ما تشهده المنطقة العربية من ثورات وانتفاضات والتي تدعو إلى إسقاط الأنظمة العربية الطاغية والمتسلطة على مدار عقود، لا يوجد خيار إلا الانحياز الكامل إلى إرادة هذه الشعوب من أجل حريتها وكرامتها بوطنها، وأن سقوط وزوال هذه الحكومات هو هدفٌ أساسيٌّ بحد ذاته، وأن المحاولات التي تقوم بها بعض الحكومات العربية الرامية إلى إصلاحات دستورية لتُعطي مزيداً من الحرية وهامشاً من الديمقراطية، تؤكد بدون شك حجم الخطر الذي تشعر به هذه الحكومات من ثورات شعوبها؛ حيث أن هذه المحاولات تؤكد على إفلاس هذه الأنظمة وعُقم سياستها، وهي شاهدة على دورها الماضي بقمع إرادة الشعوب وانتهاك الحريات.
الحالة الليبية وموقف معمر القذافي من الهبة الجماهيرية والطريقة التي تعامل بها نظام القذافي ضد الجماهير الليبية، وانتقال الوضع إلى شاكلة حرب أهلية، والتدخل الغربي وقصف قوات القذافي من قِبل الغرب، الذي جاء نتيجة طلب عربي من مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات ضد نظام القذافي الذي يُمارس القتل ضد شعب ليبيا الثائر الذي يطمح للحرية والكرامة الإنسانية، حيث لا توجد مؤشرات لتراجع القذافي عن جرائمه، فالقصف الآن على ليبيا جاء بمباركة عربية وليبيا معارضة للقذافي، فهنا يُسـاورني القلق حول موقف القوى العربيـة المناهضـة للغرب من التواجد العسـكري الإمبريالي المباشـر على الأراضي الليبيـة حال احتلالها؟ وكيف سـتُقيّم هذه القوى موقفها من العلاقـة بين الثورة ضد القذافي التي تدعمها أمريكا والغرب، وموقفها من القذافي الذي يواجـه الغرب والثورة اللذان يعملان على إسـقاطـه!؟ هل الغرب حليف للثورة!؟ وهل هذا التدخل الغربي سـيفرضض على الثوار تحالف وعلاقات تضمن للغرب مصالحـه مع ليبيا؟ وهل سـنهتف مسـتقبلاً "تعيـش أمريكا وتعيـش فرنسـا وتسـقط الحكومات العربيـة...!!!؟؟؟
وما يُقلقني من ما يجري أن يكون هو بدايـة لواقع عربي جديد قائم على أسـاس مزيد من التفتت والانقسـام، أمام حالـة الضعف التي تمر بها المنطقـة العربيـة؛ فالحركـة الصهيونيـة نشـرت بدايـة الثمانينات وثيقـة تهدف إلى تفتيت الدول العربيـة إلى دويلات طائفيـة، وهذا يفرض على القوى العربيـة الحريصـة على الوحدة العربيـة التنبـه إلى كل الخطوات الغربيـة والصهيونيـة تجاه ما يحدث بالمنطقـة، فالحالة الليبية وما يجري الآن من قصفٍ لليبيا رداً على جرائم القذافي تجاه شعبه، يُفترض أن لا تمتد إلى دولٍ أخرى، وهذا يتطلب من الحكومات العربية الأخرى كاليمن والبحرين وسوريا وغيرها من الدول العربية أن تنظر إلى مصالح شعبها ووحدة أراضيها، قبل أن تنظر إلى مصالح الفئة الحاكمة! فنحن اليوم أحوج إلى الوحدة من أجل مواجهة المخاطر التي تُحيط بالأمة العربية، حيث تسود في بعض الدول العربية مفاهيم الطائفية والتقسيم الطائفي، وهذا ما كان ليحصل لولا تراجع الأحزاب اليسارية والقومية العربية الداعية إلى الوحدة العربية، ولولا استمرار القمع الذي مارسته هذه الحكومات على مدار عقود ضد الحريات الديمقراطية والحزبية بدولها، حكومات أعطت لنفسها الشرعية الثورية والوطنية. بالوحدة نكون قادرين على مواجهة كل المخاطر التي تُهدد هذا القطر أو ذاك أو الدول العربية مجتمعة، أما الطائفية فهي تدعو إلى مزيد من التقسيم، وواقع العراق يشهد على ذلك، وهذا مهدد بالانتشار إلى العديد من الدول العربية.
إن واقعنا العربي خلال وبعد هذه الثورات التي تُنذر بواقع جديد لا يمكننا أن نجزم بطبيعته الآن، فالحرية والديمقراطية التي طالب بها المتظاهرون بثوراتهم هي بحاجة إلى مشاركة كافة القوى بكل آرائها واتجاهاتها الفكرية والأيديولوجية من أجل الدفاع أولاً عن وحدة القطر أرضاً وشعباً، ومن أجل برنامج نهضوي تعبوي يضمن للجماهير حريتها وحقها، ومن أجل بناء قاعدة اقتصادية تضمن للشعوب مصدر رزقها واستقرارها بوطنها، وفتح حوار شفاف دون أنانية من أجل مستقبل أفضل يضمن للإنسان العربي إنسانيته ومواطنته، انتمائه العربي بغض النظر عن مذهبه أو فكره، فإن غابت هذه الحقيقة عن القوى المجتمعية والسياسية، أعتقد أن المستقبل قد لا يُبشر بالطموحات الجماهيرية، فالحرية والكرامة الإنسانية لن تأتي إلا بوحدة القطر ووحدة الانتماء القومي للأمة العربية، وهذا بالواقع ما يُرهب الكيان الصهيوني والغرب، فالواقع الفلسـطيني هو أكبر شـاهد على ذلك؛ حيث يرفض الكيان الصهيوني الوحدة الوطنيـة الفلسـطينيـة ويُمارس دوره الرامي لتصفيـة القضيـة الفلسـطينيـة من خلال الحفاظ على الانقسـام الفلسـطيني الجغرافي والسـياسـي والبشـري، ولن ننسـى دوره التخريبي لتقسـيم السـودان ودور الغرب بتقسـيم العراق على أسـاس طائفي...
التخلص من التبعية الأمريكية والغربية يفرض على الحكومات العربية الاستفادة من تجارب دول كفنزويلا والبرازيل وبوليفيا وغيرها، والاستفادة من تجاربهم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، تجارب رائدة تمكنت من إيجاد حلولٍ لكافة المشاكل والأزمات الاجتماعية والاقتصادية بتلك الدول، فالتبعية للدول الغربية لا تجلب لمنطقتنا العربية إلا الدمار، فشعوبنا والحكومات العربية الجديدة يجب أن تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار إذا أرادت فعلاً استقلالاً لدولها وشعوبها.
20/03/2011
واقرأ أيضاً: