أحببت أن أبقى طبيبا أضمد جراح شعبي وأخفف من معاناتهم، كما أحببت أن أكون كاتبا لعلي أفضح الجرائم التي ترتكب ضد وطني، وليس من أحلامي أن أصبح رئيسا أو حاكما ولا حتى ملكا؛ "خوفا من أن يغرني المُلك" وخصوصا بعدما عرفت مصير كل رئيس عربي، ولا تنسوا أنني عربي!!..
سمعنا برئيس عربي مخلوع، رئيس هارب، "سابق"، "أسبق"، "مات"، "مسجون"، لكن ها نحن للمرة الأولى نسمع عن رئيس (ضائع)، وغدا نسمع برئيس منتحر، وأخشى لو أصبحت رئيسًا حينها ماذا سيكون المسمى المجهز لي من شعبي؟..
لا والله ما كانت تلك المسميات إلا لحكام ارتضوا لأنفسهم الذل والعار، سلاطين باعوا دينهم وآخرتهم بثمن بخس، فقابلتها انتفاضة الشعوب التي تريد التحرر من العبودية بثورات عربية تقف أمام حكام مستبدين لتقتص منهم ذلك لأنهم احتكموا لدستور بريطاني وفرنسي وأمريكي وتركوا خلفهم الدستور العادل (كتاب الله) فأولئك هم الظالمون الفاسقون وحق عليهم غضب شعوبهم.
لقد أُزيلت الغشاوة عن الأعين وسقطت الأقنعة المزيفة عن الأوجه وأصبح هناك كلمة حق تُقال في وجه حاكم ظالم، وتشهد الساحات والميادين جميع الأبطال واقفين وما هم براكعين، رافعي رؤوسهم مهللين مطالبين بزوال المجرمين ومحاسبة السارقين.
ولكل يوم جمعة مسمى جديد فهناك جمعة "الغضب"، وجمعة "الرحيل"، و"تصحيح المسار"، و"تغيير المسار"، و"الشاكوش"، و"الخلع"، و"الزوال"، ولدينا العديد من الجمع بالانتظار حاملةً في طياتها العديد من الهتافات والمسميات.
إن حكامنا يظنون أنهم يحسنون إجادة كل الألعاب، فكانت لعبتهم الخاسرة والقاضية لأنهم شاركوا الشيطان (أمريكا وإسرائيل) في لعبتهم القذرة، واللاعب الآخر هو من ارتضى في البداية بمبادئ اللعب دون أن يعلم خفاياها وهو المغلوب على أمره (الشعب).
لقد أدار حكامنا لعبتهم بجنون ولم يحسبوا لخطواتهم أثناء اللعب، قتلوا الفيلة وسمموا الحصن وأبادوا الجنود وهدموا القلعة، وحرقوا الملعب، كل ذلك بل أكثر مما لا يتخيله البشر حفاظا على الملك (الكرسي).. ولكن في النهاية ربح الذين لم يتبعوا خطوات الشيطان.
ففي ملعب تونس ضاق الخناق على الملك وقيل له (كش ملك)، فلم يجد أي مخرج سوى الهروب محاولة منه لبدء لعبة جديدة في ملعب آخر، وفي الملعب المصري حوصر الملك في ملعب الميدان وانتهت اللعبة معه، ولكننا نخشى من حراس الملك أن يتابعوا اللعبة بالطريقة نفسها.
وبالنسبة للعب في ليبيا كانت اللعبة هزيلة ومبكية ولكن نهايتها كانت مضحكة لأنه وفي منتصف اللعب ضاع الملك.
وليس ملعب سوريا ببعيد فالملك ما زال يلتقط أنفاسه ويتبع أسلوبا آخر وهو إفراغ الملعب من اللاعبين قبل البدء بمراوغات اللعبة.
واليمن التي عاشت لسنوات طويلة في نعيمٍ وازدهار تحطمت الأحلام ودخلت اللعبة ولاعبوها -الآن تلونوا باللون الأحمر- والملك يتفرج عليهم من بعيد رافضا إنهاء اللعبة، ولا حتى الدخول في الملعب، وكيف العودة لحكمك يا بلقيس؟..
بدأت أحجار الشطرنج تتحول نارا على أصحابها الذين يحركونها؛ فإن التغيير بدأ خطواته في تونس الخضراء مرورا بمصر الكنانة ليس انتهاءً بأي دولة حتى تشرق شمس الحرية في كل شرق بأوسطنا.
أما تركيا فأدارت لعبتها بذكاء واحتراف؛ فهي تعلم أصول اللعبة وخطتها، فطردت من ملعبها من تشاركونه يا حكامنا العرب وسحبت لاعبها المحترف من ملعب الشيطان.
وأنتم يا من تزالون متمسكين بزمام اللعبة أديروها باحتراف واطردوا الشيطان من ملاعبكم ولا تتخذوه شريكا لكم وكونوا بجانب شعوبكم، واجعلوا اللعبة ودية وليست عدوانية، كونوا محصنين لقلاعهم، مربين لحصنهم، معززين لفيلتهم، راعين مصالح جنودهم غير متجاهلين آمالهم، ضاربين بعرض الحائط كل التهديدات، رافعي رؤوسكم بهمم أبنائكم، وامضوا قدما لإحداث إصلاحات جذرية في مجرى اللعبة وتعديلات على شركائكم في اللعب، وكفى أعواما عجافا ولتبدؤوا عهدا جديدا من الحرية والديمقراطية، ولتأتي الأعوام السمينة المليئة بالأمل والرخاء وتعم السكينة.
واقرأ أيضاً:
تونس... وماذا بعد؟