عندما ينتابني هذا الإحساس التقليدي وهو الملل أسرع فورا لتناول قرص يزيل عني هذا الشعور القاتل, فأمد يدي في مكتبة اسطواناتي وأجذب واحدة من هذه الأقراص والتي تعود لزمن الفن الجميل وأدسها بأم جهاز الحاسوب وأنتظر قليلا حتى يتذوقها مشغل الاسطوانات الخاص به فسيتطعهما ثم يسمح لي بمشاركته في ذلك..
ولكن حاسة التذوق ليست واحدة لدى الجميع, فلسان حالي له مذاقه المختلف عن الآخرين.. فأنا أتذوق هذه المقطوعات الغنائية ولكني لا أستطعمها كما هي!!
فقط أكتفي بهذا اللحن وهذا الصوت الرائعين لما يشعراني براحة نفسية ويبددان الشعور المرير الذي انتابني, فهذه الأقراص بمثابة مسكنات.. لقد حاولت مرارا استيعاب كلمات الحب والغرام التي تشدو بها كوكب الشرق وعندليب الحب ولكني فشلت!
أنا أفتقد الإحساس بمعنى الحب.. بل أفتقده ذاته فكيف لي أن أفهم شفراته!!
لو كان هناك دكتور غرام لذهبت إليه واعترفت له بأني مريض بأنيميا الحب، رباه.. ما هذا الإحساس الغريب الذي انتابني! ولماذا أمكث وحدي بهذا المنزل العتيق العريق؟
لماذا ابتعدت عن أصدقائي, أقاربي, أحبائي؟!
ولماذا هذه القلعة التي اختبأت بها بعد وفاة والدي رحمهما الله؟! أعلم أنه الانطواء بمرارته بل هو إن صح التعبير الموت البطيء بغفوته.. ولكن الآن سأهدم هذه القلعة سأدك حصونها سأدمر مفعولها.
اتجهت مسرعا أتناول هاتفي أبحث فيه عن بضعة أرقام.. إنهم أصدقاء (الطفولة والمراهقة والشباب), كم أتوق لرؤيتهم ومجالستهم.. حقا أنا الآن في حاجة إليهم, قلبي يدق مصدرا أصوات كذبذبات الهواتف عندما توضع بجانب أجهزة إلكترونية, تنتهي الذبذبات بمثابة أن يتنبه لها أحد فيستجيب لإلحاحها.. هكذا قضى صديقي على ذبذباتي باستجابته لاتصالي.
تجاذبنا وصلة ملتهبة من الاشتياق ومرارة الفراق ولكنها انتهت باعتذاره عن مقابلتي نظرا لانشغاله في عمله, هكذا أجرب مع الرقم الثاني والثالث والـ ـ ـ ـ الجميع مغمورون في حياتهم بعد الزواج إنها دوامة الحياة فلا عتاب عليهم بل يجب محاسبة نفسي أولا, فأنا الذي إن لمست في عملي في أزهى سنوات العمر حتى ضاعت, وتباطأت عن الزواج حتى وصل سني الثلاثون دون أن أنجز شيء يذكر, مجرد وظيفة توفر لي النقود اللازمة للمعيشة.. لا معنى للحياة في نظري فلا جديد بها, اليوم كالأمس وهو صورة من الغد, لقد أصُبت بحالة مزمنة من السأم فلن تكفيني أقراصي هذه المرة.
يناديني أذان العشاء فأستجيب له وهو يقول حي على الصلاة.. حي على الفلاح, قمت فتوضأت لأصلي وقد كلمت الله في صلاتي وأنا أدعوه بأن يشفي قلبي المكلوم وما أن أنهيت صلاتي حتى اشتقت لأن يكلمني الله فتناولت المصحف وجلست في خشوع أتلو آياته وكانت في سورة الروم حتى وصلت للآية رقم (21) فانفرجت أساريري وأخذت أعيدها على أذني مرارا وتكرار..{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم.
اهتز قلبي راقصا لهذا المعنى ولم أتردد في أن أطلبها من الله.. طلبتها بصدق نية وكلي ثقة بأن يجمعني القدر بشريكة حياتي وحلم عمري بأن يهديني لأجد سكني ودنيتي الجديدة.
مرت الأيام وأنا أنتظر هذا اليوم وأتخيل هذه اللحظة التي لتقي فيها بحبيبتي فأصرف لها رصيدها من المشاعر المخزونة طوال سنوات العمر التي مضت, أسلمها مفتاح قلبي فيصبح لها وحدها بنكا للحب، ولكن يبدو أنني مازلت أعيش أوهام المراهقة وتمنيت أكثر مما يجب وكأن الأيام تعاندي, فمازلت أذهب لعملي صباحا وأقضي ساعاتي مع أقراص الحب ليلا.. لم أيئس وكررت دعائي في جميع صلواتي بصفة يومية حتى كان هذا اليوم المشهود!!
استيقظت من النوم في موعدي ولكن شعور غريب يتملكني إحساس جميل لا أفهمه وجه ملائكي لا أنساه.. أنه حقا حلم ولكنه أجمل حلم رأيته ومازال عالقا بذاكرتي في يقظتي, لكن سأترك هذه الأوهام الآن حتى لا أتأخر عن موعد العمل.
ذهبت لعملي وأنا شبه مغيب عن الواقع بصلابته.. لا أعلم سر الراحة النفسية التي أعيشها في هذه اللحظات!!
مرت ساعات العمل لأول مرة وأنا لا أشعر بها ولكن يشعر بي زملائي في العمل.. لم أنتهي من تلميحاتهم وغمزاتهم وإصرارهم لمعرفة سر حالتي.. أنا نفسي لا أفهم ماذا أصابني بعد رؤيتي لهذا الحلم!!
خرجت من الشركة وقررت أن أكسر روتين يومي فدلفت من شارع –خالد بن الوليد– بالإسكندرية قاصدا البحر الشاهد على أحلامي وطموحاتي منذ الصغر, ذهبت إليه أختبر ذاكرته فجلست على الصور أنظر إليه في صمت وفجأة تلاطمت أمواجه على الصخر من حولي, أيقنت أنه قد رآني ويتراقص فرحا بي أنه يشعر بوجودي يفهمني يفرح من أجلي.. أخبرته بكل ما مررت به منذ لقائي الأخير به ووعدته بأن أبوح له بكل أسراري فيما بعد.
عدت إلى منزلي وقررت أن أجدول أيام الأسبوع للتوفيق بين عملي ومزاولة هواياتي السابقة المحببة إلى نفسي, ولم أنسى أن أخصص يوم عطلتي; لزيارة أقاربي الذين تناسوا صلة الرحم وظنوا أنها كانت تربط بينهم وبين والدي ٍ فقط.
هكذا كانت أيامي عندما قررت النفاذ من دائرة الوحدة, يزينها الحلم الذي كنت أنتظره كل ليلة ولكنه لم يتكرر سوى مرات معدودات اكتملت فيها صورتها.. قرأت فيها جمال الروح ورقة المشاعر.. عاودت الذهاب للصخرة أوفي بوعدي لعلي أجدها هناك.. سألت صديقي المخلص هل رأيت هذا; الوجه الملائكي الذي وصفته لك؟؟ هل مرت على شاطئك منذ أن ولدت في هذا المكان؟؟
انسحب البحر بأمواجه من حولي وأنا أعلوه فتلفت حولي في رجفة وأنا أنظر إليه وقد أيقنت أنه يخجل أن يجيبني, انسحبت أنا الآخر وخيبة الأمل تملؤني.
مرت شهورا وأنا أراها فقط في أحلامي في خيالي.. حفرت ملامحها في ذاكرتي وكأنها قضت معي دهرا.
عشت أسوأ فترات حياتي فيا لمرارة الإحباط, وها هي المصائب لا تأتي فرادى كما يقولون فأذهب لعملي في أتعس أيامي لأفاجأ بالخبر اللعين.. لقد تم خصخصة الشركة وللأسف تم الاستغناء عن بعض الموظفين وكان أسمى وأحلى من هؤلاء البؤساء في هذه اللحظة شعرت بأن الأرض ضاقت علي بما رحبت لقد فقدت كل شيء في غمضة عين لكني أخذت قراري وحسمت أموري في ذات اللحظة فلمن أبقى هنا وعلى ماذا أبكي.. لا جدوى إذن من بقائي.. سوف أرحل سأغادر البلاد تاركا فيها حطام ذكرياتي وبطلة أحلامي.
لم أتردد ولم أتوان فقررت أن لا تضيع برهة من عمري هباء بعد الآن هكذا اتجهت لأقرب مركز اتصالات وطلبت تحويل مكالمة بألمانيا.. إنه صلاح أخي الوحيد, كان أنصح مني وفعلها منذ سنوات لم أستمع إليه ولم أقتنع بكلماته وقتها.. الآن فقط أراجع كلماته أتذكر توسلاته.
أتناول الهاتف فألتقط أطراف حديثه.. أحسست بأنه طار من الفرحة وحلق بسماء برلين عندما اعترفت له برغبتي في السفر والإقامة معه, لمست من صوته الحنين والرغبة الشديدة في أن أشاركه غربته حتى تصبح وطنا صغيرا لنا.. شجعني صوته الدافئ وحماسه الدافق وزاد من إصراري على السفر, طلب مني استخراج جواز السفر ولا أشغل بالا بالأمور الأخرى من فيزا وإقامة وخلافه فله علاقات طيبة داخل مصر وخارجها.. عجبت من سهولة الإجراءات و استخراج الأوراق اللازمة, لم تعترض الظروف طريقي ولم يفلح الروتين في عرقلتي كما اعتدت!!
هكذا حزمت حقائبي ولملمت بقايا ذكرياتي.. جمعت بعض الأشياء والتي كانت ترمز لفترات عشتها في حياتي مع أعز أصدقائي ومع غيرهم.. اتجهت للشرفة وأطللت برأسي وشردت للحظات رأيت فيها سنوات الطفولة.. هنا عندما كنت صغيرا أجري وأمرح في كل مكان ولا أنسى صوت والدتي الحنون ولكنها كانت تصرخ في: كفاية لعب بقى يا فارس.. اطلع يلا الغدا جاهز..
ابتسمت في ثقل وأنا أدعو لهما بالرحمة.. حملت متاعي وغادرت الشرفة وأحكمت غلق كل ما يجب غلقه هنا ونظرت لأجواء منزلي في شماتة واضحة, سأتركه يعاني مرارة الوحدة.. بعد قليل سيدرك كم عانيت هنا وحدي.
الآن أنا جاهز للرحيل وقراري الأول هو المغادرة دون أن أخبر أحد, فكم أكره لحظات الوداع لما بها من آلام الفراق, فهي كمسيرة تشييع الجثمان ما أن ينزل قبره حتى ينصرفوا جميعا ويتركوه وحيدا.. لا أريد أن أتذكر شيء في رحلتي, فقط سأخطط لما هو قادم ولن أنظر للماضي بعد الآن.
استقللت سيارة أجرة لتقلني إلى مطار النزهة وقد ساعدني السائق في تحميل حقائبي بسيارته وانطلق بي أطلقت لخيالي العنان أفكر في موطن النازية وفي أخي الذي لم أره منذ سنوات وفي حياتي الجديدة ولكن الواقع يتدخل ليعلن عن نفسه فيمرر على ناظري بعض المواقع وأنا في طريقي للمطار وقد كانت شاهدة على بعضا من ذكرياتي.. هنا يغير خيالي اتجاهه ويرمح للخلف.. للماضي البعيد لسنون الطفولة والمراهقة.. ولكن الآن وصلت للمحطة الأخيرة ها هو المطار أو كما أسموه القفص العملاق لطائر الرخ.
انتظرت في صالة الاستقبال أتأمل من حولي وهم منهمكون مع ذويهم ممن جاءوا لوداعهم فوجدتهم يتسامرون ويضحكون ثم يتذكرون اللحظات القادمة فيحضنون, تلفت حولي لأرى رفقاء الرحلة ولكني أيقنت أن ليس جميعهم من محافظتي الجميلة وتبين لي ذلك من ملبسهم وملامحهم, ليس هذا يهمني كل ما يهمني أن أرحل من هنا.
وجاءت اللحظة المنتظرة وتم السماح لنا بالدخول لمراجعة جوازات السفر والفيز وبالطبع كنت أول الطابور وتركت الباقون منغمسون في الأحضان والقبلات, مرت اللحظات في أمان وكل شيء كان على ما يرام فقط جلسنا مرة أخرى في انتظار الطائرة ولكن دون أقارب أو أحباب وهذا كان سببا في أن يتطفل على نوعية خاصة من البشر لا أطيقها.. أين تذهب في ألمانيا ولمن ولماذا و.... أخيرا سمحوا لنا بالصعود على متن الطائرة.
صعدت سلم الطائرة في عجل واضح لكني بحثت عن مقعدي في هدوء حتى وجدته فجلست به ولحسن حظي كان يقع بجانب نافذة الطائرة وهذه كانت هوايتي منذ الصغر وهي الجلوس بجانب نوافذ المواصلات ومتابعة العالم الخارجي من خلالها.. كل شيء يمر في نظام وأمان مما يثير قلقي! ها هي الطائرة تستعد للإقلاع ونستعد معها ولم ألتفت حتى لمعرفة الشخص الجالس بجانبي فكنت مندمج كل الاندماج مع المشهد الخارجي وقد بدأ في التحول لعالم مصغر.. مرت دقائق معدودات وكنت أتابع السماء في لحظة الغروب فتحسست النافذة بأناملي وكأني أحاول احتواء السحب بقبضتي, فقط يشوش أفكاري حركة المضيفات وحضورهن المتكرر لإبداء اهتمامهم بنا, لو تركوا لي باب التسمية لخصصت لهن لقب –ملائكة الرحمة- عاودت النظر من النافذة تارة ومتابعة الحركة هنا تارة أخرى, إنه حقا لمشهد رائع فقد خيل لي أن بإمكاني ملامسة القمر عندما يظهر ولكــ ـ ـ ـ ن القمر ظهر فعلا! يا إلهي إنه بالفعل معي في هذه الطائرة......
إنــــــــــــه.. إنـ ـ ـ ـــه هو!!!
رباه.. ما هذا؟ هل مجرد تشابه أم هي حقا!! أقسم بأن هذا الوجه المقمر هو ما رأيته بالفعل في أحلامي ولكن لماذا توارت هكذا عندما رأتني لماذا اختفت!! يبدو أنها أحلام اليقظة أو قد أصابني الدوار.. أصابني شبح التوتر.. أشعر الآن بأني أحدثت ضجة فالكل يتلفت وينظر تجاهي ولكني لم أبالي.. نعم يجب أن أتأكد بنفسي مهما كان الثمن.
حاولت التحرر من قيودي لأغادر مقعدي ولكن منعتني هذه المضيفة وقد عرضت علي خدماتها, فقط سألتها من هذه المضيفة التي كانت تقف هناك منذ قليل -وأشرت لها بإصبعي إلى المكان الذي كانت تقف فيه– نظرت لي في ارتباك وقد خرجت الكلمات من فمها في نسق التهتهة فقالت:
أ تـ قـ صـ د أحلام؟؟ قلت لها نعم أقصدها, من فضلك أريد التحدث إليها..
سألتني في فضول: هل تعرفها؟؟ فجاوبتها في شرود: لا أعرف غيرها..
ذهبت المضيفة وقد استغرقت وقتا ثم عادت وحدها لتصدمني: عذرا أحلام مشغولة الآن ولا يمكنها الحديث معك..
رفضت هذا الوضع وألححت في طلبي فالتف حولي جمع من مضيفات الطائرة دون أحلام, لا أعلم لماذا تتهرب مني وكأنها تعرفني! اشتد واحتد النقاش وكدت أن أقتحم المكان للذهاب بنفسي.. منعوني فحاولت ولكن أوقفني صوت القائد الذي جاء كالبرق ليشيـع الرعب بيننا: الطائرة أصابها عطل فني وسنضطر للهبوط الآن.. أرجو عدم الانزعاج وكل شيء سيكون على ما يرام..
أقسم بأن هذا لم يشغلني بقدر تفكيري في أحلام, لقد رأيتها أمامي وعرفت أسمها لم يبقى سوى أن أحدثها أسمعها ألمسها ولكني سأنتظر حتى يمر هذا المأزق لعله يكون في صالحي.. الفزع كان سيد الموقف فأثره كان واضحا على وجوه الركاب.. هم في وادي وأنا في آخر, أجلس في صمت ولم يثير حيرتي غير رؤيتها ثانية..
لقد ظهرت وتلاقت الأعين وظهرت حمرة الخجل على خديها الموردين ثم اختفت بسرعة الضوء!
لا أعلم هل هذا حلم أم حقيقة, هممت أن أقوم ثانية بالرغم من شعوري بالطائرة وهي تترنح بنا فمنعني الشاب الجالس بجانبي وترجاني بأن أهدأ الآن فليس هذا الوقت المناسب.
الطائرة كانت تطوح بنا لا تترنح ولكن تدخلت العناية الإلهية لتنقذنا وبدأت بالفعل تستعد للهبوط وسط حالة من الهلع أصابت الجميع, ما إن هبطت الطائرة حتى هرعت أبحث عنها في كل مكان سألت عنها كل من يعرفها لكنها كانت بالخارج.. نعم تسللت من الطائرة بينما أبحث عنها بالداخل لقد رأيتها من النافذة تسير بصحبة هذه المضيفة.. خرجت أركض السلم ركضا وأنا أراقبها وهي تبتعد تحاول أن تختفي عني مرة أخرى ولكن هيهات لن يمنعني أحد هذه المرة.. اقتربت منها وهي تسرع خطواتها في تخبط.. جذبتها برفق من طرف قميصها, توقفت.. نظرت إليها وقد أصابتني رجفة هزت كياني بأكمله كانت تسمع دقات قلبي فتبتسم, كادت عيناي أن تدمع لا أصدق نفسي أنها هي حقا! حلم عمري ماثل بين يدي.. حاولت التقاط الحروف التي تاهت من على شفتاي وسألتها وقد غمرتني الدهشة: لماذا تهربين مني وأنت أمل حياتي الذي طال أن انتظرته؟؟
ابتسمت في رقة فظهرت هالة من النور حولنا, خطفت قلبي بنظرتها بلمستها بابتسامتها ثم جاوبتني بصوتها وكأنه عزفا ينبع من أوتارها الصوتية: كنت أبحث عنك دوما بين النجوم عندما أحلق في السماء لكنك كنت نجم عال أخفق دوما في ملامستك.. ظللت بعيدا عني تحلق فقط بسماء خيالي.. أنا لا أهرب منك بل أهرب من خيالي لأنتزعك منه.. حاولت أن أتماسك عند رؤيتك بالطائرة ولكني أخفقت بل أخفقت الطائرة نفسها في الحفاظ على توازنها أثر رؤيتك..
واختفت يدها الصغيرة في جيب قميصها; وأخرجت لي ورقة وطلبت مني أن أفتحها, نظرت إليها وقد تكاثر فيروس البلاهة بين قسمات وجهي يزيد من ذلك طلبها الغريب ولكن ما علي سوى التنفيذ, فتحت الورقة وهي تتابعني في ابتسامة, تسمرت أمام الورقة وقد اتسعت عيناي وارتجفت يداي, رنت ضحكتها في أذني.. نظرت إليها وكاد قلبي أن يقف من سرعة ضرباته التي سمعها الجميع فالتفوا حولنا.. سألتها في دهشة كيف تم هذا؟!!
فأجابتني صديقتها المضيفة التي حالت بيني وبينها في الطائرة: أحلام بكالوريوس فنون جميلة ورسامة موهوبة من صغرها.. أحلام قررت ترسم فتى أحلامها من قبل ما تشوفه فرسمت على الورق كل اللي كانت شايفاه في خيالها, ما كنتش تتخيل أنها ممكن تقابل صاحب الصورة دي في يوم من الأيام.. ظنت أنها لوحة كباقي اللوحات التي ترسمهم وتملأ بهم مرسمها الصغير ولأنها وجدت فيها ما يجسدها عن باقي لوحاتها.. فقررت الاحتفاظ بها ولازمتها الصورة أينما ذهبت الصورة تشبهني حقا وكأنها رسمتها في حضوري!
هل هذا حلم جديد أم واقع!! لم أصدق نفسي.. أعجز عن وصف سعادتي أين أنت أيها البحر الآن.. رفعت رأسي أشكر الله على ما أنا فيه..
ما أجمل هذه السحابة.. ما أروعها وهي الوحيدة بعنان السماء تشهد على تحقيق أمنية حياتي سأصعد; إليها الآن سأجلس بجانب النافذة مرة أخرى وأحكي لها عما أشعر به..
ما أجمل الحياة في نظري وقد التقيت أخيرا بنصفي الآخر..
تسللت يداي تمسك بيداها الصغيرتين.. تبتسم لي فيتراقص قلبي من السعادة.. وعدها بأنها معي ستكون أميرة في مملكة الحب, يكتمل المشهد بصوت العندليب الذي يأتيني من هاتف أحد المتفرجين وكأنه يهاديني..
حياتي دنيتي عمري بأمر الحب مش أمري.. بحبك حب محدش قبلنا عرفه ولا صادفه..
بحبك حب ومش قادر على وصفه وأنا شايفه..
الآن فقط أفهمها هذه الشفرات.. الآن فقط أستطعمها تلك المقطوعات..
يتراقص لسان حالي معلنا للجميع أنه يتذوق هذا الإحساس المعسول.. سيظل مذاقه مختلفا
عن الآخرون سيظل منفردا بهذا الشعور الحنون..
سيكون دوما أفصح من يتحدث عن شهد الحب المكنون
واقرأ أيضاً:
تساؤلات