامحك مليئة بالحدة والجرأة الزائدة.. لا أعلم كيف توافقك أمي على هذا؟؟....
لمح عمر دمعة تنساب من عينها فرق لحالها و مسح بيده على رأسها وقال لها وقد تلاشت حدته: أنا أفعل هذا لمصلحتك يا حبيبتي.. لا أريدك أن تضيعي من نفسك
مسحت نهى دموعها بيدها وهي تقول: أنا لا أبكي من قسوة كلامك ولكني أبكي لأن عندك حق فيما قلته.. أنا لا أجد السعادة حتى الآن.. عندي ما تحلم به أي فتاة ولكني لا أشعر بالراحة ولا أدري ما أفعل
أمسك عمر يدها وربت عليها في حنان وهو يقول: كل هذا لأن اهتمامك كله كان على شكلك الخارجي.. لم تبحثي عن النور بداخلك...اهتممت بجمال الوجه والجسد ونسيت- جمال الروح، ولقد نصحتك قبل هذا كثيرًا ولكنكِ لم تستمعي إليّ أبدًا، وها أنت جربت كلّ شيء ولم تشعري بالسعادة... فلتستمعي إلى كلامي ولو مرة
- ماذا تريدني أن أفعل؟ لا تقل لي كوني مثل مها فهي تفعل كذا وكذا، أنا مع احترامي لك لا أحبها ولا أود أن أكون مثلها.. كما أنها ليست من مستوانا الاجتماعي حتى لو كانت زوجتك.. لن يغير هذا من الأمر شيئًا
تضايق عمر من كلامها عن زوجته ولكنه امتص غضبه وقال لها في لطف:
لن أقول لك شيئًا من كل هذا.. ولكني سأقول لكِ شيئًا آخر..
الإيمان يا نهى، الإيمان الحقيقي يا نهى هو بر الأمان الوحيد في هذه الدنيا.. اليقين في الله والرضا بعطائه كما وهبه لنا.. أنت بحاجة إلى طاقة روحية هائلة تكون سببًا في تجديد حياتك وإزالة مسحة الحزن من عينيك بعون الله ورحمته وكل هذا لن تجديه إلا في القرب منه وفي رضاه.. أنا أعلم أنكِ مؤمنة ولكن حاولي أن تتقربي من الله أكثر وأكثر... ابحثي عن أعمال الخير.. أكثري من الطاعا.. اختلطي بالبسطاء.. انظري إلى وجوههم الراضية.. تعلمي منهم، واعلمي أنه لا يوجد أكبر أو أوسع من رحمة الله وثقي أنه سيشملك بها قريبًا.. قريبًا جدًا بإذنه ورحمته
انسابت الدموع أنهارًا من عينيها وهى تستمع لكلام عمر.. شعرت بمدى صدق كلماته وبمدى حاجتها له.. حاولت أن تجيب أخيها وأن تعده بأنها ستحاول ولكن من شدة البكاء اختنق الكلام ولم تستطع أن تنطق بأي حرف، شعر عمر بها وما كان منه إلا أن احتضنها وأخذ يربت عليها بحنان وهو يدعو لها بالهداية والرحمة.. تاركًا إياها تخرج شحنة من الألم النفسي صاحبتها سنينًا طويلة، ولكن آن لها أن تخرج..
نعم لابد أن تخرج
لابد...
واقرأ أيضا:
عشرون عاماً ... مضتْ / إني ألف أكرهك.. / ونفترق.. / إليك يامن كنت يومًا حبيبي../ آه لو يصمتون / صوت الباب / دم الشهيد.. / جزارة على النت