يوما بعد يوم تتكشف لي حقيقة أرجو أن تكون محض هلاوس، أو مجرد نظرة سلبية لنصف الكوب الفارغ، وهي أن ثورتنا التي يتأخر اكتمالها تفتقر إلى ثوريين حقيقيين... فهي تكاد أن تكون (ثورة بلا ثوريين)!!!
عندي حكايات ودلائل كثيرة على زعمي هذا، ومنها المشهد الحالي حيث تعلو أصوات كثيرة استنكارا وشجبا وتنديدا لما قامت به الأحزاب التي وقعت على وثيقة أو بيان صادر بالاتفاق مع المجلس العسكري، ويطرح خارطة طريق، أو خطة زمنية محددة التواريخ كما سبق وطالب كثيرون!!!
طبعا أفهم أسباب التنديد، لكنني أشير إلى مسألتين.. الأولى: وهي لهجة التخوين المتبادل واللعن والولولة التي لا أراها مناسبة لإدارة خلاف أو اختلاف في الشأن العام، وبخاصة من طرف أناس يزعمون أنهم نشطاء مدنيون، أي أنهم يحاولون على الأقل التخلص من أوهام امتلاك الحقيقة المطلقة، وألفاظ لغة تذكرنا بالتفكير وعصره!!!
ألاحظ غياب التمييز بين الحوار النقدي الذي يجتهد في إبراز الدفع المضادة، وتضعيف حجج المخالفين بمنطق يطرح رؤية مغايرة، من جهة، والصراخ المتشنج ضد هؤلاء المخالفين كمن يقذف خصومه بالبطيخ، وفارق كبير بين الثورة والبطيخ!!!
الأمر الثاني: أن المعترضين على هذا المسار، وتلك الخارطة لا يكادون يطرحون نهجا مغايرا لاستكمال الثورة يكونون هم المسئولون عنه وقادة السعي به، وتنفيذه على أرض الواقع، فقط يحتشدون أحيانا ويطالبون ويطالبون، وينددون، ويعترضون تارة على المجلس العسكري، وتارة على الأحزاب التي تتفاوض معه، ولا يدرون ربما أنهم بذلك إنما يؤكدون مركزية هذه الأحزاب وأهميتها، وسلطوية المجلس العسكري، وتحكمه!!!
وأبسط بديهيات الفكر والفعل الثوري أن نتجاوز هؤلاء وأولئك، وأمامنا الشارع المؤيد للثورة، والمعارضون لها... هم مساحة العمل الثوري الحقيقي تنظيما لجهود المؤيدين، وجهودا لكسب الآخرين!!!
البلد متوقف، وحياة الناس عبارة عن جحيم يومي مر كالعلقم، ومن يعتقدون أنفسهم ثوريين يتركون الشعب (صاحب المصلحة الحقيقية في الثورة) يئن، ويقع تحت طائلة العقاب اليومي من أجهزة الدولة، أو يصارعها منفردا في مظاهرات واعتصامات تسمى فئوية، وتجري على هامشي هذا تحقيقات ومحاكمات شكلية، والاقتصاد ينزف، وكل شيء متعثر... بلا حلول!!!
السلطة لا تريد، ولا تستطيع الحل لأسباب أعتقد (مجرد اعتقاد) أنها واضحة!!!
والشباب المتحمس للثورة يضرب أخماسا في أسداس، ويلعن أعداء الثورة، ومن اصطلح على تسميتهم بركاب الموجة، أو الثورة... دون أن يبدع خططا، أو برامجَ ثورية تشتبك مع الفعل اليومي، والواقع المزري للبلاد، بما يستكمل خطوات وأهداف الثورة وهذا العجز الواضح لا يدعو إلى الدهشة فقط، ولكن أيضا إلى الاستنتاج الذي أزعمه من أنها "ثورة بلا ثوريين"!!!
منطق الثورة في أساسه هو محاولة لإثبات إمكانية الفعل من خارج دائرة السلطة وليس صحيحا بإطلاق القول الذائع من أن الثورة تنتصر فقط حين يأتي الثوار إلى الحكم فهذا ـ كما أفهم ـ هو معيار، أو محدد واحد من محددات كثيرة لنجاح ثورة ما.
فالثورة تغيير، والتغيير ممكن ومطلوب في كل المساحات، والثورة أصلا تمرد حاد على فكرة أن التغيير الثوري لا يكون إلا من خلال السلطة السياسية، والوصول إليها، مع أهمية العمل في هذه المساحة طبعا.
ولا تبدو القوى الثورية قادرة على المنافسة في مسار الانتخابات، والسياسات الحزبية، وهذا مفهوم، لكنها تبدو أيضا غير قادرة على إبداع مسارات أخرى تؤمن لها نوعا من الالتفاف الشعبي، والتعبئة الشبابية، والإبداع والفعل التغييري المباشر والمفتقد، وهذا نقص فادح يستوجب تدخلا سريعا.
وبنظرة فاحصة يتبين للمراقب المتأمل أن الأصوات الأعلى في صفوف الثوار هي لنماذج من المحافظين المتدثرين بالعباءة الثورية، أو نماذج أخرى لشخصيات جاهزة للتهليل لأي فعل يبدو رافضا أو متمردا، ولو دون خطة أو خريطة أو برنامج لاستكمال الثورة، بل ويبررون هذا بغياب هكذا، ويعترفون به، أو من ينكرونه ويعتقدون أنفسهم بخلاف ذلك!!!
ليس لدي ما أضيفه غير أنه لا تنتصر ثورة بدون ثوريين، والله أعلم.
واقرأ أيضًا:
كلنا فلول