أن تسيل الكلمات من فمي كالجرح النازف لم يكن بالشيء الجديد …فليس جديدا أن تقتل الكلمات صاحبها أن تخنقه أن تبقى غصة مرة المذاق الذي لن يعرف نكهة..هكذا كنت وسابقي فما الذي سيتغير بعد … لا شيء …من المؤكد لا شيء .. كيف تتغير أو يتغير داخلك إن كنت الإنسان القضية … أن تحمل قضية داخلك لا يعني أن تملأ القضية كيانك لكنها قد تفيض وتتسلل لملامح وجهك وألوان العبرات .لا أحد هناك في المدى حيث أنت ..لا أحد غيرك قابع في تلك الزوايا المعتمة أنت وحدك، وكم تغني .. يا وحدنا …. يا وحدنا …. يا وحدي …وهذا نداء ليس وليد الصدفة أو بوم الشؤم داخلك لكنه نداء الواقع نداء الأمر الواقع نداء داخلك بلغة تحورت وتقعرت كثيرا من منظور الناس ولم يعد يفك طلاسمها إلا أنت ليس لأنك تعاني من مشكلة أو اضطرابات نفسية … بل لأنك تعاني من مبداء ..
في أول لحظات تفتح قلبك للواقع بكل الحب خارجا لرؤية الواقع بلا قناع كنت هناك أكثر غربة من الغرباء عن أرضك أنفسهم لم يحزنك التراب ولم تقتلك حصاة الأرض الراسخة في قلبك دائما فكل تراب العالم وطن للشرفاء لكن قلبك ينمو أكثر في أرضك أنت حيث تمتد الجذور وتزهر الأصول أنت صفصافة متعبة ترغب في مد جانبها هناك فقط حيث الأرض أرضك والسماء سمائك … حيث الواقع الذي واجهك …حيث يخلعك الإنسان إنسان أرضك الذي انتظرت مشتاقا لتلاقيه لتضمه . وتخاطبه قائلا يا ابن ارضي ..لكن يبدوا أن مني الغرباء قد اختلط بتراب الأرض أكثر مما اعتقدت أو أكثر مما وصف لك المتفائلون حيث يتكون هذا المخلوق بأرضك .. وجه العروبة لكيان عبراني …
كانت هذه الحقيقة الأكثر مرارة والتي طغت في كيانك … طعنة في الخاصرة …قلبت الحقائق .. فعندما جاء موعد جلاء المحتل عن بعض الأراضي التي لا تسمن ولا تغني من جوع ومع بداية تنفيذ رواسب الدولة الأكذوبة الوهم، كان المناضلين والشرفاء متعبين من مشوار مقاومة طويل، منهم من كان في سجنه الصغير يأمل في الخروج منه ليشاهد بأم عينيه مرحلة قطاف الثمار التي أنهكه قلبه من أجلها ومنهم من كان متعبا جدا فطلب من غيرة أن تكون المراكز والمناصب له فالوطن قبل كل شيء .عدى عن أن هذه الاتفاقيات لم تلغي كون الصهيوني ما زال عدوا ومحتلا فهو ما زال قابعا يمتص خيرات الأرض ودماء الشعب … وكان هناك فئة من المتعبين لم تكن أولوياتهم هي المناصب المفرغة من محتواها والتي لا تشكل أي معنى إلا على أهله وبني جلدته فكم نحن نتقن تنصيب أنفسنا على أنفسنا ….
لكن الأكثر أهمية من كل ذلك أن المولود المشوه والجنين المبتسر في شكل مسئولين سيكونون طلائع هيكلية الدولة الحلم ،وكان أغلبية أؤلئك من المرتزقة من الضالين ولم يكن يخفى على المستوى القيادي السم الرعاف الذي يحمله أؤلئك في طيات جلدهم وسحنتهم لكنهم كانوا مختارين ومتفق عليهم كانوا يشكلون وحدة حال ما بين القيادة والآخر .. ذلك الآخر الذي لن يرسمك حلما في أي لحظة ولن يختار من يرسمك فقد وجد أصلا لشطبك شطب هويتك، كيانك، روحك، - احذر أن يمتلك عدوك روحك …انتهت الحرب إذا ما احتل عدوك روحك – لقد كان ذلك نهاية الحرب فعلا كان لزاما علينا أن ندرك نهايتنا من تلك اللحظة، فالمسؤولية غدت لمقعدين في الكراسي العائلية والطائفية والركع السجود للأخر …لا ننفي الشرفاء القلة لكن وجودهم لم يكن كأكثر من شرعية للمولود المبتسر لإعطاء الخيانات وجها وطنيا دينيا سمحا..أما أصحاب الكروش والقروش الكبيرة والكثيرة فقد كانت هذه الصفقة هي أهم و اكبر المشاريع في وجودهم …
ولم يكن لينجح أي مشروع في نظرهم كذلك المشروع المقنع بالوطنية … شركة برأس مال كبير جدا ولها دخل كبير وسلعتها ارخص شيء أصبح في ذلك الوقت، الإنسان .. وهل هنالك ما هو أكثر رخصا من الإنسان …كان هؤلاء المتنفذون يمتصون الأرض والعرض ويأكلون الإنسان …وأفضل وجباتهم كان الشرفاء وكل من له تاريخ وطني نضالي كفاحي ومقاوم … لم يكن يستعصى عليهم طعم احد … فإذا كنت من أراد وطنا في يوم من الأيام فستكون وجبة أكيدة في أي يوم من الأيام للمتكرشين المتخمين قاتلي وقاتليك وقاتلي الوطن .
كان المتكرشون المتعرشون يقطعون أوصال الإنسان يحكموه ويقتلوه ويشغلوه بنفسه عن نفسه وبغيرة عن أنفسهم، دورة الفقر للشرفاء كانت مستمرة فقد كان المناضل يربي مناضلا .. ويزرع نبته تريد أن تشرق وطنا فكان هؤلاء يبقون كما هم محكومين متحكم بهم . لكن المتكرشين فقد شكلوا المافيات المختلفة واحتضنوا المرتزقة من كل أطياف اللون وحجزوا تذاكر السفر لأي بلد غير متخلف كما يدعون ثم بعثوا بأبنائهم هناك يدرسون و يمتهنون فك أغشية البكارة وألوان الحقارة وطرق التفكير الغربي فهم سيعودون ليحكموا جنبا إلى جنب مع آبائهم، أما نحن المسحوقون فلنا دورة الفقر لنا أن نبقى ننوح على أعتاب وأطلال تاريخ نضالي مشرف طويل لنا ولآبائنا وذوينا ونبقى ننوح وننوح وأبناء أؤلئك تقترب عودتهم أكثر وأكثر ليحكمونا من جديد .
أن نبقى حملا وديعا أصبح مرفوضا جدا على الأقل بالنسبة لي فبعد أن ظهرت كل الحقائق عارية أمام عيني لم يبقى من شك أنهم اخطئوا، من هم ؟ لا يهم من أخطأ لكن من يستمر ولهذه اللحظة بالخطأ كم راجعت الكثيرين منهم ومن غيرهم وكم سألت كيف تحملتم ذلك طوال الوقت لقد كنتم تعرفون أن شيء على هذه الشاكلة سيحدث قبل وأثناء وحتى بعد التسويات كما يطيب للبعض الآخر أن يسميها، والنملة حتى النملة تحمي ثقب الأرض ،كيف تحملتم كل ما رأيتموه من الفساد وسوء الخلق وبيع الأرض والإنسان .
فلم تكونوا انتم الضحايا .. لم تكن أنت يا أبي الضحية فقط …لم تكن أنت يا عمي الضحية فقط … لم تكن أنت يا خالي الضحية فقط … بل نحن الضحايا نحن من سيعيش مع هذا الكابوس طويلا نحن من سيطعننا هذا الخنجر طويلا نحن الجيل الجديد … يا امرأة الليل ..أنا رجل حاربت بجيش مهزوم ما كنت أحب الليل بدون نجوم وأخيرا …صافح قادتنا الأعداء ونحن نحارب ورأيناهم ناموا في وسط الجيش الآخر وما زلنا نحارب لكن لن ابحث عن منفى … لن أبقى ضائع سازيل تشمع كبدي …وأفيق انتزع العلق الملتصق بجرحي … وأنضف جلدي هذا أولي …)وسابكي أيضا …أنتظر لون نهاياتي …ليس لوحدي …لن أبقى وحدي …لن ينفذ صبري ..بل بصري والليل مع الجيل المكسور طويل …بحار البحارين
واقرأ أيضا:
رحيل / المحاكمة (1) / المحاكمة