لم أره سوى مرتين اثنتين، ولكنه صار أقرب إلي من كثير ممن لا أكاد أنفك عن مخالطتهم، لقد ذابت روحه بروحي، وائتلف قلبانا فصارا واحدا، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم: ( الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف...)، فعرفته يحبني، وأظنه قد عرفني أحبه.
بكيته البكاء حين بلغني خبر موته، أولاً لأنني عرفت بموته متأخرًا جدًا، فلعنت الدنيا؛ تلك العجوز الشمطاء التي أهلكت ولا تزال تهلك، لا نكاد نخرج من إسارها للحظات؛ حتى نبر إخواننا أو نصلح أحوالنا، وثانيًا لأنني قد كنت من زمن تشوقت لرؤيته، فنويت أني أزوره وأراه، فلم يقدر الله، وقدر الله سابق.
فليجعل الله حبي له -الذي هو خالص لوجهه- رحمات متتابعات ودعوات خالصات، اللهم تقبل عنه، وارفع درجته، واصفح عن ذنبه،
ولا تجعلنا بعده من المفتونين، اللهمَّ آمين.
العين تبكي والفؤاد عليل
ودمي يكاد مع الدموع يسيل
والآهة الحرَّى تمزق مهجتي
والعقل دهش يعتريه ذهول
فلقد أتاني نعيه في غفلة
والقلب لاه سادر مشغول
أيكون حقا ما يقال لربما
قول أشيع وما عليه دليل
لا ليس قولا قد أشيع فها هو
أسمعه صوتا للنعي يصول
ما أقبح الصوت الغداة فإنه
ينعى حبيبا للفؤاد خليل
يا رب يوم قد سعدت بوصله
فاليوم غاب ولن يلوح قفول
وعرفته روحا زكيا طاهرا
رجلا يؤاخى والرجال قليل
سبحان ربي من حباك مهابة
لك في القلوب محبة وقبول
أأخي يا روحي وقلبي ومهجتي
روحي فداك وما لذاك سبيل
قد كنت آمل أن أراك وربما
سبق القضاء فسيفه المسلول
فبعدت عن عيني لكن راسخ
مرآك في قلبي فليس يزول
وأتيت قبرا للحبيب فراعني
جثمانه تحت التراب نزيل
فبكيت لا جزعا بكيت وإنما
بعد الحبيب فما إليه وصول
وحسدت تربا قد حواه فضمه
وأملت أني للتراب بديل
لأضمه شوقا كذلك فعلنا
لو كان حيا والعناق يطول
لكن عزائي في الحبيب بقية
خلان صدق للحبيب عدول
في قرية هي قرية دون القرى
وأحبة دون القلوب تحول
فبمثلهمْ صدحَ السَمَوْأَلُ فَاخرًا
شباب تسامى للعلا وكهول
والكون لا كون به بل ضجةٌ
هذا يجيء وغيرهُ سيحولُ
يغدو على يُمْنٍ ويُمسي مُشْئِمًا
وتَقومُ فيهِ مَمَالِكٌ وَتَدُولُ
فليصْدِقِ الرحمنُ ظنِّيْ وليَكُنْ
لكَ في الجنانِ محلَّةٌ وحُلولُ
واقرأ أيضا:
نقش على لوح قصيدة مطرية: لا معذرة / ما ذنبي؟!! / ..صمود.. / اللص المحترم / الشبح القاتل! / أمةٌ عجب! / إذا الشعبُ.. / شبه أسيرةِ العرب.. / الواقي الذكري!