لا زالت تعاني على الرغم من إيمانها الشديد بأن هذا هو قدرها وأن عليها الصبر والتحمللازالت نظرة المجتمع تزعجها وتتعبها
لقد حاولت مرارًا أن تنساهم وتتلافاهم
نجحت مرات.... مراتٍ كثيرة
ولكن من وقت لآخر تصطدم بمن لا يتفهم ووضعها ويضغط على جرحها بغير رحمة
إنها تشعر من داخلها أنها متميزة.. متميزة إلى حد كبير.. ولكن ليسوا كثيرين من يعلمون هذا
ولكن أين المشكلة؟؟.. أين العقدة؟؟.. إنهم لا يشكلون أهمية في حياتها.. فلم كل هذا الحزن؟؟؟؟
إلى الأمام.. إلى الأمام يا سارة.. لا يستوقفك هؤلاء.... تلافيهم كما تلافوك.. وتطلعي للمستقبل بآمال واسعة ونفس رضية... واعلمي أن الله لن يضيع أجرك.. ولن يحرمك جزاء صبرك
مر كل هذا بذهن سارة وهي تجلس في المكتبة تطلع على إحدى كتب علم النفس حيث شرد ذهنها قليلاً متأملة وضعها ومفكرة في نظرة من حولها لها
تأملها أحد الجالسين في المكتبة.. لمح هدوئها وبساطتها... غير أنه ليس هذا ما لفت انتباهه فيها فالأكثر تميزًا في شكلها هو تلك النظارة السوداء التي تعلو عينيها وشكل الكتاب الذي تقرأه.. كتاب ذو حجم كبير.. أوراقه بيضاء بها ثقوب كثيرة ودقيقة.. تلامسها بأطرافها في رشاقة ومرونة المتمرس... كان المشهد أوضح من أن يفسره له أحد.. كفيفة؟؟.. أيعقل هذا؟؟.. كل هذا الجمال ولا ترى؟؟.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. وهمس مسكينة.. كان الله في عونها
لم تره ولكنها سمعت همس كلماته -فحاسة السمع لديها ولدى كل من هم في ظروفها تكون في غالب الأحوال قوية إلى حد كبير- فابتسمت حين دعا لها ونطق قلبها الحمد لله
نظرت إليها أخرى في اشمئزاز ومالت على صديقتها قائلة بصوت ليس بالعالي ولكن أيضًا ليس بالمنخفض:عمياء..وتقرأ.. هه.. ما كل هذه الثقافة؟؟؟؟
سمعتها... ببساطة شديدة... ووضوح أشد.... وجرحتها الكلمات.. جرحتها بعمق.... ومن داخل قلبها صرخت: الحمد لله
شعرت بكثير منهم فهذا يشفق عليها وهذا يتعجب لحالها وهذا يسخر منها وهذا يحترمها وهذا لا يبالى بوجودها
وهذا.. وهذا.. جمع كبير من البشر يختلفون في الآراء والانطباعات
ولكن آه لو يحتفظون بأرائهم لهم.. آه لو يصمتون.. آه لو يعلمون أن قلبها يرى ويشعر.. وأن أذنها تسمع همساتهم
و لكن الحمد لله على كل شيء
الحمد لله الذي لم يحرم القلب نوره وسلامه الداخلي... الحمد لله على نعمة الحياة.. الحمد لله على نعمة الأمل.. ونعمة الابتسام
الحمد لله على نعم لا تعد ولا تحصى
الحمد لله
أغلقت كتابها في هدوء وقامت من على كرسيها وأعادت الكتاب إلى مكانه بالرف
وخرجت من المكتبة ولازالت همساتهم ترن في أذنها
فهمست: الحمد لله
ورحلت وعقلها يردد
آه لو يصمتون
واقرأ أيضا:
عشرون عاماً ... مضتْ / إني ألف أكرهك.. / ونفترق.. / إليك يامن كنت يومًا حبيبي.. / صوت الباب / دم الشهيد.. / جزارة على النت / الجمال / موعد من غير ميعاد ولكن.....