الآلة والإنسان في عمارة يعقوبيان(1)
ولدت الصحافة (حاتم رشيد) من هذين فكيف تنتمي لشعب ينقسم (جنسيا) إلى نوعين ويمارس حياته بسواء، وكيف لا تحمي نفسها (بحب السلطة) والارتباط السري بها (وهنا تكمن هذه السلطة في الذكورة المفتقدة)، هو دور تقريبا تمارسه الصحافة ليلا بمضاجعة نظام يقوم بتقسيم البلاد إلى عزب خاصة تحت إشراف كمال الفولي السياسي الفاسد ولمصلحة (الرجل الكبير الغامض) وتخرج على الناس نهارا بصورة وردية ووعود بمستقبل باهر، وأناقة تشعر الشخص العادي بالعجز لارتفاع ذوقها وثمنها أيضا.
الشذوذ إذن ليس جنسيا في الرواية، ولكنه يخفي فكرة النشأة غير السوية للصحفي/الصحافة وبالتالي انخراطها الليلي لتعويض ما تمارسه نهارا من مضاجعة للشعب!! في الحالة الثانية ثمة اغتصاب للحق في الحياة بكرامة حدث لشاب مازالت أحلامه خضراء رغم المهانة والفقر وخدمة الآخرين ،فهو أبن البواب الذي ظل يحلم عمرا بحبيبته ،ونجمتين على كتفيه ،لكن كونه"ابن البواب" جعل الآخرين يغتصبون هذا الحق، وحين (انحرف فكريا) كرد فعل على هذا الحرمان والاغتصاب ،وقبض عليه و تم اغتصابه جنسيا لعشر مرات قادته في النهاية إلى شذوذ موازي وهو فكرة الانتقام بالقتل والدماء لأنه أصبح يائسا من استرداد حقوقه الدنيوية فقرر قتل المغتصب واللحاق بالجنة وقتل.
(2) المرأة
ماذا لو يمت والد بثينة السيد؟ هل كانت لتنحرف وتبيع جسدها لصاحب المحل (طلال) مقابل استمرارها في العمل معه؟ وهل كانت ستضطر إلى العمل مع زكي الدسوقي؟...وماذا لو لم يمت..هل كانت ستحقق حلم الزواج من طه الشاذلي؟... هذه الأسئلة يصعب طرحها في ظل سياق درامي صنعه الراوي الذي أراد لها، ولم نرد، لكن –للحق- فان المخاطرة بالإجابة عليها تستحق.
فالمرأة في المرحلة التي عاشتها بثينة –ومازالت- هي ذلك الكائن الذي خلق للاستعمال!!! إما في غرف النوم كما يحدث عادة، أو في الأتوبيس أو في المخزن أو تحت السلم!
ذلك الكائن المهان بطبيعته في ظل هذه الثقافة المؤسسة للمعنى، ثم التشوه الذي تعرضت له، وانعكس تشوها حقيقيا في نفس بثينة. ففي كل الأحوال كانت بثينة ستخرج للبحث عن عمل، وفي الأغلب ستقنعها صديقتها المتورطة في بيع جسدها (بحدود!) بأن تفعل الشيء نفسه (رغبة أو طمعا أو حاجة) فكلها تتساوى في النهاية. اذن ما تعرضت له بثينة هو قدر امرأة ولدت في سطوح عمارة يعقوبيان لأب طباخ وأم خادمة وحبيب ابن بواب!!
أم بثينة
"البنت الشاطرة هي اللي تحافظ على شغلها وعلى نفسها" لعل هذه الجملة على لسان الأم هي الشرارة التي أشعلت نيران الانحراف الجسدي /التنازل لدى بثينة، فالأم جزء لا ينفصم من ضمير ابنتها ،وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على جسدها وهذه الأم تحمل "هم" أطفال عليها تربيتهم والصرف عليهم وإطعامهم ولو ببقايا طعام أسيادها الذين تعمل لديهم خادمة ولكن العبء يزداد كل يوم والمرأة لا تجد ما يمكن أن يطعمهم.. والمرأة جاهلة وأقرب إلى الكائن الغريزي الذي يبحث عن أي ضوء في ظلام دامس ليخرج من سجنه، حتى لو كان هذا الضوء من جسد ابنتها، إنها الحاجة التي تضعف المنظومة القيمية، وكيف إذن إذا كانت بالفعل ضعيفة؟!
رأت الأم في ابنتها –رغم الأمومة- حلا لأزمة الأكل والعيال..وإذا كانت المشكلة في غشاء البكارة فلتحافظ عليها لتصبح بنت شاطرة "شرف البنت لدى الأم تم اختزاله في ذلك الغشاء!
عيون طه
تعلم طه ما يعرفه عن المرأة من الأم التي لم تظهر ،ولكنها زوجة البواب قادم من الصعيد ، فماذا عساها تكون سوى تلك الطيبة الكسيرة المحدودة الطموح والتفكير المتدفقة المشاعر لابنها والقائمة على رعايته ورعاية زوجها دون أدنى مطالبة بحقوق.
هكذا رأى طه الشاذلي بثينة في البداية، لكنها ليست أمه وليست صعيدية أو زوجة البواب ولن تكون، إذن ثمة تعديلان على الصورة جاءت من البيئة المحيطة بطه الشاذلي المتدين اللاجئ إلى الله وبحذر المحافظ كان يقبل صورة زوجة ضابط الشرطة التي لا يجب أن تتسع فتحة الفستان من ناحية الصدر ليظهر فيتشاجر معها، ولكنها لم ترتدع وارتدت الفستان ثانية فشعر بالضيق ولم يشأ الخناق ...
عيون طه المحبة لم تختزل بثينة في جسد ، لكنها حاولت حبسها داخل إطار الأنثى التي يعرفها بكونها "ممنوعة" وكانت فتحة الفستان ناحية الصدر هي معركة الحسم في العلاقة ، ، وبقدر الحب ،كان القهر الذي تسبب له في القلق من سلوكها لكن ضعفه –ابن بواب- كان يمنعه من السيطرة ،وضعفه كطالب ثانوي ثم جامعة، وحبه الأقوى لها..كان المانع الأكبر.. هكذا رآها طه بعيون قلبه..ففشل معها!!
ويتبع >>>>>>>>: الآلة والإنسان في عمارة يعقوبيان(3)
واقرأ أيضاً:
يا ويلكو من غير شور أبوكو نجم / تعديل المادة 76من دستور عمارة يعقوبيان