ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(1)
{رَجُلٌ وَرَاءَ الشَّجَرْ}
خفِّفِي الوطءَ على هذي الطريق
ما أظن أديمها إلا جوى رجلٍ
يضايقه زمانٌ كلما كبرتْ دقائقه يضيق .
{اَللِّصُّ الْحَرِيرِيّ}
احذروا أن تموتوا أيا أصدقائي على شاطيء اسكندريةَ
في شهر سبتمبر
الوقتُ مرتفعٌ
والنهاراتُ مسقوفةٌ بالغمام الشفيفِ
الرمالُ ستسرقكم لغَوَاياتها
والمياهُ ستخطفكم لحنان الخرافةِ
لكنْ إذا ما خرجتم من البحرِ
سوف يفاجئكم بهواهُ المخنّثِ سبتمبر ُ المتمرسُ
سبتمبر ُ المتمرسُ .
{اَلانْفِلَاتُ مِنْ خَيطِ النَّايْ}
نفدتْ خمرُتنا والوجدُ في أوله
والتبغةُ الوحيدةُ التي تبقتِ اقتسمناها
وفيروزُ تغني للجبالِ والغبارْ
وهبط الليلُ بمهرجانه العالي
وذكرياتِه الكِـثَارْ
دق على جدراننا
ورش في العيونِ رملا ناعما من الأسى
فما الذي يمكنُ أن نفعلَه أنا وأنتَ يا رفيقُ
غير أن نُرَتّقَ انهزامنا
ونرتدي جاكـتّتين فوق جلدنا المشقوقِ بالسكاكينِ
وبالخناجرِ المسنونة
ونهبط المدينة
نشدّ قامتينا
ونرسمُ ابتسامتين فوق حزننا المرشوشِ في الوجهين
كأننا في أول النهارْ .
{طُرُقَاتٌ قَاسِيَةْ}
مرَّا معَا
والتقيا في نظرةٍ واحدةٍ
فسارع الخُطَا
وعضّتِ الأصابعَا
أحدٌ من الماشِين لم يدرك لماذا ارتجفا هُنَيْـهَةً
في لخظة التقاءةِ العيونِ بالعيون
ومرّرا كلاما لم يقولاهُ وتابعا سيرهما
كأنْ ما كان بينهما مواعيدٌ
وأحلامٌ
وطفلٌ كان يمكنُ أن يكونْ .
{جِلْسَةٌ مَعَهُ}
نحن الرجال الأربعة
إذا التقى أحدٌ أحدْ
يسأله : أين صديقنا الخامسُ ؟
هل مات ؟
فلا يجيبُ
مرّةً دخلنا داره
جئناهُ كلنا من غير موعدٍ
كان صديقُنا الخامسُ جالسا على مقعده
فجلسنا حوله
كان يكوّرُ الموت ككرةٍ يقذفها بين يديه
لم يكن يرانا
كأنه كان يرى على الجدارِ
ظلا باهتا لامرأةٍ أو صورة لشجْرةٍ مثمرةٍ
يحوطها إطارْ
كأنه كان يريد أن يقذفَ هذا الظلَّ بالكرة
والظلُّ لا يثبتُ في الجدارْ
والكرة
ترفض أن تغادرَ الكفين .
{إِشَارَةٌ إِلَى الطَّرِيقْ}
تعالوا يا رفاقُ إلى عناقيد المنايا
فإنّا ما قطعنا هذه الأرض العريضةَ من ثلاثين سنة
لكي ننفض عن أكـتافنا آثارَ هذي السفرةِ الوعرةِ
أو ننظر للمرايا.
{اَللَّمَسَاتُ الْأَخِيرَةْ}
غلَّقتْ أبوابها وطاردتْ غواية الوهجْ
وماتتْ
لكأنّ أحدًا كان عليه أن يغافل اليتيمة التي انزوتْ
ويستطفيءُ قنديلين
راقبَا تغافلَ النجومِ في تسيارها
وضوَّءا المكانَ عشرين سنة
ورعيَا السامرَةَ الوحيدة
ويقفل الستارة
حاجبا حلما صغيرا لا يزالُ يرتقي الدّرَجْ
ويسبلُ العينين .
{مَعْزُوفَةٌ لِلْحَمَائِمِ الْبَعِيدَةْ}
أتى إلى الحفلِ وعبَّأ الجيتارْ
ملأ الجيوبَ بالحنين والأغاني
ورشرش العيون بالأشعارْ
تذكّر المرأةَ حينما فكّتْ زرارَ جاكـتّـتها ذات ضحى
وخلعتْ قميصها الأحمرَ
فامتلا المكانُ بالحمائمِ البيضاءِ
تضربُ السقفَ بجانحيها والجداراتِ
فضرب الأوتارْ
وتذكر المرأةَ حينما أشارتْ للحمائمِ البيضاءِ أنْ تعاليْ
فأتتْ
ووقفتْ على الأصابعِ الحنونِ
ومضتْ إلى زمانٍ آخرٍ وإلى مكانٍ آخرٍ
وصفّر القطارْ
وضرب الأوتارَ صاعدًا حتى أعالي الوجدِ
حتى شربَ النخلُ وحامت الأطيارْ
وعاد في نهاية الحفلِ مُغَلَّقَ العينينِ
فارغَ الجيتارْ.
{خَرَابُ السَّقِيفَةْ}
سنبني الجرارَ لأنا غدًا
سنحتاج خمرا معتقةً لليالي السهادْ
نتجرعها عنوةً ونرشّ الغبارة
ونقول الكلام الذي خرّبتْه الخُطَا الطالعاتُ على جسدينا
ونمتاحُ قبضةَ شمسٍ مشقَّقةٍ
وكثيرا من الكلأ المتكسِّرِ في درجاتِ الضحى
ونقارنُ بين حشيشِ الحقول
وبين حشيشِ نساءِ القوافلِ في خطوهنّ العَـجولِ
ونجتر بعض المواويل مسكونةً بالحنينِ على دَرَجِ العائلة
ونأكل تبغا كثيرا كثيرا
ونخلعُ أوجهَنا المستعارة .
{جَوَلَاتُ الذَّاكِرَةْ}
ماذا تبقى في يديك لِلَيلَتين أخرَيَين سوف تأتيانْ
دخلتَ مسجدَ الحسين
أنفقتَ ساعتين في تتبع النقوشِ
والثريَّاتِ التي تدور بالمصلّين وخُدَّام المكانْ
تابعتَ رحلةً مشقوقةً بالحَسَكِ المرشوشِ
كابدتْ أهوالها أمُّ الغلامْ
بعدها انزويتَ في المقهى الزجاجيَّ
تدخنُ الشيشةَ في انتظارِ أحدٍ
يجيءُ بعد برهةٍ وتمضيانْ
وتمشيان بجوارِ هذه البناياتِ التي تدحرجَ الأسى على حيطانها
وغلَّف الأماسيَّ الطويلةَ بالحنينْ
وربما التفتَ مرةً أخرى
في سيرِكَ العَـجول ترمي نظرةً سريعةً
حول المكانْ.
{عَمَّ يَتَسَاءَلُونْ}
خذ مطرا وتمرةً ودارةً
وبعضَ صلصالٍ وحفنةً من الموسيقا
وإنْ سُئِلتَ قُلْ :
أُهَيِّءُ المكان للرسولة.
السمّاح عبدالله
ويتبع >>>>>>>>>>>>: ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(3)
واقرأ أيضا :
حَالْ / سرقة / مَا أَضْيَعَكْ / يُحَاوِلُهَا الْكَافِرُونَ وَتَرْضَى / مَتَى يَأْتِي الْجَيْشُ الْعَرَبِيُّ ؟ / ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(5) / خَرِيفِيَّةْ / غَرَامْ