ما أجمل أن تمارس عبادتك بحرية وتفتخر بثيابك حينما تعبر عن هويتك، كنت أشعر بالتميّز، أرمق بإعجاب ححابي وتنورتي السوداء الطويلة، خاطبت نفسي: "لا أحد مثلي هنا، لا أحد يرتدي ما أرتديه عن قناعة تماثل قناعتي، حتى التنورة القصيرة التي ترتديها تلك الشقراء كانت عن قناعة مصمم الأزياء الذي أقرها موضة هذا العام، بالطبع ستغيرها إن هو غيّر رأيه... أمّا أنا فأرتدي ثوباً أقره لي خالقي ومنحني ثواب ارتدائه" آه، كم أعشقك يا حجابي.
كانت تلك الأفكار ممتزجة بمشاعر الفرحة والغبطة تدور بداخلي وأنا سائرة في شارع "باول" في مدينة سان فرانسسكو الأمريكية، وبينما أنا كذلك، أشار أحدهم نحوي بعصاه الغليظة قائلاً: "إرهابية .. terrorist".
توردت وجنتاي وألجمتني الصدمة لثوان ثم أفقت، تأهبت للرد، لحظتها اختفى عن ناظري، قاومت دمعة تود الانحدار من مقلتي: "كفي أيتها الحمقاء ستذرفين دمعك من أجل معتوه قابلك في الطريق!".
رجعت بذاكرتي للوراء، قبل أسبوعين في نفس الشارع حينما قابلتني إحداهن، امرأة في أواخر الأربعينات من عمرها بها آثار جمال غارب تمتعت به يوماً من الأيام، أوقفتني:
- لو سمحت من فضلك.. سؤال صغير if you don’t mind؟
- بالطبع سيدتي تفضلي،
- أنت مكسيكية (لم تمنحني وقت للنفي)، إذاً، لماذا ترتدين المنديل؟.
مكسيكية!!! هذه الحمقاء، كيف لا تعرف أني فلسطينية، ومن غزة (أيضاً)؟ لكني تذكرت شيئاً، يقولون النساء المكسيكيات جميلات.. أوه.. أثارتني الفكرة، فأكملت الحديث بهدوء:
- لا لست مكسيكية سيدتي، أنا من فلسطين.
- أوه، آسفة، حسبتك من المكسيك، ملامحك تشي بذلك، خاصة عيناك وحاجباك، لا عليك، أنت جميلة، سعدت بلقاءك.. باااي.
داعبت عبارتها غروري الأنثوي.. وانحصر الموقف كله بداخلي بعبارة "أنت جميلة"، وكعادتنا نحن النساء، ننسى الكون كله لمجرد عبارة تداعب أنوثتنا، وإن تظاهرنا بعكس ذلك.
واصلت طريقي، وعلى شفتي ابتسامة "بالطبع جميلة، أعرف ذلك" ناسية أو متناسية أن الأمر لا يعدو كونه مجاملة عابرة في طريق عابر.
هنا توقف شريط ذكرياتها وتساءلت: "هل حقاً أنهم قادرين على إبكائنا وإضحكانا هكذا؟ أم أنا الضعيفة التي استسلمت لقدرتهم، فبكيت حينما تسببوا بذلك، وابتسمت حينما أرادوا ذلك أيضاً؟! لا ليس عدلاً، مشاعرنا ليست ملكهم، راقبت لحظتها الشمس، شعرت بها تصفعني تذكرني بجملة سمعتها: ".. أيتها الغريبة، اقبضي على الجمر -هناك- حتى لو نفث مني، فالأوطان ليست واحدة!" نعم، الأوطان ليست واحدة.
يوليو 2005
واقرأ أيضا
مذكرات طفلة: يوم موتي / شيء من الحب / الحب ليس فارسا أسطوري / ولسوف نموت ككل الأشياء / امرأة بدون رأس / مسكونة بجني أنا!!!/ رنين الهاتف