أنهت دراستها الجامعية.. قدمت أوراقها القليلة إلى عدة جهات حكومية علها تجد عملاً أو وظيفة، مر عام دون أن يحدث شيء.. سيطر اللاشيء على العام كله.. وفي بداية العام الدراسي الجديد.. كانت الوحيدة بين أخواتها مامن وجهة تذهب إليها.
استيقظت معهم ترقب حركاتهم السريعة المتململة وعلى وجهها نصف ابتسامة..
كان أيضًا اليوم الأول لدخول أخيها الأصغر للمدرسة وقد عرضت عليها الأم أن تذهبا معًا لتوصيله إلى المدرسة وتشجيعه لكسر رهبة اليوم الأول ومخاوفه.. وافقت غير متحمسة
كان الصغير يتوسط الأم والابنة، على وجهه تعبير أبكم.. وإن كنت تستشعر الضجيج الصادر عن رأسه وتصوراته المتخبطة، الفضولية، المتخوفة، المترقبة، المستسلمة.. فهو لا يمسك بيد أمه أو أخته، وإنما هما من تمسكان بيديه المبسوطتين..
الشارع مكتظ بالسيارات والطلبة والتلاميذ وأطفال يخطون نحو المدرسة لأول مرة.. ترى في أعينهم نفس النظرة والتساؤلات البكماء الممتزجة باندهاش وتخوف.. هل ستعود الام ؟
هل هذا فراق ابدى؟
هل صنعت شيئًا مريعًا؟
ماذا فعلت؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وما إن يصل الصغار إلى المدرسة تتسارع دقات براعمهم الصغيرة وتسري الرجفة في أجسادهم الجديدة حتى تجد الدموع لها مجرى والصراخ منبرا فيدوى المكان بآلام الصغار وكأنهم يساقون إلى عقاب أبدي لا مخرج منه ولا مفر.. يبكون بكاء استجداء واستنجاد..
عندما يصلون إلى باب الفصل يجدون أنهم ليسوا وحدهم.. تتراجع صرخاتهم وتهدأ دقات قلوبهم المذعورة.. تتوزع نظراتهم بين أقرانهم ويجدون أنفسهم يجلسون بعد أن تبدلت يد الأم بيد أخرى دافئة ايضًا..
لكن صغيرنا لم تتلقاه مدرسة الفصل وإنما يد أخته التى طلبت منها الأم أن تجلسه وتهديء ذعره المكتوم دون دموع أو كلمات احتجاج أو سخط..دخلت معه الفصل ويديهما ترتعشان معا.. أجلسته، ربتت على كتفه النحيل وقبلته لمحت بريق دمع في عينيه.. فرت من الفصل والدموع تسيل على خديها وتأوهات محبوسة من عامها الخامس لم تجد مخرجًا إلا بعد سنين من الصمت والكتمان.. أسرعت إلى أمها.. ارتمت في حضنها تبكي دموعها الحبيسة.. صمت الصغار جميعًا ورفعوا رؤوسهم مشدوهين لرؤية كبير يبكي مثلهم، يتألم مثلهم.. نظرت إلى الأرض ممسكة بأمها تجذبها نحو الخارج بعيدًا عن نظرات الصغار وصمتهم وسكونهم المفاجئ.. تربت الأم على ظهرها، تقبلها على الجبين تشترى لها حلوى وتعود بها إلى البيت.
واقرأ أيضًا:
ســحــابــة حــب / تساؤلات / عندما تكون وحدك / استغاثة / وصية دمياطي لابنه