المعرفة طريق إلى الله، والمعرفة الحقيقية تحتاج منك جهادا خاصا لتعرف ما لا تعرف، وتقبل ما لا تحتمل، وتفرح بما أضافتْ، وكلما عرفتَ أكثر، اقتربت منه أكثر.
في كتاب حديث نسبيا، يربط المؤلف بين التصوف الشرقي، (الشرق الأقصى بالذات) وبين الفيزياء الحديثة، تعلمت ما لم أكن أعلم عن الهندوسية والتاوية، ومن كتاب "الموت والوجود"، تعلمت أيضا عن الهندوسية ما أثرى إسلامي على طريق سعيي، من كتب "تاريخ التصوف" تعلمت الوصلة بين التصوف عند غير المسلمين خاصة في جنوب شرقي آسيا وبين رؤية العارفين بالله من المسلمين.
أما من الكتاب السفر الضخم الذي قامت بتأليفه تلك الألمانية الرائعة "آنا ماري شيمل" بعنوان "الأبعاد الصوفية في الإسلام، وتاريخ التصوف"، فقد فوجئت بهذه الثروة الموثقة، بقدر ما فوجئت بروعة الإتقان والحب الذي كتبت به المؤلفة الكتاب، هذه العالمة الموضوعية الأمينة.
حين كتبت عن أن الإسلام لا يكون حلا (الوفد 3/8/2011) إلا إذا كان طريقا للإيمان، سألني كثير من الأصدقاء عن الفرق بين الإسلام والإيمان، وهل هذا الذي كتبته من قبيل التصوف أم ماذا؟ لم أعرف كيف أجيبهم وعقولهم مملوءة بما هي مملوءة به. كلما نعتني أحدهم بالتصوف استغربت ونفيت، ليس تواضعا، ولكن جهلا وحرجا، أنا فعلا لست متصوفا، ولا أحب أن أوصف بهذه الصفة التي لا أستحقها، وربما تفصلني -دون إذني- عن عامة الناس.
سألني آخرون عن علاقة كل ذلك بمليونية الجمعة الأخيرة التي دعت إليها الطرق المتصوفة ردا على مليونية التباهي والتكاثر والتهديد، وقد علمت أثناء كتابتي هذا المقال أن هذه المليونية الردّ لم تنجح جدا، مع أنها كانت حسنة النية في محاولة أن تجمع خليطا غير متجانس من الأقباط والثوار الأحرار والمثقفين الطيبين؟ ولم أجد عندي ربطا منطقيا بين ما أدعو إليه وهذه المليونية المُجهضة.
سألني فريق ثالث عن علاقة كل ذلك بما يجري في الموالد في طول القطر المصري وعرضه، وخصوصا أن الذين يفضلون أن يعبدوا الله من خلف مكاتبهم وبين صفحات الكتب والمعاجم، (وأيضا من لا يعرفون لهم ربا أصلا) يعترضون عليها اعتراضا فوقيا، ويصفونها بالتخلف وما شابه، وحين أحاول أن أقول لهم إن ما يصلني من هذا الذي يجري هو تسبيح آخر، بلغة أخرى، لا تقال عادة ونحن جلوس على المكاتب أو بين الكتب والمعاجم، يعترضون اعتراضا بالغا، ويتهمونني أنني لا أعرف معنى التسبيح لأنني لست ضليعا في لغتي، وأحاول أن أقربهم من احترام ما لا يعرفون، أو حتى تأجيل الحكم، فيواصلون وصفي بالجهل والتجاوز، (ولو بين أنفسهم)، وحين يواصلون الإصرار على أن أعرّف لهم ما أعني بالتسبيح، أقول وأنا أشك في قدرتي على الإيضاح أكثر: "إذا كنا لا نعرف اللغة التي يسبح بها الطير والجبال والسماوات والأرض وما بينهما لربنا وربهم، فكيف نعترض على لغة لمجرد أنها غير مألوفة للسادة الجلوس على المكاتب في حجرات إصدار الأحكام؟".
المهم:
رحت أقلب أوراقي، وفي موقعي، وبالذات حول ما سجلت من إجابات محتملة لهذه التساؤلات، فلم أجد إلا ما يشبه تساؤلات موازية، فضلت أن أقتطف منها ما يكمل هذه المقدمة بما يليق بهذا الشهر السمح الكريم، دون تعليق، وإليكم بعض ذلك:
1) لو أنك سألت شابا مصريا اسمه أحمد إبراهيم عبد المهيمن، وعمره 21 سنة، طالبا جامعيا، متفوقا، متدينا، والده مهندس مدني، ووالدته أخصائية اجتماعية، وأخته مسافرة مع زوجها المدرس في دبي، وهو غير متعصب، ويؤدي عباداته بالتزام سلس، ويمارس ما يمارسه الشبان في السر أحيانا، ويستغفر، ويذهب إلى صالة الألعاب (الجـِمّ) أحيانا، لو أنك سألته عما يعرفه عن الهندوسية، أو البوذية، بِمَ سيجيبك؟
2) ولو أنك سألت زميله حسن محمد فاضل، (نفس السن) وهما عائدان من صلاة العصر في المسجد، عن رأيه أين ستذهب طنط تريزا (عمرها 65) سنة، أم صديقِهِما رياض فهمي رياض، سألته أين ستذهب طنط هذه بعد موتها؟ للجنة أم للنار؟ وهل هو اجتهد أن يبلغها ما يعتقد أنه الدين الصحيح جدا أم أنه قصر في ذلك، واحتمال أن تذهب للنار بسبب تقصيره هذا، لا بسبب أن أباها كان من دين آخر، ولماذا لم يبلغها الصواب جدا، بما أنه يحبها مثل أمه جدا، بل إن أمه قد أبلغته أنها قد أرضعته عددا من الرضعات، فبم سيجيبك؟
3) ولو أنك سألت فايزة عبد المسيح وهي فتاة مسيحية طيبة عمرها 19 سنة، متدينة، وليست متعصبة، "تتناول" كل أسبوعين أو ثلاثة، "وتعترف" كل شهرين أو أكثر، ولا تضع مساحيق فجة، وتشاهد "روتانا زمان" مع أمها، كما تشاهد "ميلودي هِتْس" وحدها، وتتقن حشو "الكوسة" دون أن تنثقب منها أية واحدة، وتسرح أحيانا فيما لا نعرف، لو أنك سألت هذه البنت التي جمالها فوق المتوسط، سألتها نفس الأسئلة، التي سألتها لأي من الشابين السابقين، مع التحويرات اللازمة للأسماء والضمائر، وتبادل مواضع الأديان في الأسئلة السابقة، بِمَ ستجيبك؟
4) لكن لو أنك سألت خالتي "أم حنّا" من بني سويف عن مصير جارتها "خالتي بهانة أم محمد"، لما احتجت أن تكمل سؤالك لأنها سوف تتعجب لسؤالك، وتقاطعك لتفهمك مدى اتساع رحمة ربنا لهما ولك.
وبعد؛
لو أنك عدت فسألت نفسك – عزيزي القارئ بعد إذنك – نفس الأسئلة أو مثلها، وكنت يقظا بما فيه الكفاية، فوجدت نفسك تجيب إجابات مختلفة عن رمضان الماضي، فهل ستفرح أم تنزعج وتستغفر؟
وأخيرا: لو أنك توجهت إلى الله سبحانه وتعالى –في هذه الأيام المفترجة- تسأله الرحمة والمغفرة عن كل ما اقترفتَ من أكاذيب على نفسك، فبم سيجيبك ربنا من وجهة نظرك؟
ولعلمك، فقد سألت نفسي مثل كل أصدقائي هؤلاء ومثلك، وجاءتني الإجابة أقرب إلى إجابة خالتي أم حنّا، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يرحمك ويرحمني بقدر ما اجتهدنا في الإجابة، وبقدر ما غامرنا بإزاحة ما كان قد وصلنا سابقا من أي مصدر مهما بلغ علو صوته ويقينه بعلمه أو معلوماته.
أما إذا كنتَ قد استندتَ في إجاباتك لغير ما وصلك من قلبك السليم، واعتمدت على ما بلغك ممن أفتى لك بعكس ذلك، فاحذر أن يتبرأ منك هذا الذي اتّبعتَه، فجعلك تخون فطرتك، وأسرع بتصحيح إجاباتك، لأنه لن تكون لك كَرَّةٌ كي تتبرأ منه كما تبرأ منك.
رمضان كريم.
22-8-2011
اقرأ أيضا:
وصية!! / الدورات السبع / أخبار اليوم تظهر في زفتا وتشكيل وعي الصغار / رمضان بين الامتناع والإبداع