في التراث العقلي لجيلي –وجيلين على الأقل قبله وبعده- حكاية علي وإنجي.......
وعلي هو ابن الجنايني في فيلم رد قلبي.... وإنجي هي ابنة الباشا التي أراد علي أن يتزوجها فنكّل الباشا به وبعائلته قبل أن تقوم ثورة 1952 ويتزوج علي من إنجي ويخرج المتفرج من السينما سعيداً مخدراً يبحث هو الآخر عن "إنجاه" دون أن يتوقف لحظة ليتساءل.... هل يمكن أن يكتب النجاح لمثل هذا الزواج....؟
فلنتخيل ما الذي يمكن أن يحدث بين علي وإنجي بعد نزول كلمة النهاية في الفيلم.....
بعد شهر عسل قضاه الحبيبان على جزيرة معزولة عادا من هناك وهما زوجان عليهما أن يتعاملا مع المجتمع........ طبعا نفترض أن الجميع يتعامل مع الجميع بمنتهى حسن النية والرغبة في إنجاح التجربة... وهذا عادة لا يحدث (الأمر لا يخلو من عزول هنا أو هناك ومن رواسب فترة الخطوبة الخ.....) ولكننا سنفترض جدلا أنه قد حدث....
حين يذهب الزوجان لزيارة عائلة علي ينحني علي ليقبل يد والده الريس عبد الواحد..... بينما لا تفعل إنجي هذا بالنسبة لها الأمر لم تألفه حتى مع أبيها..... يتجاوز الريس عبد الواحد عن هذا الموقف منها.... ولكن ما لم يستطع التجاوز عنه هو أن إنجي لم تتناول لقمة واحدة على مائدة الطعام وتحججت بغثيان الحمل..... لم يستوعب الريس عبد الواحد أن ذبابة واحدة على مائدة الطعام –لم تستوقفه من تفاهتها ولمحتها على الفور إنجي- كانت كفيلة بإصابتها بالنفور فتحججت بغثيان الحمل.....
بينه وبين نفسه –ثم في حديثه مع زوجته في ذلك المساء- تساءل الريس عبد الواحد عما إذا كانت إنجي تتعالى عليهم....... وبدأ يتوجس خيفة أن يصحو ذات يوم فيجد علي –فرحة عمره– قد طار بعيداً عنه....
بدأت زيارات الريس عبد الواحد لمنزل علي تتباعد.... أنا هنا في بيتي ولا أفرض نفسي على أحد..... من أراد أن يزورني ألف أهلا وألف سهلا.....
بدأ علي ينتبه إلى أن ثمة شيء في العلاقات غير طبيعي...... تهرب الريس عبد الواحد من الرد المباشر فهو لا يريد أن ينغص على ابنه حياته.....
أخيراً وتحت إلحاح علي أخبره بالأمر... دافع علي عن زوجته بأنها أبعد ما تكون عن التعالي.... هنا تدخلت والدة علي لأول مرة في الحديث متنهدة بحسرة أن مرآة الحب عمياء....... هذه التنهيدة تحولت إلى شهقة حين أخبرها علي ذات يوم أنه قد اشترى فستاناً جديداً لإنجي بعشرة جنيهات...-عشرة جنيه يا علي....... مش كنت تسيبهم للزمن.....؟
رغم كل المشاعر الطيبة لم يكن تباعد الريس عبد الواحد وزوجته هو أشد ما يقلق إنجي...... كانت علاقة علي بعائلتها وبالذات بأخيها وابن عمها مصدر تنغيص دائم..... كان علي يبدو معهما متوتراً ومتكلفاً...... ليلة كاملة قضياها -علي وإنجي- وهو يحاول أن يقنعها أن ابن عمها كان يسخر منه ويقصده هو بحديثه عن الرئيس كارتر الذي بدأ حياته بائعا للفول....... عبثا حاولت إنجي إقناع علي بأنه يحمّل الأمور بأكثر مما تحتمل...... إنتهى النقاش بأن أصدر علي أمراً لا يرد بمقاطعة ابن العم هذا...... تغير علي كثيراً يا إنجي: هكذا رددت بينها وبين نفسها.....
ولكن السحب تكاثرت حقاً بدأ مع قدوم علي الصغير..... كانت العائلتان قد وصلتا إلى درجة من التباعد أدى إلى أن كلا من علي وإنجي بدأ يشعر وكأنه ينقطع يوماً بعد يوم عن جذوره وكأن يداً شريرة تحفر الأرض ببطء من حولهما حتى صار عالمهما جزيرة معزولة معلقة في الهواء..... وبدا على الجميع الاستسلام لما آلت إليه الأمور......
سعداء؟ طبعاً لا..... ولكن هذه هي الحياة وهذا هو الزواج.... إن علي الصغير فكأنما حجر قد ألقي في بحيرة راكدة..... استعاد كل طرف حماسه وهو يحاول أن يشد هذا الحفيد إلى عالمه وإلى قيمه التي يراها من وجهة نظره -وهو محق- صحيحة.......
كان الصدام الكبير ذات يوم حين كان عم علي وزوج عمته يداعبانه: ما كل هذا الهدوء يا ولد..... إياك والنعومة...... نريدك أن تكون ولداً ابن جنيّة....... من يضربك تخرم له عينه............ فاهم؟
بعد سنوات قليلة أدرك كل من علي وإنجي أن الحب يختلف تماماً عن الزواج:
الحب مسألة بين اثنين..... تقابلا..... فتفاهما..... فاقتربا.... فانسجما؛ في جميع الأحوال تظل المسألة محصورة تماماً بينهما إلى أن يتفقا على الزواج الذي هو مسألة مختلفة تماما عن الحب: الزواج مؤسسة اجتماعية..... قائمة على الحب نعم..... ولكنها لابد وبالضرورة أن تشمل أطرافاً آخرين غير الرجل والمرأة..... في الحب أنت لا تسأل إلا عن الشخص..... في الزواج أنت تسأل عن الشخص وعن العائلة..... فالزواج عائلة تتعامل مع عائلة..... عالم مع عالم آخر يجب أن يكون ملائماً له ومنسجماً معه....
ابنك هذا الذي ينتمي بنصفه إليك وبنصفه إلى شريكة حياتك..... من يكون خاله...... ومن يكون زوج خالته... أي مفاهيم وعادات –ليست بالضرورة خاطئة وإنما لنقل أنها غير منسجمة مع ما نشأت أنت عليه- ينقلها هذا الخال لابنك فيتأثر بها..... وإلى أي مدى لديك أنت استعداد لتقبل هذا الاختلاف دون الوصول إلى نقطة صدام قد تقطع صلة رحم.....
المسألة ليست مسألة طبقية: غني وفقير..... فنفس هذا التناقض كان يمكن أن يثور بين اثنين من مستوى مادي واحد ينتمي كل منهما إلى مجتمع مختلف.... شرقي وغربي مثلاً...... المسألة مسألة ثقافات مختلفة لا نقول أيتهما أفضل ولكن نقول فقط إنها مختلفة...... ونقول أن هذا الاختلاف لابد من احترامه...... على الأقل بإدراك وجوده وخطورته على العلاقة الزوجية وبالعمل على التقليص منه والتكيف مع ما يستحيل تغييره....
مسألة صعبة جداً... ولكن علي -وكل علي– لا يقتنع...... شعاره في الحياة: إنجي..... أو أموت...!
واقرأ أيضا:
الحلم القديم / بطوط