من مرحلـة اللون المتأمركة إلى مرحلة العطـر الوطني العابق
عــزيزي القارئ؛
لقد تركتنا ثـورة الياسمين التونسية وسط إرباك الانتقال من اللون إلى الرائحة العطرة. وهي أيقظت لدينا ملاحظات لم ندونها لكنها تركت بصماتها في ذاكرتنا. من كرم وصبر وعلمية الزميل سليم العنابـي وصولاً إلى الإرادة الصلبة وقبول التحدي لدى الزميل جمال التركـي إلى انفتاح الزميل أنور الجرايـة.
يوم انتصار ثورة الياسمين أدركنا بشكل طاغ أن "للرائحة ذاكـرة" فقد استحضرت الذاكرة مع الخبر قائمة الأسماء التي عرفناها خلال مؤتمر اتحاد الأطباء النفسيين العرب في تونس وهي كثيرة نلتمس العذر لعدم سردها كقائمة في سياق نقول فيه أن الصورة التي كوناها عن تونس كانت منذ ذلك الوقت صورة تونس بعد الثورة. إذ لم نكن نعرف الصورة الحقيقية للوضع في تونس.
لقد أخفى الكبرياء التونسي عنا حقيقة الوضع، وإن ننسى فإننا لن ننسى قط ذلك العالم الكبير والرائد المؤسس والمثال العلمي البروفسور سـليم عمـار، الذي كنا نتمنى لو امتد به العمر ليشهد هذه الثورة. وهو كان قد بدأها قبل عقود. فقد التقيناه في احد المؤتمرات العربية أواسط التسعينات. وكان رحمه الله يصر على عرض صور الأطفال العراقيين المشوهين بسبب اليورانيوم المنضب.
هذه الانطباعات مجتمعة لم تترك لدينا أي شك بانتقال الثورات من مرحلة اللون المتأمركة إلى مرحلة العطـر الوطني العابق. فإذا ما تريثنا في الحديث عن هذه الثورة فذلك إشفاقا منا على كبرياء من عرفناهم من الزملاء وسط تحديات أحاطت ولا تزال تحيط بثورتهم وهي واقعاً تحويل تونس إلى بلد منسجم مع طاقات واندفاع وحماسة شعبه وعلى الأخص مع كرامته.
ولعل الثورة المصرية عجلت قليلاً لكنها كانت بدورها عرساً عربياً جديداً أعاد مصر الكبيرة بتضحياتها وريادتها إلى أصالة عروبتها. وان كانت لا تلغي صدارة الشرارة التونسية التي أصبحت نبراس كل الثورات العربية العطرة. لتبقى مسؤولية التفريق بين الثورات العطرة وفق النموذج التونسي وبين الثورات الملونة التي تبدو وكأنها تستغل عطر الثورات لتلوين دول عربية أخرى. ونحن نرفض تلوين دولنا وفق النمط الأوكراني أو غيره من أنماط الثورات المتأمركة.
تبقى الريادة التونسية حاملة المشعل ومطلقة الشرارة ونبقى في حالة إشفاق على الثورات العطرة ومحاولات الخلط بينهما وبين باقي الثورات حيث نقاءهما وشفافيتهما غير مقروءين بوضوح في باقي الثورات العربية. وهو ما دفعنا لتخصيص ملف هذا العدد للثورات العربية مضمنين الملف محاولة تصنيفية للتشخيص التفريقي بين الثورات العربية بعنوان "حـول قابلية الدول العربية لحضانة الثورات" آملين أن ينفع هذا الانتقاء مشفوعاً بالتنوع في تقديم مساهمة اختصاصية مهما ضئلت أمام عطر الثورات.... آملين استمرار الثورات المعطرة ومعها عودة دولنا حاضنة أمينة لشعوبها. مع الدعـاء والابتهال كي يبعد الله عن هذه الدول شبح الفوضى وهي آخر أسلحة المتضررين من مثل هذه الثورات.....
والله المـوفق