ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(4)
{ افْتَحُوا أَبْوَابَكُمْ }
لا أريد مباهاةَ حلمي الذي يتسلل من خلل الشيشِ
كل صباحٍ بأوجهكم متكسِّرةً
حين يحملها الباعةُ الجائلون
على ورقاتِ الصحافة
لا أريدُ أقايضُ أبناءَ عميَ بالحائطيين
يبتسمون كثيرا
ويمتدحون الندى الموسميَّ
فقط أنتوي أن أزوّجَ هذا الفضا
للخرافة.
{ سَارِقُ السِّكَكْ }
نحن أعطيناه أغنيتين كي يشدو لناس الحفل
فلماذا كلما يمشي تتبّعه القطا؟
ومشى إليه الشجرُ العالي وأسرابُ الفراشاتِ
وحيطانُ البيوتْ ؟
ولماذا كلما يمشي
تتبّع خطوَه غيمٌ حنونٌ في السما
ورعاه مزنٌ هاطلٌ
وارتقب الأطفالُ في عينيه طيرَ البحر ؟.
{ أَرْبِعَاءَاتُ الشّقَّةِ الضَّيِّقَةْ }
هجرتْك
وقد بللتْ جسمكَ المُرّ بالشجْوِ
واخترمتْ ذكرياتِكَ
واقتطعتْ من فضا أربعائكَ ما يتّم القلبَ
ها أنت تغلق بابك كل مساءٍ إذا جاءك الأربعاءُ
وتحصي الهواءَ
ولا تتصيّدُ ذكرى ولا تنتشي بالمراثي
ولا بالدخان الكثيرِ وشايُكَ يبردُ
هل أنتَ وحدك ؟.
{أَمَاسِيُّ مَرْفُوعَةٌ }
لأبي عُبيدالله خيطٌ غير مرئيٍّ
يشدّ عيونه العمياءَ ناحيةَ انحدارة أمِّ إسماعيلَ
كل مساءْ
يدق عصاه في الأرضِ الغليظةِ
يتأنى في خُطاهُ
لعلها تبصره من خلل الشيشِ القديمِ
لعلها حين تراهُ تفتح الشيشَ المُـغَـبَّر
كي تشِيرَ له
وكي تلقي ابتسامتها التي ظلت معلّقةً على الشُّبَّاكِ
عشرين سنة
عندما كان يمرُّ
وقتها لم يكُ أعمى
كان ينسلُّ حريريَ الخُطَا
حُلوَ القميصِ
فتضرب الريحُ العجولُ قميصَه القطنِيَ
أو تنفخ جونلّتها
الآن استراحت في انحدارتها
وواصل خطوه العاري ودقَّته على الأرضِ الغليظةِ
ناحلا أعمى
بلا ريحٍ عجولٍ حوله
وبحفنةٍ من ذكرياتٍ تضرب القدمين والعكازَ
والعينين في حالهما السكرانِ
والقلبِ الذي تزداد دقَّته قُدَّام سِكَّتها.
{ مُقَارَبَةُ الْفَرَحْ }
ويْ
كأني خِفتُ أن أبتلَّ لما لامستْ كفَاى نهديك البدائيّين
فخلعتُ جلبابي
وجريتُ عريانا
وكان المطر المدلوقُ يضرب جسميَ البردانْ
ويْ
كأني لم أعد ظمآنْ.
{طَلَّةٌ عَابِرَةْ }
خرج الشاعر للأرض البراحْ
عله يصطاد في قافية الغيم الذي يعبر
وجها طافحَ الوجدِ حريريَ السؤال
جاءه ذات صباحْ
عندما أمسك بالطبشورِ كي يكتبَ في السبُّرةِ اسما ما
وكان الوجهُ ذا طلٍّ وذا طللٍ
وذا إطلالةٍ نشوانةِ اللفتاتِ
دوَّر مقلتيه في التلاميذِ وفي حاشبة الفصلِ
وراحْ.
{حَائِطَةُ الْقَصِيدَةْ }
تقبل المرأةُ المستحِمَّةُ في البحرِ ظامئةً للقصيدةِ
ثمة أغنيتان على قدها
اللحنُ مرتبكٌ
والمواويلُ محفوفةٌ بالحمائمِ مسكونةٌ بفدادينِ وردٍ نديٍّ
ألا أيها المتداركُ
أدركْ تفاعيلَ دفّاقةً تتعاركُ حول عصافيرِ سيدةٍ
يتقطّرُ من ناهديها ومن شعرها ويديها ندى البحرِ
يا أيها المتداركُ
يا أيها المتدارك.
{كَتَبَتْ مَبَاهِجَهَا}
أتَتْ من آخرِ الإسفلتِ
واقتنصت لعاشقها المتيمِ وردةً في عروة السترةِ
مرَّ ولم يلاحظْ أن غيما أخضرا في طول خطوته يراقبه
وكانت كلما قربتْ محطّتُه تدانى عطرُها
حتى استدارَ وقال : يا ألله
ما كل هذا الأزرق المنقوش والأحمر والأخضر
والأسفلتُ عارٍ والبَرَدْ
متسللٌ للقلب
في نهارٍ مثل هذا؟.
{حَوَافُّ الْجَنَّةْ }
أخشى عليكَ إن دخلتَ هذه الحديقة
وعاينتَ كلامَ الطيرِ للطير
ومسَّتْكَ الحريقة
وانساب وجهك القديم مصهورا على حفيفِ ورق الشجراتِ
أن يعتاد صوتُكَ الغنا
فتضربُ الدفّ وتمشي
مثلما يمشي الذي في صوته نايٌ
وفي خطوته فدانُ أشواقٍ
وفي كفيه موعدٌ طويلٌ
رافلا في ثوبكَ المشغولِ من سلال الشجرِ المعقوفِ والقصبْ
ساعتها
أنّى تسيرُ
سيسيرُ خلف خطوِكَ المزدانِ بالحنينِ والبهاء
أبناءُ هذه المدينة العبوس
حتى يضيعوا كلهم في دَرَجِ الموسيقا.
{طُلَّابُ خَمْرِ الَّليلْ }
صُبَّ لنا يا ساقي
نحن بلا ماضٍ
ولا قصصٍ
ولا دمنا تفرق في البلادِ
ولم تخُنَّا نسوةٌ أبدا
ولم يسقطْ لنا صَحبٌ
ولم تُقْتَلْ مواعيدٌ ضربناها
ولم تمتليءِ العينُ برمل الفقدِ
لم يمتليءِ القلبُ بــحِِبرِ البُعدِ
لم تمرقْ على دمنا القطاراتُ التي خطفتْ حبائبنا
ولم نسهرْ ليالي الأربعاءات
لنجترَّ الحكايات التي صعدتْ على جدراننا في ذات يومٍ
لم نُكَفكفْ أبدا دمعا جرى بين المآقي
صُبَّ لنا يا ساقي.
السمّاح عبدالله
واقرأ أيضا :
حَالْ / سرقة / مَا أَضْيَعَكْ / يُحَاوِلُهَا الْكَافِرُونَ وَتَرْضَى / مَتَى يَأْتِي الْجَيْشُ الْعَرَبِيُّ ؟ / خَرِيفِيَّةْ / غَرَامْ