أرسلت أقول له وأسأل: أين إنتاج ذهنك يا قاسم هذه الأيام بعيدا عن المرض والمرضى؟
عرفت رأيك في الثورة المصرية... وبالتخمين في تونس لكن ماذا عن الثورة في سوريا؟! وأين أنت وما رأيك؟! ولماذا لا تكتب؟
الآن في مجانين عندنا قسم خاص للمقالات والكتابات حول الثورات العربية، وملف عن ثورة مصر 25 يناير 2011، نود أن نرى قاسمياتك..... السلام عليكم
فكان رده مفاجئا كما يلي:
فكان رده مفاجئا كما يلي:
السلام عليكم
مرحبا ثورات يا د. وائل! أين القيادة المعصومة؟
أخي الحبيب د. وائل حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
منذ مدة وأنا أريد أن أكتب لك ما يخالجني من شعور أولاً تجاهك وتجاه أصدقائنا في مجانين، وثانياً تجاه كل ما يدور في هذه الأمة العربية من ثورات ولطالما استثرتني للكتابة عن الثورات في تونس أو اليمن أو البحرين أو سوريا... وأنا أبتلع الكلام لكي لا أجرح أحداً، فنحن في لبنان مررنا بالثورة منذ عام 1975، والتي طال أمدها، فقد أحرقت ثورتنا لبنان عشرات المرات، وذهبت بمئات الألوف من الشهداء، ولم يزل حكامنا متربعين على كراسيهم، فمرة يتصالحون وأخرى يتقاتلون، بنا طبعاً! ونحن نزداد فقراً، والغلاء يستفحش، وأهداف الثورة لا تأتي إلا بثمار كثيرة من الجثث والضحايا والدماء والدمار...
صديقي د. وائل! كم أنا حزين في هذه الأيام، لما أسمع وأرى من ثورات يصنعها الغرب لنا ويقوم بعضنا بالقيادة، وبعضنا بالشهادة فنقدم بلادنا ضحية على مذبح المؤامرات، ولا يبقى لنا منها إلا الأحلام والذكريات.
عزيزي وائل! لو خرجت من فمي كلمة واحدة تشجّع على القتل، أو الانتحار، أو الهدم، أو الدمار... لسوف أجد في صحيفة أعمالي يوم القيامة محجمة من دم، أحد الشهداء سمع كلامي فخرج ورمى حصى على أحد ما فقام الآخر وقتله، فأعترض يومذاك وأقول لم أقتله، فيجيب المنادَى: "كلا بل خرجت من فمك كلمة ساهمت في قتله"
إن أردتَ رأيي بصدق، فأقول لك بأني غير مؤمن ولا بأية ثورة من كل هذه الثورات المعاصرة مع أحقيتها ووجوبها، لا بل ضرورتها، ولكنها تجري بأيدي قيادات لستُ أثق أبداً بها مع احترامي لكل القيادات. ليس لدينا قيادة معصومة، فإذا ما أمرتنا القيادة بأمر خطأ وأنا أؤيد تلك القيادة فعندها سوف يكون عليّ وزر ما أمرت به، ولستُ أستطيع أن أواجه ربي بمثل هكذا أمر.
أخي د. وائل أتمنى أن نتقابل وأشرح لك كل ما في صدري! لأني مؤمن بأن مَن يتقاتل على هذه الكرة الأرضية هم طرفين لا ثالث لهما:
- طرف يريد إنشاء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل
- وآخر يريد إنشاء إسرائيل الصغرى ضمن حدود الـ 1967، ومن هناك تبدأ الحرب بينهما بأيادٍ مختلفة، وأكثرهم يعتقد بأنه يريد الخير والفضل وأنسنة الكرة الأرضية وتحقيق المثال على هذه البسيطة، إلا أن الواقع هو أننا شعب يُدار بالعديد من حبال الأيديولوجيات والليالي، فكلٌّ يغني على ليلاه، وقد نسي الجميع ما أتى به كل الرسل من قيم الأخلاق والمحبة والتسامح والعطاء، بل بات أكثرهم ينفذ أوامر قيادته بصدق وتفانٍ حتى ولو كان ذلك الأمر تارةً أن يذهب إلى الجامع ويقوم بعملية انتحارية يقتل فيها أكبر عدد ممكن من المصلين، وطوراً أن يذهب إلى الكنيسة ليقتل أكبر عدد ممكن من المسيحيين، وهكذا تتحقق العدالة في هذه البشرية.
مرحبا ثورات يا د. وائل! أين القيادة المعصومة؟ فالشعوب كلها فقيرة وهذا سبب للثورة، ولكن هل مَن سيأتي على أجنحة النصر سوف يحقق العدالة والغنى والرفاهية؟ أم أن ثوراتنا ككل ثورات الكرة الأرضية يقوم بها الأغبياء ويغتنم ربحها الجبناء؟
ثورة واحدة حقيقية حصلت في التاريخ وهي ثورة الحسين عليه السلام. ولكنها أشعلت الضوء في عتمة الظلامة والظلم، وانتهت بالنصر في الخلود وبصوت باقٍ إلى الأزل: أن لا للظلم، ونعم لعبادة الواحد القهار.
أخي د. وائل، لقد كتبتُ للثورات منذ نعومة أظافري، وكتبت لرفاقي شعراً:
دعـوني يا أهلـــي دعونـي فرفاق كفاحي استدعوني
أحمل رشاشي في كتفي أمشي ولتحيَوْا من دونــي
فدعوني يا أهلي دعوني
لقد كنت في البدء مع الحزب الشيوعي، ومن ثم اكتشفتُ الكذب والخداع وقلة الدين...، ثم انتقلتُ إلى حزب دينيٍّ آخر فاكتشفتُ كيف أن القيادات هناك كانت تحكم بديكتاتوريتها الفظة كل الضعفاء البواسل والشرفاء حتى الشهادة، ولم أجد إلا "كروشاً" تنتفخ، وأجساداً تدفن تحت التراب، والحالة هي الحالة، فقر وظلم وعدم تكافؤ فرص وخيانة مستشرية حتى قلة الدين.
أخي د. وائل: في سوريا الكهرباء تأتي طوال الليل والنهار، وسعر المازوت والبنزين أرخص مما هو في لبنان بكثير، وعندهم التعليم مجاني وكذلك الطبابة وحفظ الشيخوخة. إلا أنهم ممنوعون منعاً باتاً من سب الحكم والحكام، عندهم الفقر نسبياً كباقي الدول العربية. هل تريد أن نحمّسهم على الثورة لكي يستطيعوا شتم الرؤوساء فينقسموا إلى دويلات صغيرة متناحرة متقاتلة بدون كهرباء ولا بنزين ولا ماء ولا غذاء؟ وبعد أن تقضي الثورة على مئات آلاف الجثث الشهداء سوف نتمنى أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه، ولكن أنى لنا ذلك بعد أن تكون قد وضعت الدول الكبرى يدها على الملف وصارت تعطينا بالقطارة المساعدات للنازحين كما هي الحل في المخيمات الليبية على الحدود التونسية، والمخيمات السودانية في دارفور وجنوب السودان وباقي المخيمات التي لا يصلها حتى دواء الأنروا في الجنوب اللبناني، فعن أي ثورة تريد أن أحدثك يا أخي د. وائل؟
هل الحب بالانتقام من الرئيس حسنى مبارك هو الذي يعمي بصري لكي أحرق مصري الحبيبة وأقتل كل مَن يخالفني الرأي لأن قائدي هو مرسل منزّه من عند الله وقائدهم هو الشيطان بعينه؟
أخي د. وائل ليس في يدي أو يدك أية حيلة، فالمؤامرة كبيرة، وهي أكبر من رأيي ورأيك. وبكل أسف إن الأشراف من العامّة يسيرون بعيون مغمّضة خلف الماكرين من القادة وهنا أتحدث في المجمل وليس بالتحديد عن قيادي أو آخر، ففي رومانيا قامت الثورة بقتل تشاوشيسكو الديكتاتور الذي بنى رومانيا على أسس حديثة والذي أخرجها من الضعف الزراعي إلى المجد الصناعي، فكانوا يصنعون في عهده كل شيء من الإبرة وحتى الباخرة والطائرة والدبابة....لم يكن عندهم بطالة، والتأمينات الاجتماعية مؤمنة.
قتلت الثورة تشاوشيسكو بحق لأنه لم يكن يسمح لهم أن يشتموا النظام و...
ولكن انظر إلى رومانيا الآن، حيث البطالة تعم أكثر من 40% من الناس، وحيث توقفت كل المصانع عن العمل إلا ما اشتراه الغرب، وحيث باتت الطبابة والعلم وكل التأمينات في مهب الريح، إنهم اليوم يبكون رئيسهم الذي يسمونه شهيداً، فباتت الدولة شهيدة بموته.
أقول لك كما قلتُ لـ "مصر" نامي يا صغيرتي يا أم الدنيا لأن الغول ينتظرك في الخارج ليبتلعكِ كما يريد أن يفعل بكل دولة من الدول العربية على حدى. حما الله بلدنا ودولنا من أيدي أشرار قادتنا. وليرسل الله لنا موسً جديداً أو مسيحاً جديداً أو حفيداً لمحمد صلى الله عليه وآله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
والسلام عليك وعلى كل الثوار ورحمة الله وبركاته.
لك مني أفضل التحيات والتمنيات
ودمت.
د. قاسم كسروان
* وبعد مرور شهور على ثورات عربية بعضها رأيناه ناجحا وبعضها في طريقه للنجاح، هذا رأي د. قاسم وآخرون غيره من مستشاري مجانين، وأما أنا فقد أعربت عن قلقي متسائلا: هل الثورات العربية خطة أمريكية؟.... لكن ما هو يا ترى رأي المجانين؟ وأيضًا ما رأي السادة العاقلين؟
واقرأ أيضًا: