ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(2)
{مُسَامَرَاتُ الْكَائِنِ الْوَحِيدْ }
مرّ الكائنُ
لا أحدٌ يعرفه في هذا الليلِ العالي
لا أغوته الغانيةُ ولا استوقفه الشحّاذُ
ولم يحْنُ الشجرُ المبلولُ كعادته في هذا الوقتِ عليه
ولم يتبعْه الطيرُ الطيّارُ
الكائنُ لفّ على عقبيه وعاد
وضع يديه بجيبيهِ منتشيًا
وكأنْ قابل من يعرفه
واشتبكا في قصصٍ عن إمرأةٍ خائنةٍ
أو عن بحرٍ سرَّاقٍ
وكأنْ أغوتْه الغانية
وحدّثها عن دَرَجٍ خشبيٍّ يهتزُّ إذا استشعر أقداما أربعةً
تتوجسُ لما تصعدُ في خافيةِ الوقتِ
وتتشابك لما تتمدّد في خائنةِ الليلِ
كأنْ أعطى للشحّاذِ نقودا وحنا الشجرُ الملولُ عليهِ
وتتبَّعه الطيرُ الطيّارُ .
{فِي حَضْرَةِ مَحْبُوبِي }
قريبٌ منك يا ليلى ولا يفصلنا ساترْ
كقرب الخيمة المغروسة الأوتاد في الصحراء للقمرِ
وقرب الماء يعكسه سرابُ البيدِ للصادي
ومشدودٌ إليكِ طوال ليلٍ ليس يرتحلُ
وليس لطوله آخرْ
كأنّ نجومه مربوطةٌ في وتدِ الخيمة .
{اَلْقَصدْ }
وخرجنا معا في اتجاه القرى
وتركنا الجبلْ
كلما مرّ يومٌ نقول :
القرى ستبين غدا
ويبين على مدد الشّوْفِ سربُ طيورِ الحقولْ
والرمالُ تطولْ
وتقابلنا في الطريقِ عظامُ الرجالِ القديمة
وبقايا الجِمال التي بركتْ
وهواء النساء اللواتي عبرنَ على طللِ الوقت ذات ضحى
والمواعيدُ مقتولةً
والهجيرُ الطويلْ
ذاب منا رجالٌ كثيرونَ في وهجِ الشمسِ
خارتْ قوانا وقد نفد الماءُ والتمرُ
حتى انتبهنا إلى أننا نتقدمُ ناحيةَ الجبلِ .
{حَواَفُّ الْحُرْقَةْ }
يذهب الجندُ إلى الجبهةِ في الحربِ
وتبقى في فضا هذي الجداراتِ النساءْ
يتمشَّينَ على حاشيةِ الأسواقِ خفيفاتٍ
ويتركن المشدّاتِ على طاولة البهوِ
يراقبن الرجال الغرباء
يحتسين القهوة المُرَّةَ في الصبحِ
وفي الليلِ الطويل
يرتشفن الخمر سِرًّا
ويعاتبن الرجالَ الغائبين
ويرقصن فرادى
يشترين الوجدَ من بيّاعه
والفرحَ المنقوصَ من بيّاعه
وينمنَ في منتصفِ السّكَّةِ بين البوْحِ والذكرى
وبين الجرحِ والشكوى
فإنْ جاء ملاك الحلمِ في حُلّته الخضراء
يتمشى في حشيش الشجر المبلولِ
قدمن له خبزا وماء .
{بِدَايَاتُ الْقَرنْ }
ليس معي إلا القوافي
هذه حائطةٌ مسدودةٌ
خبَّط فوق كِتفِي الصباحُ قال لي :
من أين أدلفُ؟
قلتُ : عُد معي من حيث جئنا
إننا أنا وأنتَ غدُنا مُقَتَّلٌ
وهذه الحائطةُ التي تنهضُ في وجوهنا
تنقلنا إلى الفيافي .
{اَلْوَاحِدَةُ فِي عَرَاءِ ذِكْرَيَاتِهَا }
إذا رأيتِ رجلا يهبط من عليائه
كأنما يهبط من فوق الجبلْ
مُغَبَّرا وضيِّقَ الخُطَا
وصامتا طول الطريقِ
فاخلعي قميصَكِ الشفيفَ
وانزلي البحرَ اضربيه بيديك الاثنتين
كالفراشةِ التي يجذبها الضوءُ
اسبحي للشاطيءِ الآخرِ
وابتني من الرمل ثلاثاءً وموعدا ورغفانا ودارا وانتظارا
لأنه من قبل أن يلمسَ ناهديكِ في عريهما المبلول
من قبل أن يرشّ عطرَه المُرَّ
ويطلق العصافيرَ على على نجوم شعرك الطويل
سيسند اغترابه الكبيرَ للصخرة
ويمد رجليه على امتدادِ هذه الثلاثاءاتِ
كي تحكي له الحكايات القديمة .
{اِصْطِحَابُ التَّعَبْ }
أريد أن أعود مرةً أخرى لبيتنا القديم
أسند رأسيَ المتعبَ للجدارِ وأقول للنهارْ
أغنيةً كنتُ أقولها له
إذا أسندتُ رأسي للجدارْ .
{خَبِيئَةُ الْمُسْتَتِرَةْ}
بعد عشرين عاما
تغيّر فيها الطريقُ ولم تعد الشمس تأتي إلينا
ولا السقف صار حنونا
وهاجرت الشجراتُ الوحيداتُ
مازلتِ قابضةً راحتيك على قصةِ الأربعاءِ الأخيريِّ
خلف البناياتِ
حين عوى في الظلامِ فطار فطر الحمامُ
الحمامُ الذي يتلقّطُ خبزته في حشيشِ الحقولِ
فعدتِ إلى الدارِ
لم يستطعْ أحدٌ أبدا أن يخَمّنَ
ماذا جرى ليلة الأربعاءِ الأخيريّ خلف البناياتْ.
السمّاح عبدالله
ويتبع >>>>>>>>>>>>: ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(4)
واقرأ أيضا :
حَالْ / سرقة / مَا أَضْيَعَكْ / يُحَاوِلُهَا الْكَافِرُونَ وَتَرْضَى / مَتَى يَأْتِي الْجَيْشُ الْعَرَبِيُّ ؟ / ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(5) / خَرِيفِيَّةْ / غَرَامْ