الآلة والإنسان في عمارة يعقوبيان(4)
التحول
النماذج الثلاثة السابقة بدأت حياتها الروائية(بشرية) لكنها تحولت بعد أن جرفها التيار والتجلي الواضح لهذا التحول يظهر مع بثينة التي تم تحويلها إلى آلة حاسبة من خلال صديقتها ووالدتها والظروف حيث أدخلت دائرة الحفاظ الشكلي على الشرف(غشاء البكارة فقط) ومع هذا التحول انقلبت الآية فبدلا من الثورة التلقائية والغضب الذي ينبع من منظومة قيمية صلبة ومحددة أصبحت تبحث كيف تستفيد من المعتدى عليها جنسيا بأقصى شكل ممكن فأصبحت لقاءاتها بطلال دورية وانعكس ذلك على علاقتها مع حبيبها الذي رآها ببراءته تغيرت معه ولم يلحظ تغيرها الكامل بل والأغرب أن غضبها تحول إلى هذا الحبيب لعل الجزء الآلي فيها يحاول التخلص من (الإنساني)
ورغم ذلك فإن بثينة الإنسانة في إحدى مغامراتها كآلة حاسبة تعود حين يلمس زكى الدسوقي إنسانها لكن السؤال يبقى هل ثمة "حسبة" أخرى في إطار الزواج الذي أنهى الرواية وهل نستطيع أن نثق في أي من الطرفين بعد حياة حافلة بالحسابات؟
آلات التحويل
ثمة كائنات (إنسانية) المظهر ظهرت في عالم عمارة يعقوبيان وهي جاهزة للمناخ تماما، بل واستطاعت أن تؤسس لسيولة قيمية جعلت من الآخرين تابعين لها، فالمتحول الأكبر (كمال الفولي) قادم من أعماق العالم الآخر الذي تحكمه دائما حسابات المكسب والخسارة دون النظر إلى فكرة القيمة وأين تكمن فالثمن هو الفيصل في النهاية.
كمال الفولي غضب مرة واحدة جين قرر عزام تخفيض نسبة الربع المطلوبة منه في صفقة التوكيل الياباني وطلب مقابلة الرجل الكبير، وهذا الغضب متروك لصاحب الحق فيه وهو"الرجل الكبير" ولم يكن على "الفولي" سوى توصيل رسالة(أليس أشبه بجهاز تليفون بشري؟).
أما الحاج عزام السياسي القادم من عالم تجارة المخدرات إلى قبة البرلمان، فقد "حسبها" مع "سعاد" زوجته الثانية فلم يجد خسارة تذكر في الزواج منها، ثم قتل ابنها الذي في بطنها وتطليقها، كانت مجرد علاقة يستفيد منها ساعتين يوميا!
"سعاد" الزوجة الثانية (الأرملة) رأت أن كونها طرفا في صفقة سوف يكون مربحا لصالح ثأر شخصي لكرامة أهدرت واختزلت كإنسانة لساعتين يوميا(هل كانت تطمع في ميراث لأبنها أم تثور لكرامتها كإنسانة؟)
"طه الشاذلي" نفسه تحول إلى آلة للانتقام أحادية الاتجاه بعدما تعرض له من حرمان من حق الالتحاق بكلية الشرطة، ثم التعذيب وهتك الكرامة الذي مورس عليه في المعتقل.
أما "دولت الدسوقي" فنموذج يؤكد على أسوأ ما يمكن أن تصل إليه (عملية الحساب) حين تتحول إلى تطبيق آلي فهي"عجوز" "وحيدة" تركها أبناءها ولا تحتاج لأية أموال لتعيش، ورغم ذلك تحولت إلى آلة حاسبة تطمع في أن ترث أخيها حيا، فتقوم بالتآمر عليه وترشو آلات حاسبة صغيرة(ضباط) ليعاملونه بشكل سيئ.
ماذا لو ورثت "دولت" هل ستحيا أطول من عمرها؟..هل ستعود لشبابها؟...
الأهم أن الراوي استطاع أن يجمع (الآلات الحاسبة) كأطراف مؤامرة على بقايا الإنسان (زكي الدسوقي) وهم دولت وملاك وأبسخرون، ليتم القبض على زكي الدسوقي وبثينة في مكتبه وهما عاريان..والأمر ليس فيه من الثورة على الحرام والعيب شيئا..فقط لحرمان الشقيق من المكتب وطرده كما طرد من الشقة التي حلت عليه فيها"دولت" منذ البداية.(اجتمعت كل الأطراف لتطرد أصحاب الحق من وطنهم أليس الأمر شبيها بانتزاع العمارة الأكبر من أيدي أصحابها لصالح الآلات ذات القيم الفاسدة).
أما "عبد ربه" الإنسان فقد صدمه قطار "حاتم رشيد" فأسال إنسانيته ب "واسطة" لقائده في الأمن المركزي، ثم بنقوده التي كانت زوجته وابنه في الصعيد في حاجة إليها.
"عبد ربه" هتكت إنسانيته، وتم تحويله إلى آلة في "الأمن المركزي"، لكنها انتهت تماما على يد حاتم رشيد، وثمة حيوية كانت تصحو بعد كل أثم يرتكبانه معا، ثم كان دور الزوجة ووفاة الابن الطفل أقوى من قطار حاتم رشيد، واستعاد عبد ربه إنسانيته بالهروب، وحين طارده رشيد عاد ببذور الشوق والحاجة معا ليدمر (كآلة غاضبة) حياته، ويقتل من قتل إنسانيته.
واقرأ أيضاً:
يا ويلكو من غير شور أبوكو نجم / تعديل المادة 76من دستور عمارة يعقوبيان / عمارة يعقوبيان.. بصقة على الذات