تكثر المذابح والمجازر، ويختلط الحابل بالنابل، فيذكرنا هذا بقوله صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان: ((يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)). قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: ((الْقَتْلُ)). [رواه البخاري ومسلم].
يتقارب الزمان: وتمحق بركته، فتصبح السنة في سرعة مرورها وقلة خيرها كالشهر، ويصبح الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة...، وذلك لكثرة المعاصي، فزيادة الطاعة والإيمان تزيد البركة، ونقص الإيمان ينقص البركة، قال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [الأعراف:96].
ويقبض العلم: وذلك بموت العلماء، وترك طلب العلم، فيكثر الجهال، ويقل من يرجع إليهم من العلماء الموثوقين.
وتظهر الفتن: تنتشر الفتن التي تضرّ بالدين، فلا يعلم فيها الحق من الباطل.
ويلقى الشح: فتمتلئ به القلوب، وهو أشد من البخل لأنه يعمّ كل شيء ولا يختص بالمال، فيكون بالمال والعلم، وأنواع الخير كلها.
ويكثر الهرج: أي القتل الذي يكون بغير حق...
في مثل هذه الأيام كلنا يحتار ماذا يفعل؟
وينبهنا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا عما سيكون، إلى شيء نفعله في مثل هذه الأيام: روى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يندبنا في هذا الحديث إلى الإكثار من العبادة في أيام الفتن والقتل، وعدَّ المتعبد في هذه الأيام، بمنزلة المهاجر الذي هاجر من بين أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام.
وسبب فضيلة العبادة والطاعة في هذا الوقت:
1- العبادة في الهرج عبادة في أيام يغفل فيها الناس عن الطاعات، حيث ينشغلون بما يحصل. والاشتغال بالعبادة -عمومًا- في أوقات غفلة الناس عنها، له فضيلة زائدة عن الاشتغال بها في الأوقات التي ينتبه الناس فيها للطاعات، لمشقتها بقلة المعين عليها، ولبعدها عن الرياء، وهذا مثل فضيلة القيام في الليل حالة نوم الناس، أو فضيلة ذكر الله تعالى في الأسواق حيث يشتغل الناس بطلب الرزق ويغفلون عن الذكر...
2- كثرة الطاعة وسيلة لرفع الظلم وعذاب القتل عن المظلومين: فالمتعبد الطائع يدفع عن غيره العذاب ببركة طاعته، قال تعالى: ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)) [البقرة:251]، ومما فسرت به هذه الآية: أن الله تعالى يدفع العذاب عن العاصين بطاعة الطائعين.
3- انفراد الإنسان بالطاعة بين غالبية غافلة، كانفراد المهاجر بالهجرة من بين غالبية كافرة، لأنه يهجر المعصية التي عليها عامة الناس، بفعل طاعة يرضي الله بها.
4- في الالتجاء إلى الطاعة أيام الفتن وكثرة القتل، حماية للإنسان من أن تصيبه تلك الفتن، كما كانت الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماية للصحابة من أن يفتنهم الكفار.
5- في العبادة أيام الهرج دفع لظلمات القتل -التي تنتشر في الأرض- بأنوار الطاعة: ولأجل هذه المغالبة للظلمة يجد الإنسان للعبادة مشقة وثقلًا زائدًا عن سائر الأيام.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في هذه الأيام، وهذه بعض حكم هذه الوصية، وإذا كان أحدنا يرغب بالمساعدة، فمن واجبنا أن نحمي أنفسنا، وندفع العذاب عن المظلومين، بطاعات وعبادة نلتزمها في هذه الأيام مهما اشتدت مشقتها، بدل الاكتفاء بإرهاق أنفسنا بالنظر إلى الظلم مع الظن بأننا نعجز عن دفعه...
واقرأ أيضًا:
فيلليني مشاركة1 / قانون التغيير والمطبخ النفسي / عندما عتب العيد