خمس سنوات.. خمس سنوات كاملة وهي تحبه.. منذ ذلك اليوم الذي انتقل فيه مع أمه للسكن بجوارهم.. لازالت تذكر أول يوم رأته فيه.. أحداث اللقاء محفورة في ذهنها.. حتى التفاصيل الدقيقة لا تعتقد أنها زالت من عقلها.. عندما رأته أول مرة دق قلبها بعنف مثلما لم يفعل من قبل.. وجدها أمامه عند باب شقتها فابتسم لها وعرفها بنفسه وبوالدته وأخبرها أنهم السكان الجدد.. ابتسمت هي الأخرى مرحبَة بكلمات رقيقة.. استأذنها ليدخل شقته.. فأذنت له بحركة بسيطة برأسها.. فدخل وأغلق الباب.. كان صوت الباب يومها مزعجًا فقد فصل بينها وبين من وقعت في حبه من أول لحظة
ظلت هكذا أيام وسنين.. تحبه في صمت.. لا تجرؤ أن تبوح له بمشاعرها.. تفرح كلما التقت به على غير ميعاد في المصعد أو في الشارع أو في أي محال تجاري بالقرب من المنزل.. تكتفي بالابتسام.. فيرد عليها أيضًا بابتسامة.. كانت تظن أن هذه الابتسامة تحمل الكثير والكثير.. لم تكن تعرف أنها من باب المجاملة.. كانت هذه الابتسامة تعنى لها الكثير.. وكان عقلها يفسر مغزاها كما يحلو له.. فتسعد بهذا التفسير وترتاح له.. كانت على ثقة من أنه يحبها أكثر مما تحبه هي.. وإلا فما معنى ابتسامته الدائمة لها؟؟ وما معنى رقته في التعامل معها؟؟ والأهم من كل هذا.. ألم يزرها وهي مريضة في المستشفى بعد ذلك الحادث الذي تعرضت له وحمل لها باقة زهور؟؟ ما معنى كل هذه التصرفات؟ إنه بالتأكيد يحبها.. ولكنه ينتظر الوقت المناسب ليخبرها بفيض مشاعره.. وهي ستنتظره لأنها واثقة .. فدلائل حبه واضحة.. واضحة جدًا.. إذن لا بأس من الانتظار
مر عام على كل هذا ولم يخبرها بعد.. إن ظروف كلاهما مناسبة لأن يرتبطا في أقرب وقت.. فلما لا يخبرها؟؟.. لما لا يتقدم لها؟؟؟
لابد أن هناك عذر قهري.. ولكن لا بأس من الانتظار... هي واثقة من حبه لها.. فأين المشكلة؟؟
عام جديد ولم يلمح لها بأي شيء حول الارتباط.. إنها ترفض كل من يتقدمون للزواج منها.. لأنها واثقة من حبه لها.. فستنتظر.. لا توجد مشكلة.. فالثقة موجودة.. وحبه أوضح من أن يخفيه..
عام جديد آخر.. لا شيء أيضًا.. ثم عام.. أيضًا لا شيء.. لماذا لا يخبرها؟؟ ماذا ينتظر؟؟ ربما يعد لها مفاجأة.. ربما ينتظر حتى تتعافى أمه.. بالـتأكيد هذا هو السبب.. شفاها الله وعافاها
بدأ عام جديد.. تعافت أمه وتحسنت.. فرح قلبها.. شعرت أن اللحظة الحاسمة قد اقتربت.. كانت تنتظر أن يأتي ويخبرها بحبه ويطلبها للزواج في أي وقت.. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث.. حتى التقت به يومًا عند باب العمارة.. ناداها... توقفت.. دق قلبها.. التفتت إليه
- ليلى كيف حالك؟
- الحمد لله
- عندي أخبار سعيدة
تسارعت نبضات قلبها أكثر وأكثر.. أخيرًا سيقولها.. أخيرًا سيخبرها
- خير إن شاء الله
- لقد قررت الزواج
شعرت بفرحة لم تشعر بمثلها من قبل.. وجدت نفسها بمنتهى الفرحة تقول
- أخيرًا؟
- عندك حق لقد تأخرت كثيرًا
- لا بأس المهم أنك قررت
- عندك حق ولكن ألا تودين أن تعرفي من هي؟
تعجبت من السؤال.. من ستكون.. بالتأكيد هي.. وهل يعقل أنه يقصد أخرى؟؟ إنها بالتأكيد هي.. ولكنه يشوقها.. أكيد فلا يحتمل أن تكون غيرها
- من يا ترى؟؟
أجابها بكل بساطة وتلقائية: منى زميلتي في العمل
وقع الخبر عليها كالصاعقة.. تغيرت ملامح وجهها في ثانية.. شعرت بمرارة في كل خلية من جسدها.. كانت تريد أن تصرخ فيه.. من منى هذه؟؟ لم كل هذه القسوة؟؟ إنها كانت على ثقة أنه يحبها.. فما معنى..؟؟ وما معنى..؟؟ و ما معنى..؟؟ أكان كل هذا وهم؟؟ هل يعقل أن يخذلها إحساسها لهذا الحد؟؟ هل..
- ليلى.. أين ذهبت ؟؟ لم أنت صامتة هكذا؟؟
- هه.. لا أبدًا لا شيء.. مبارك بإذن الله
- شكرًا.. عقبى لك
- قريبًا بإذن الله
- سأتركك الآن لأن عندي موعد هام
- تفضل
تابعته ببصرها, حتى ركب سيارته وأغلق بابها خلفه وانطلق.. لا تدري لماذا ذكرها هذا بصوت الباب في أول لقاء لهما.. تذكرت المشهد الأول في نفس اللحظة.. ولكنها شعرت أن صوت الباب هذه المرة كان أكثر إزعاجًا
أكثر بكثير
مي الغروري
واقرأ أيضا:
عشرون عاماً ... مضتْ / إني ألف أكرهك.. / ونفترق.. / إليك يامن كنت يومًا حبيبي.. / آه لو يصمتون / دم الشهيد.. / جزارة على النت / الجمال / موعد من غير ميعاد ولكن....