كيف تجمّع وعي الشباب، وكيف يعاد تشكيله؟ (1 من2)
ملخص الجزء الأول: تبدأ القصة (كتبت ونشرت أوائل 2006)، بحوار بين البنت وأبيها عن حبها لله أكثر منه وخوفها منه تعالى أقل منه، ثم ينتقل الحوار بين الأب وصديقه فخسارة الأول في البورصة بعد اغتراب مُذل، ثم مع الأم وابنتها عن تحذير عمها “بيومى” لها من عبادة الأوثان التي تمثلها عروستها
ثم ينتقل المنظر بعد 6 سنوات إلى حوار كتبته لاحقا هذا الأسبوع، كنت أريد من خلال هذه التجربة.
أولا: أن أبين كيف أن وعى الشباب خاصة لا يتشكل في يوم وليلة، وبالتالي لأكشف سخف الأسئلة اللحوح: ماذا جرى للشباب والناس بعد “الثورة” وكلام من هذا، وثانياً: لأعلن أن علينا أن نستعد لجولة وجولات لتكون ثورة أو إعدادا للثورة القادمة
وهذا هو الجزء الثاني والأخير، كتبته بتاريخ: عشرة يونيو 2011
قالت البنت لأخيها: ولكن لماذا؟
قال أخوها: لماذا ماذا؟
قالت البنت: لماذا تريد أمريكا أن تتخلص من كل هؤلاء الرؤساء المطيعين جدا، المتعاونين جدا؟ هل الرؤساء الجدد سوف يسلمون أقفيتهم أسطح؟
قال أخوها: ليس كلهم، أو ربما كلهم، فنحن لا نعرف إلى أي مدى كان المخلوعون يطأطئون، ولا لماذا استثنى الصافعون أقفية أحرين ليسوا أكثر ديمقراطية، ربما لأنهم أطوع طاعة؟
قالت: ومتى نعرف؟
قال: قد نموت ونحن لا نعرف
قالت: فلماذا نثور دون أن نعرف؟
قال: وهل الأمر بيدنا؟ نحن نثور لأننا نثور، نثور لأنه تجمع بداخلنا مالا يمكن إلا أن ينفجر، آن الأوان، ما كنا فيه لا يؤدى لغير هذا.
قالت: هذا ماذا؟
قال: هل جننتِ؟ هذا الذي كنا فيه؟ وخرجنا منه
قالت: ربما!! ألم تسأل نفسك لماذا هم حريصون على حريتنا كل هذا الحرص؟ هل يحبوننا هكذا جدا، جدا؟؟؟؟
قال: ولم لا؟
قالت: اسم الله عليك!! لعلهم يحبوننا من فرط حبهم للإنسانية والحرية حيثما حلوا، أو حيثما اغتصبوا أو قتلوا أو أذلّوا!
قال: يعنى!!
قالت: هل تعرف ماذا سوف نفعله لو أصبحنا أحراراً بحق وحقيقي
قال: ماذا؟
قالت: سنبصق في وجوههم أولاد الأفاعي
قال: ما هذا؟ هل هذا رد الجميل
قالت: نحن أصحاب الجميل وهم المدينون لنا برد ما سرقوه منا وما ينوون سرقته بكل خططهم الجهنميه هذه، يسرقون مواردنا واستقلالنا بخبطة واحدة
قال: ماذا تقولين؟ خطط ماذا وجهنمية ماذا؟ ما هذا التفكير التآمري؟ هل تريدين أن نرجع إلى ما كنا فيه؟
قالت: أنت جاهز، كلما اختلفنا تعايرني بما كنا فيه، وكأني أنا المسئولة عنه، على فكرة: نحن كنا في ماذا؟ فكّرني
قال: كنا في ماذا؟!! كنا في أسفل سافلين
قالت: هذا صحيح، والآن: نحن في ماذا؟
قال: لست فاهما
قالت: ولا أنا،
قال: أريد أن نكف عن هذا الحديث، لقد أصبح يشبه أكوام الأحاديث التي تغمرنا من كل الأقمار وأبواق التوك شو، وعينات لقطات الشوارع المتقطعة، ماذا تريدين بالضبط؟
قالت: لست أدرى،
قال: هل تعملين مع الثورة المضادة
قالت: يا نهارك اسود، ما هذا؟ أنا أحاول أن أتعرف على الثورة، حتى أتعرف على “المضادة”
قال: ماذا تريدين بالضبط؟
قالت: أنا أحب هذا البلد جدا، أريد أن يكون لي بلد بحق وحقيقي،
قال: كيف تحبين بلدا لم تشعري بعد أنه بلدك بحق وحقيقي،
قالت: الحب ليس لي يد فيه، أنا أحبها وأنا أقوم بتخليقها تخليقا، هذه بلد فيها بني آدميين كما خلقهم الله، برغم كل شيء، نحن أولى بهم وهم أولى بنا.
قال: أخوها: لست فاهما
قالت: أحسن، لقد أنسونا أننا بشرا، أكرمنا الله بإنسانيتنا،
قال: من الذين أنسونا؟
قالت: الذين حكمونا،
قال: ولماذا نحن نسينا ومن الذي سلمهم توكيل التصرف نيابة عنّا؟ وعن بلدنا
قالت: هي لم توكلهم أصلا، لقد زوّروا توكيلات مضروبة وتصرفوا بها، فغابت عنا
قال: أنت أربكتني وكدت تسرقين فرحتي، طيب ووالدنا؟
قالت: ماله؟
قال: أليس مصريا مثلنا؟
قالت: ومن قال أننا مصريون، نحن نحاول أن نستعيد بلدنا، لنولد من جديد:
قال: وهو؟
قالت: يبدو أنه يئس من المحاولة
قال: لكنه هو الذي ربانا وصرف علينا، وها نحن نحاول بفضل ذلك
قالت: لابد إنه مصري دون أن يعرف،
قال أخوها: ربما نحن أيضا كذلك…، أريد أن أنام،
قالت: جاءتك نيلة، وأمنا؟
قال الفتى: مالها هي الأخرى؟
قالت: تريد أن تزوجني لابن أختها في كندا
قال: والله فكرة!!
قالت: فكرة ماذا؟ وأتركها لمن؟
قال: تتركين من؟
قالت: أترك “مصر”
قال: الله يخرب بيتك هل أنت مع الثورة أم مع الثورة المضادة، ما هذا؟
قالت: الثورة لا تصبح ثورة إلا إذا نجحنا أن نخلق منها بلدا تحكمه دوله، والثورة المضادة هي خيانة نذلة وليست ثورة أصلا ولابد أن نبدأ البحث عنها في داخلنا، قبل أن نسقطها على مسوخ منهكة
قال: بطَّلي فذلكة، ولا تنسى أنهم متربصون بنا طول الوقت
قالت: من هم؟
قال: المسوخ،
قالت: ربنا موجود،
قال: أين؟
قالت: الله يخرب بيتك، طبعا موجود وإلا تزوجت ابن خالتي وهربت
قال: والله العظيم ما أنا فاهم حاجة! أليس ربنا في كندا أيضا؟
قالت: اسأل الإخوان،
قال: يا نهارك أسود؟ مالهم الإخوان؟
قالت: أليسوا هم المتحدثون باسم ربنا الآن؟
قال: هذه إشاعة لإزاحة أكبر تجمع شعبي عن المشاركة في الثورة
قالت: المشاركة في ماذا؟
قال أخوها: كفى بالله عليك أريد أن أنام
قالت: اذهب ونم، واحكم إغلاق نوافذ وعيك، والله العظيم أنا أعجب كيف يأتي لك النوم هذه الأيام؟
قال: وماذا فعلت أنت بسهرك يا حبة عينيّ،
قالت: أحاول أن أفعل ما يكملها لتكون ثورة، وهذا هو هو ما يجلب لك النوم
قال: أنت صعبة، لقد تحيرت معك
قالت: إنها “الحيرة الخلاّقة”
قال: أنت لا تعرفين حتى اسمها إن اسمها “الفوضى الخلاقة”، وليس “الحيرة الخلاقة”
قالت: وهل تظنني بلهاء حتى أخلط بين الحيرة الخلاقة والفوضى الخلاقة، هل تتصورني الست كوندي أو القمورة كلينتون، هل أنت تعرف ماذا تعني أي منهما بالفوضى الخلاقة أصلا؟
قال: الفوضى هي الفوضى، أما الخلاقة، فليس عندي فكرة،
قالت: بالله عليك فكيف تسميها ثورة وأنت لا تعرف كيف تخلق منها ما هو دولة وما هو حضارة، الثورة لا تكون ثورة إلا إذا كانت خلاقة، تتخلق من الحيرة التي تعقب الانتفاضة، فنعيد من خلالها بناء أنفسنا وبلدنا، أنت لا تعرف الفرق بين الثورة والحيرة، أرجوك لا تتحمس هكذا وأنت تتشدق بكلمة “ثورة” وكأنك تمضغ “لبانة”
قال: وهل أنا الذي سميتها؟ كل الصحف وكل الإذاعات وكل الفضائيات وكل العالم يسمونها ثورة، بالله عليك لا تتمادي حتى لا أتمادى في الشك في أنك عميلة للثورة المضادة؟
قالت: قلت لك إن الثورة المضادة داخلنا نحن الثوار، والحيرة التي نحن فيها هي التي تجعل الثورة ثورة إذا احترنا بإيجابية ونحن نعمل طول الوقت.
قال: الله!! الله! هكذا عينتِ نفسك من الثوار دون إذن
قالت: إذن من مًنْ يا روح ماما،
قال: إذن الثوار
قالت: الذين تمثلهم أنت وأنت أكسل حتى من أن تمارس “الحيرة الخلاقة” لقد توقفت عند “الفوضى الَّنقّاقَةْ”
قال: كيف أمارس الحيرة لتتخلق منها ثورة؟
قالت: الحيرة تستدعى الدهشة، والدهشة تهدى للنقد، والنقد يشحذ اليقظة، واليقظة تحافظ على الوقت، فتملؤه بالفعل، فتكون ثورة،
قال: يا نهارِك أسود ومنيل بستين نيلة، طيب هذه هي الحيرة، فكيف نجعلها خلاقة،
قالت: بأن ننتبه ونحن نقبل التحدي
قال: اعملي معروفا: نحن ما صدّقنا
قالت: ما صدقنا ماذا؟
قال: ما صدقنا أننا عملناها
قالت: عملنا ماذا،
قال: عملنا الثورة
قالت: اسمح لي، هيا نعملها
قال: نعمل ماذا؟
قالت: الله يخيبك.
اقرأ أيضا:
البنتُ..، والعـلَمْ / أنواع العقول والديمقراطية المضروبة! / خذ من الديمقراطية ما شئت لما شئت!!