كما هي العادة في أول يوم من أيام العيد، جمعنا مجلس يضم الأهل والأقرباء، استبدلنا به الزيارات الفردية لبعضنا البعض، ورأيناه أكثر أنسًا وودًا، وأشد إظهارًا لصلة الرحم، ولفرحة العيد، كان بستانًا جميلًا، لبعض الأهل...، انحاز النسوة إلى جانب منه فجلسن، واتخذ الرجال موضعًا آخر منه...
وبينما الرجال –دائمًا- يطرح أحدهم موضوعًا ما فيسكت الباقون ويستمع كلهم إليه باهتمام، ثم يشارك كل منهم في الحديث بدوره...، نرى النسوة –دائمًا ودون أن يفلح شيء في تغيير عادتهن- يتكلمن كلهن في وقت واحد، وكل منهن تتكلم في موضوع مختلف تحسب أنه أهم موضوع مطروح على الساحة، وإن كان شرحًا لما طبخته بالأمس!!! وإذ بالمكان أشبه "بحمام قطعت المياه عنه" -كما يقال-، فتختلط الأصوات وهي تصرخ في وقت واحد: (افتحوا المييي)....
وفي هذا الحمام، أقصد في هذا المجلس، طرح موضوع يستحوذ على الأذهان ويكبل الفكر منذ أشهر، وكلٌّ يستبطئ الفرج...
فقلت: اسمعن، لا تحسبن دعاءنا ذهب هباءً، ها هم يرسل الله تعالى عليهم جندًا من عنده، ولا يعلم جنود ربك إلا هو، ريحًا فعلت بهم ما فعلوا بنا: هدمت البيوت، قتلت الناس، شردت مئات الألوف، أدخلت الرعب إلى القلوب، قطعت الطرق، أوقفت السياحة، سببت خسائر بالمليارات!!! ولا أحد يمنع من قدر الله، ولا أحد يستطيع أن يعترض أو يوقف، لا جامعة عربية ولا أمريكية، ولا الأمم المتحدة، ولا الناتو!!
إنه الله الغالب الذي لا يغلب...
وبنظرات فيها بعض الأسى قالت إحداهن: هم هلكوا، لكن نحن....، متى سيفرج عنا؟
قلت: أما هم فظالمون نالوا جزاءهم، وأما نحن فمذنبون نلقى عقابنا، ولن يكشف عنا ما نحن فيه حتى نتوب!!!
فقالت: طيب وما هي ذنوبنا، ماذا نفعل؟ وقصدها أنها محتارة، لا تعلم ما هي الذنوب التي نقترفها، ولو عرفت لتابت منها ليكشف الله تعالى عنّا العذاب!!!
سكتّ ونظرت...، فإذا أكثرية الشابات في المجلس يلبسن ثياب الكاسيات العاريات، يضعن شيئًا على رؤوسهن أصفر وأحمر وأخضر ومن كل لون، والأصباغ علت الوجوه...، وما ثَمَّ إلا محجبات!!!
تكلمهن فتجدهن يحببن الله، ويتمنين رضاه، ولكنهن لا يرين بما يفعلن بأسًا، بل هن محجبات والحمد لله، لسن ممن تخرج وقد نسيت أن تلبس قبل أن تخرج....
أحبّ فيهن هذا الحب لمولاهن، ويجمعني معهنّ الحب له وفيه...، ولكن!!
الغريب أنهن يعلمن كلهن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ؛ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) [رواه مسلم]
وقبل أن أكمل أعزائي ممن يقرأ كلامي: لعل أحدكم تهمس له نفسه: بدأنا؟ مواعظ وتكفير وجهنم وتزمت وتشدد؟!!!
ولكني لا أنقل إلا كلام سيد المعتدلين، فلا تلوموني، كلامه هو الاعتدال الذي نقيس عليه، وما خالفه بإفراط أو تفربط هو الفسق أو التشدد...، ألستم معي في ذلك؟
أليس الثوب الضيق كسوة يكتسين بها؟ أليس يصف جسدهن وكأنهن عاريات لا يخفي منهن شيئًا، بل لهو –كما يعلق الرجال- أشد فتنة لهم من امرأة عارية، لما يخفيه من العيوب ويبديه من الزينة والجمال!!!
أليست هذه الثياب تأبى إلا أن تظهر تمايلهن في مشيتهن، وخاصة عند لبس (الكعب العالي)، فيملن، وتميل قلوب الرجال إليهن!!!
أليست تلك الأقمشة الملونة، التي يضعنها يتفنن في شكلها تكبيرًا وتعظيمًا، ورفعًا وخفضًا...، أليست كأسنمة الإبل المائلة؟؟
والعياذ بالله ما الجزاء؟!
وأتأمل في حكمة الجمع بين أصحاب السياط الذين يلهبون ظهور الناس ضربًا وبين النساء الكاسيات العاريات...، وأتساءل: أليست هذه النسوة يلهبن قلوب الرجال بما يفعلن؟؟ لهن أشد إيذاءً من أصحاب السياط! فالرجل لا يجد مهربًا منهن أينما ذهب! إلا إن كانت بناته وأخواته لا يلبسن هذا أمامه، وما أقل من تفعل هذا!!
همست في أذن إحداهن جانبًا وقد ضاقت ثيابها إلى حد تحسب معه أنها تلبس ثياب أختها الصغرى!!
قلت: كأن ثيابك هذه ضاقت عليك جدًا هذا اليوم! فقالت بتلعثم: كنت مستعجلة فلبستها بسرعة....، مممم ثم اليوم عيد!!! قلت: وهل تحسبين أن الرجال هنا خناثى؟!! أنهت الموضوع بخجل وذهبت...، لكن هل تغيّر؟ أرجو ذلك هذه المرة، وأرجو ألا تكون كالتي قبلها!!!
عجيب أن تجيبك إحداهن: أنا ألبس البنطال لأنه أكثر سترًا!!! وتحتج بأنها عندما تنزل من الحافلة لا تنكشف رجلها!!! قد انكشفت كلك رحمك الله! فماذا بقي لينكشف؟! ثم إن كان ما تركبينه هو "الميكرو"، ماذا سيكون منظرك للركاب من الخلف عندما تنحنين....، هو أشد سترًا وأمري لله...
أخرى تقول وهي من البدانة بحيث لا يستحسن منظرها في عقل ولا ذوق فضلًا عن دين وشرع، تقول لي: قد وجدته أكثر راحة لي...، فقلت لها: لكنه سيتعبك كثيييييييييرًا غدًا يوم القيامة!!! نظرت إلي وشردت قليلًا.... ثم لم تغير شيئًا ولم تحرك ساكنًا!!!
مهلًا رحمكم الله.... تطالبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يذكر الآن استجابة لرغبتكم...، فلا تتأففوا، ولا تتأففن...
وأهمس في أذن رجالنا: كيف طاب لك أن تخرج زوجتك، أو أمك، أو أختك، أو بنتك لينهشها الفساق بنظراتهم الدنيئة؟
أليست غالية عليك؟ ألست تحبها؟ ألا تتمنى الجنة لها؟ أترضى أن تلهب قلوب الرجال، ألا تخشى أن يؤدبك الله تعالى بإلهاب ظهرك؟؟؟ أرجو الله تعالى ألا يكون ذلك، وأن يردك إليه بلطائف الإحسان لا بعصا الامتحان.
لكن وا أسفاه على رجال يرضون هذا للنساء وإن كنّ يلذن به، ليتاح لهم نهش أجساد النسوة في الطريق....، يضحون بعرض بناتهم وزوجاتهم، ليشترون أجساد الأخريات...، ألا تخشى أن يؤدبك الله تعالى بانتهاك عرضك من قبل الآخرين، كما انتهكت أعراض النساء؟!!
لماذا لا نكون صريحين؟ أبعد الذي وصلنا إليه نخشى أن نتكلم؟
نعم نحن مذنبون، وأبدأ بنفسي...، لا أرضى أن ينظر إليَّ أحد على أني خير منه، -وإن كنت كما يحسب هو-، فلكل ذنبه الذي يحاسب عليه، والذنوب أنواع ودرجات، وكلنا مفتقرٌ إلى رحمة الله تعالى، ولعل تعاليًا يداخل قلبي وأنا أكتب هذه الكلمات يجعلني أسوأ منكم جميعًا!!
ولكني أحب -ووضعنا كما ترون-، والكل يرغب بالتغيير، وتتوافد الأسئلة إليّ: ماذا نفعل؟ وأرى في العيون، صدقًا، وأسمع في نبرة الصوت توبة ورغبة في الرجوع إلى الله...، أحب أن أدل الناس على طريق الفرج...، كفانًا كلامًا نضحك فيه على أنفسنا...، كفانًا تغافلًا عن ذنوبنا...، كفانا إلقاء اللوم على الآخرين...
إن الذي يأتي بالبلاء هو الذي يرفعه، أفلا اتجهنا إليه لرفعه؟ أفلا اتخذنا الأسباب لهذا؟
كم يومًا نأمن أن نبقى على وجه الأرض، سواء وجدت الفتن أم لا، وإن كان الأمر أشد وضوحًا أيام الفتن...،
وأظن أنه من أجلِّ النعم الباطنة فيما حلَّ بنا أنه يذكرنا الآخرة واللقاء برب الأرباب، والحساب يوم القيامة...،
يجعلنا نراجع أنفسنا وننظر، بماذا سنقابل الله تعالى إن رحلنا؟ هل عندنا أعمال يرضى عنها؟ أم سنقول: ربنا أعدنا حيث كنا، نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل، في ساعة لا ينفع فيها الندم، ولا تلبى رغبتنا مهما رجونا وصرخنا ودعونا...
إخوتي أفلا يجدر بنا أن نعود قبل أن يحلَّ الأجل؟
أخواتي: أفلم تحن الساعة التي تتغلبن فيها على نداء الهوى، وترين الله صدقكن وقوتكن وحبكن له متجسدًا بترك سبيل من لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؟؟؟
قد اجتمعنا اليوم والحب يعمر مجلسنا...، أفلا اتخذنا الأسباب لنجتمع سوية في جنات النعيم والأنس يغمر مجلسنا؟!
هذا ما جال في خاطري في عيد أقبل علينا بوجه مختلف عما كان يقبل عليه....، وكأنه يعاتبنا قائلًا: كيف تريدونني أن أفرحكم وقد أغضبتم ربي؟
وكل عام ونحن جميعًا بخير....
واقرأ أيضاً:
قانون التغيير والمطبخ النفسي / العبادة في الهرج / في هذه اللحظة
التعليق: "وقبل أن أكمل أعزائي ممن يقرأ كلامي: لعل أحدكم تهمس له نفسه: بدأنا؟ مواعظ وتكفير وجهنم وتزمت وتشدد؟!!!"
ماذا أفعل بكوني أعيش في تعليمي ومستقبلا في عملي في بيئة "غربية" حيث المناظر المحرمة والمغرية تعتبر شيء طبيعي بل ضروري بالنسبة لهم ... كيف يصبر الشاب المسلم الملتزم نفسه الى ان يحين وقت الزواج؟
وماذا يفعل الملتزم إذا كان المجتمع المسلم حوله تعرى من قيمه ودينه وأصبح من يعظ الناس معقدا رجعيا متزمتا بل مريضا نفسيا قد يحتاج إلى علاج نفسي!!
(يتبع)