وتسحب الشمس أشعتها... تلملم أطيافها من ليل الوجود.... زاحفة نحو السماء... لتعلن شوقها، أجلس على شاطئ البحر مغيبة عن واقعي سابحة إلى نداءات خيالي الجامح بك وأتساءل متى تشرق شمسي أيضا؟؟!!
أجلس وحيدة إلا من حنيني الفائض بك.. أستحضر ذاكرة الحب وصوت "أم كلثوم" ينبعث من مذياعي الصغير.. بأغنيتها الشجية التي تطرحك بقوة ضيفا على مزاراتي الخالية منك، حين تقول:"..... حبيب قلبي وفاني في ميعاده ونوه بعد ما طول بعاده........." آآآآآه كل مهمتها تذيب فؤادي.. تدغدغ صمت مشاعري، تسكب في القلب حنينا جارفا إليك يضعني على أول طريق بوحي الحميم.." متى توافيني..؟؟ ومتى تأتي وقد أسرفت في الغياب كما أسرف أنا في شوقي إلى؟؟؟! فكثيرا ما أرعبني المساء وأنا أرى طيفك يغادر صمت نبضي المتخم بعشقك والزاخر بتفاصيلك الجميلة.. غيبتك الأيام بكيانك الجميل ولكنها أخفقت في إن تغيب حضورك الهائل بداخلي وكثيرا ما أمسك بقلمي لأبحر في أحشاء اللغة بحثا عن لغة تناسب إحساسي فأبعثر الحروف بحثا عن كلمة تعبر عنك، أضمها إلى فيض كلمات تضمها رسالتي.. وقبل اكتمال الكلمة الأخيرة، أمزقها وقد انفطر قلبي حزنا على موت رسولي إليك قبل موعد سفره..!!!
تفصلنا المسافات تحجمنا، ترسم فراقنا المزعوم.. وأقف على علو رهيب يخلو منك، صعب أن تتخيل وقع ما أنا فيه وقلبي منذ أخبروه عن الانقطاع عنك.. انكسار، فقدان، وحزن مغموس في عطر الغياب....!!!...." ويعود صوت أم كلثوم من جديد: بقى يقولي.. وأنا أقوله وخلصنا الكلام كله...." ما هذا العدم الذي يسكنني منذ غيبتك الظروف؟؟!.. ما هذا العدم المعادل للروح والموت..؟؟ وأبطاله الأشقياء المصابون بوجع الحنين والوجد..!! وتلك الصحراء التي أرتحل إليها بحثا عن أسطورتها وتكوينها.. في سرابها. وسرها وسحرها والمشبع قلبي بصمتها المدوي وبطقوسها وكأنه مجبول من رملها وسرابها وبقايا شجرها القليل وعشبها الشحيح.... فلتتخيله وهو يجوبها بحثا عن السر الأعظم الذي جعلك تختلط بروحي سنوات دون بوح، دون نسيان.. كل لغة أمامه حجاب يفكه ليزداد الكشف غموضا وتزداد أنت حضورا فيه..!!..." يعاود صوت أم كلثوم ويطغى على صوت بكاء قلبي:..." يقول خايف لتنساني... أقوله مستحيل مستحيل أقدر..." " يا إلهي البحث عنك شقاء..، والشقاء الأكبر في العثور عليك من جديد... وكم أشتاق إلى النسيان بما فيه من الصفح، ومن تخفيف أحمال الذاكرة.. ولكنك دائما لا تخضع لقوانين الطبيعة المتعارف عليها منذ الأزل وكأنك اختراع جديد لن يتكرر...!!!
تستفيق الذاكرة منك للحظات أطارد فيها موجة من موجات البحر على صفحتها تغفو صورتك.. أراقبك بكل الحنين وصوت أم كلثوم يكمل مشهد ولهي:....." وحلم وصار مع الأحلام، يا ريته دام ودام نومي.. وأنا وهو من النشوة نعيش في غرام.. في غرام ولو... ولو في منااااام ..." أيها الغائب.. أتوسل إليك أن تعلمني قبل أن تمعن في البعد.. علمني ألا أسكن وحشتي.. وألا أخرج من نومي إلى طريق يؤدي إلى كل الجهات ظنا أنك تقف عند منتهاها.. لأن في النهاية بدونك وحشة أخرى وركام حلم ضائع.. علمني أن أتسكع في اللغة.. أن الهوا مع الحروف الأبجدية وأحول الحاء الحدباء حصانا لأتبع فلول طيفك الراحل عن متاهات عمري واستعيد بقايا حنيني لأبكي على قلبي المنكسر..!! إن شئت صمته اسأله الرحيل وإن شئت وهنه فاسأله أن يكف عن حب بلا ختام..!!
كنت أتمنى أن أرسل إليك رسالتي الأخيرة ولكني لا أستطيع أن أرسلها لقناعتي بأنك الرجل الوحيد الذي لا أستطيع أن أرسلها له.. لأن الموت هو النهاية الحقيقية بيني وبينه...." وحلم وصار من الأحلام.. يا ريته دام ودام نومي....................." ومازالت صورتك مرتسمة فوق صفحة البحر ومازال قلبي في متاهات
رحلة بحثه عنك.....!!!!
واقرأ أيضاً:
الأبواب المغلقـــة / دقات الرحيل / ليالي شهرزادية (الثالثة) / قماشة الشرف