حكاوي القهاوي (95)
(441)
اللهم اغفر لقومي
في مرة من المرات اللي نزلت فيها الميدان، وأنا قاعد أستريح بأمر من نزلة برد استمرت معي طوال الصيف بسبب نقص المناعة الناتج عن حالة الاكتئاب التي سببها لي المجلس العسكري اللي بيسرق الثورة، المهم جلست أستريح وكان إلى جواري مجموعة من الشباب وسيدة فوق الأربعين بنت بلد. كان جيراني يتحدثون عن مواجعهم وإنْ الميدان مش هو الميدان اللي عاشوا فيه أيام الثورة. كان فيهم حزن شديد، واحد منهم قال بمنتهى الوجع إن أهالي الحتة بعد ما كانوا بيشيلوه على أكتافهم بعد الثورة، دلوقت بيقذفوه بالزبالة ويتريقوا عليه وعلى الثورة لأن الثورة ما عملتش لهم حاجة؛ الثورة باختصار طلعت كذبة والثوار كذابين. بصراحة مقدرتش أحتمل نبرة اليأس والانهزامية اللي في صوتهم وقررت أتدخل في الحديث، فلم أحتمل رؤية انهيار الروح القتالية للثوار، خفت على نفسي وع الثورة من اليأس اللي بدأ يتسرب لنا. تكلمت معاهم وقلت لهم كلمة واحده مش مسموح لكم باليأس، كل واحد فيكم قدامه حاجة واحدة بس مسموح له يعملها؛ إنه يكون جيفارا ويفضل في خندقه لغاية ما ينول الشهادة، مش مسموح لأي واحد فيكم غير إنه يكمل المشوار طول ما فيه نفس، ولو حد شتمه أو قذفه بالزبالة يقول "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". رد واحد منهم وقال ما تخافش اللي بنقوله مجرد كلام مش أكتر، ووقت الجد؛ وقت مصر ما تعوزنا، هنكون هنا أول ناس في الميدان ونواجه الموت من تاني.
(442)
ذوي الياقات البيضاء
في عصر الثورة الصناعية ومع بدء ظهور طبقة العمال المنتجة، قامت القوى الرأسمالية بهدف السيطرة على العمال بخلق طبقة جديدة؛ طبقة من العمال أنفسهم، أمرتهم بخلع العفريتة المليانة زيت ولبسوا قميص أبيض نضيف وكرافت وخلتهم طبقة وسيطة تتحكم في العمال وتسيطر عليهم ومش بعيد كمان تتكلم باسمهم إذا لزم الأمر بلغة ترضى عنها القوى الرأسمالية. صارت هذه الطبقة مع الوقت هي التي تتحكم في مقاليد أمور طبقة العمال. ولهذا جاءت تسمية هذه الطبقة بذوي الياقات البيضاء؛ يعني الناس النظيفة غير المتسخة بشحم الآلات التي يعملون عليها.
في بعض الأحيان أيضاً يبرز من بين طبقة العمال؛ مجموعة تسيطر على النقابات العمالية وتعلن أنها تتحدث بلسان العمال، فتخلع العفريتة وتلبس البدلة وتدعي أنها تتحدث عن مصالح العمال وفي حقيقة الأمر هم متواطئون مع الطبقة الرأسمالية الحاكمة ويخدمون أهدافها. حتى تصبح أنت من بين أولئك أو هؤلاء فيجب عليك أن تكون متحدثاً بارعاً، وهذا يعني أنك لو عامل مخلص لطبقة العمال ومؤمن بحقوقهم ولست فصيح اللسان فقد تخسر مقعد المتحدث باسم العمال. ولهذا أيضاً يسهل على كل بارع في الكلام حتى لو كان كاذباً أو كما يطلقون عليه في هذه الأيام لقب "حنجوري" أن يتقلد مقعد المتحدث الرسمي باسم العمال.
هذا بالضبط ما حدث للثورة المصرية إذ تسلق عليها كل حنجوري سواء كان حنجوري إسلامي أو حنجوري غير إسلامي. فأثناء جلوسي بجوار شباب التحرير المحبط تحدثوا عن هؤلاء الذين صاروا يتحدثون عن الثورة ويظهرون على شاشات التليفزيون باعتبارهم شباب ثوار التحرير في حين أنهم لم يشاهدونهم يوماً في التحرير. وهنا قالت السيدة بنت البلد، عارفين دول مين؟ دول الشباب اللي ظهروا في الآخر ومسكوا المقشات وقعدوا ينضفوا الميدان وتصورهم الفضائيات. هنا عرفت أن الثورة وربما المجلس العسكري نفسه خلق طبقة تلبس ياقات بيضاء غير متسخة مثل ملابس الثوار ليتحدثوا باسم الثوار وربما ليقرروا هم ماذا يقال ومتى يقال. وبالتأكيد أيضاً يمكن أن ينضم لهؤلاء كل حنجوري فصيح. المشكلة أن الثوار الحقيقيون قد لا يجيدون الحديث ولا يملكون فصاحة اللسان وهذا لا يعيبهم، ولكن لهذا السبب لم يستطع هؤلاء الثوار صانعي الثورة أن يكونوا في المقدمة لأنهم لا يملكون فصاحة اللسان والوجاهة والحضور على شاشات التليفزيون. ولا يخفى على الجميع أن كثيرا من الرؤساء إن لم يكن جميعهم لا يكتبون خطبهم، فهم يختارون فصيحاً يكتبها لهم وهم فقط يلقونها، فلو ترك كل زعيم ليكتب خطابه لشعبه لما بقي زعيم.
أثناء جلوسي في الميدان إلى جوار هؤلاء الثوار المحبطين، مر عليهم واحد منهم صافحوه بقوة؛ كان لابساً بدلة شيك وكرافت؛ لم تكن هيئته كهيئة هؤلاء الثوار البسطاء الذين يجلسون إلى جواري. قال لهم الرجل إنه أتى في عجالة وسيذهب، قال إنه مدعو ليلقي كلمة من على منصة السلفيين، سيقولها وسيرحل فوراً. نظرت إليه وقلت في نفسي هذا نموذجاً لهذه الطبقة من ذوي الياقات البيضاء الذين يتحدثون باسم الثوار وقد يكونون منهم وقد لا ينتمون لهم بالمرة؛ ولكنهم حتماً يملكون فصاحة اللسان، أو بلغة العصر أنهم يملكون أدوات التواصل الجيد التي تسمح لهم بأن يعملوا مندوبي مبيعات الثورة أو مندوبي مبيعات لسلعة اسمها المصالح الشخصية. لقد امتلأت شاشات الفضائيات بأمثال هؤلاء فمنهم من يبيع لنا كلاماً عن الثورة بلحية وجلباب، وآخرون خلعوا الجلباب واستبدلوه بالبدلة وأبقوا على اللحية، وغيرهم أدعى أنه ليبرالي ولا لحية له. كل هؤلاء يتفقون في شيء واحد أنهم يملكون فصاحة اللسان ومهارة الركوب على الثورة. كل هؤلاء يملكون شيء واحد أن طبقة العسكر قد وجدت فيهم ضالتها ليحققوا بهم مصالحهم.
لقد أتت الأحداث الأخيرة بدءاً من أحداث محمد محمود ثم أحداث مجلس الوزراء لتسقط كل هؤلاء ممن ذوي الياقات البيضاء، لهذا نجدهم وقد اختفوا من على الساحة ولم يعد لهم وجود. كما اكتشف المجلس العسكري أن هؤلاء لا يصلحون للحديث باسم الثوار ليصافحهم ويتفق معهم؛ فوقع الجميع في ربكة شديدة لا يعرفون سبيلاً للخروج منها. عندما أدرك المجلس أنه لا وجود للحية بين الثوار حاول أن يرسل لهم بعض من ذوي الياقات البيضاء من أمثال مصطفى النجار وعمرو حمزاوي للتفاوض ولكن لم يعد لدى هؤلاء سيطرة على كلاب الشوارع، لهذا فشلت المفاوضات وستفشل. لم يفكر المجلس في التفاوض مع هؤلاء الثوار مباشرة أو مع نواره نجم وهي منهم وهي من تملك فصاحة اللسان وقوة الحضور. فنواره لا تصلح أن تكون من ذوي الياقات البيضاء؛ فلا يمكن إغرائها أو الضغط عليها؛ فهي المجنونة بنت المجانين. لهذا أتمنى أن يعلن الثوار في مجلس الوزراء أن من يريد التفاوض فعليه بالحديث إلى نواره ونواره فقط؛ وذلك حتى تفشل المفاوضات ويستمر ضغط الثوار حتى يسقط المجلس العسكري.
(443)
متآمر وحمار
ادعى السفهاء من المجلس العسكري أن سبب الأزمة كرة سقطت في حديقة المجلس؛ ذهب عبودي ليحضرها فجرى ما جرى من أحداث. ولكن شهد عبودي شهادته ليتضح كذب هؤلاء فقد أطلق عليه الضابط النيران من مسدسه، فكشفت شهادة عبودي أن المجلس ليس أكثر من "متآمر وحمار". أيضاً علق معتز عبد الفتاح المدافع دائماً عن المجلس العسكري، أول أمس في حلقة برنامج "ف الميدان" على رواية المجلس؛ ولأول مرة يقولها معتز عبد الفتاح ضمناً وليس صراحة أن المجلس العسكري لص يسعى لسرقة الثورة، ويؤكد على أن المجلس العسكري ليس أكثر من "متآمر وحمار".
ثم جاء الحديث المسجل والموجود على اليوتيوب والذي يرتب فيه الضابط مع مجموعة من البلطجية خطة الهجوم على الثوار، ليعلن الضابط للبلطجية أنهم هم الذين أرسلوا للثوار وجبات "الحواوشي" المسممة. لقد تخوف البلطجية الأذكى من الضابط، في المكالمة المسجلة من أن تفضحهم الفضائيات أثناء هجومهم على الثوار، بينما لم يخشى الضابط؛ وأخذ يطمئنهم ولم يشك حتى في أن هناك من يسجل كل ما يدور بينهم من حديث ليضعه على اليوتيوب. لقد كشفت لنا هذه المكالمة أن الخطة هدفها إنهاء إعتصام هؤلاء الثوار من أمام المجلس، ولم يدرك سيادة الضابط ومن وضع له الخطة أن النتيجة الحتمية ستكون مثلما حدث في محمد محمود؛ المزيد والمزيد من الثورة. لم يدرك سيادة الضابط هذه الحقيقة لأنه ببساطة مثله كمثل قادته الذين أرسلوه "متآمر وحمار".
(444)
سقوط الرمز
كنت أظن أن العلاقة بين الجيش المصري والشعب المصري لا تختلف عن علاقة الجيش التونسي والشعب التونسي. كنت أظن أنها علاقة كما وصفتها من قبل أنها علاقة زواج شرعي على سنة الله ورسوله وأن المجلس سيقوم بالتزاماته تجاه هذا الشعب ولا يمكن له أن يقبل بقتل أبنائه. ولكن للأسف ثبت أن العلاقة بين الجيش المصري والشعب المصري هي علاقة "رفق"، يقضي فيها الجيش نزواته وينظر إلى الشعب باحتقار لأن هذا الشعب قَبِل بأن يُفعل به ذلك. وإذا ما قيل له لقد اغتصبت مصر؛ يرد في وقاحة شديدة كوقاحة كل مغتصب "هي اللي عايزة كده، هي اللي أغوتني". لهذا أرجو الشرفاء من رجال الجيش ممن يؤمنون أنها علاقة شرعية أن يطهروا أنفسهم من هذا الدنس. نعم كان يساورني بعض الشك في طهارة هذه العلاقة إذ أني كنت شاهد عيان على اعتداء الجيش على المتظاهرين في انتفاضة يناير عام 77؛ ولكني كنت أُكَذِب نفسي وأقول إنها مرة وعدت خاصة أنها كانت في أعقاب حرب أكتوبر وسيطرة السادات على عقول ضباط الجيش بوصفه قائد حرب العبور. ولكن يبدو أنني على خطأ وأن العلاقة بين الجيش والشعب قد تكون مشبوهة ويجب أن توضع مادة في الدستور تمنع رئيس الجمهورية من الزج بالجيش في صدام مع الشعب يكون فيه الجميع خاسر لسقوط الجيش الرمز.
(445)
خايف عليكِ يا نواره
أنا عارف إنك مش خايفة على نفسك، عارف إنك شفتِ الموت قدامك وهو بيخطف كل زمايلك على يد مبارك والعسكر، عارف إن مفيش حاجة تفرق أو لها معنى عندك غير إن الطريق اللي بدأتوه يكمل، عارف إنك مش راح تسمعي كلمة لحد غير يسقط يسقط حكم العسكر. بس لو سمحتي الكلاب بقت مسعورة أكتر مما تتخيلي؛ وممكن تنهش في لحمك الحي، لو سمحتي علشان خاطر مصر خلّي بالك من نفسك وما تمشيش لوحدك؛ أمشي في وسط مجموعة ولازم تنتبهي لبدران يا أدهم.
(446)
عيالك يا مصر ما بتخلصش
اللي مش عايز يخرج ما يخرجش بس علشان خاطر النبي محدش يقول إنْ اللي قدام مجلس الوزراء دول بلطجية مش ثوار. اللي مش عايز يخرج ما يخرجش، مش محتاج يخترع مبرر علشان ضميره قدام نفسه يستريح ويرضى يبص على نفسه في المرايا من غير ما يتف. الثورة دي ثورة شعب دمها متجدد وكل يوم بينضم لها ثوار جداد، الثورة دي ثورة شعب بكل طوايفه بدءاً من بثينة وحرارة ومالك ونوارة وعلاء، ولغاية الواد طربة تاجر الحشيش اللي نفسه البلد تنضف ويتوب عن بيع الصنف وياكل بالحلال. اللي مش عايز ينزل في ستين داهية ما ينزلش؛ فيه غيره بينزل، واللي أسقط مبارك شوية عيال وعيالك يا مصر ما بتخلصش.
19/12/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (97)
واقرأ أيضاً:
يوميات أيام الثورة.. 1"لا تبتئسوا" / وجوه مصرية في التحرير / سلفي فوبيا / الديمقراطية بعيون سلفية / من قتل الشيخ؟ / حكاوي القهاوي
(441)
اللهم اغفر لقومي
في مرة من المرات اللي نزلت فيها الميدان، وأنا قاعد أستريح بأمر من نزلة برد استمرت معي طوال الصيف بسبب نقص المناعة الناتج عن حالة الاكتئاب التي سببها لي المجلس العسكري اللي بيسرق الثورة، المهم جلست أستريح وكان إلى جواري مجموعة من الشباب وسيدة فوق الأربعين بنت بلد. كان جيراني يتحدثون عن مواجعهم وإنْ الميدان مش هو الميدان اللي عاشوا فيه أيام الثورة. كان فيهم حزن شديد، واحد منهم قال بمنتهى الوجع إن أهالي الحتة بعد ما كانوا بيشيلوه على أكتافهم بعد الثورة، دلوقت بيقذفوه بالزبالة ويتريقوا عليه وعلى الثورة لأن الثورة ما عملتش لهم حاجة؛ الثورة باختصار طلعت كذبة والثوار كذابين. بصراحة مقدرتش أحتمل نبرة اليأس والانهزامية اللي في صوتهم وقررت أتدخل في الحديث، فلم أحتمل رؤية انهيار الروح القتالية للثوار، خفت على نفسي وع الثورة من اليأس اللي بدأ يتسرب لنا. تكلمت معاهم وقلت لهم كلمة واحده مش مسموح لكم باليأس، كل واحد فيكم قدامه حاجة واحدة بس مسموح له يعملها؛ إنه يكون جيفارا ويفضل في خندقه لغاية ما ينول الشهادة، مش مسموح لأي واحد فيكم غير إنه يكمل المشوار طول ما فيه نفس، ولو حد شتمه أو قذفه بالزبالة يقول "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". رد واحد منهم وقال ما تخافش اللي بنقوله مجرد كلام مش أكتر، ووقت الجد؛ وقت مصر ما تعوزنا، هنكون هنا أول ناس في الميدان ونواجه الموت من تاني.
(442)
ذوي الياقات البيضاء
في عصر الثورة الصناعية ومع بدء ظهور طبقة العمال المنتجة، قامت القوى الرأسمالية بهدف السيطرة على العمال بخلق طبقة جديدة؛ طبقة من العمال أنفسهم، أمرتهم بخلع العفريتة المليانة زيت ولبسوا قميص أبيض نضيف وكرافت وخلتهم طبقة وسيطة تتحكم في العمال وتسيطر عليهم ومش بعيد كمان تتكلم باسمهم إذا لزم الأمر بلغة ترضى عنها القوى الرأسمالية. صارت هذه الطبقة مع الوقت هي التي تتحكم في مقاليد أمور طبقة العمال. ولهذا جاءت تسمية هذه الطبقة بذوي الياقات البيضاء؛ يعني الناس النظيفة غير المتسخة بشحم الآلات التي يعملون عليها.
في بعض الأحيان أيضاً يبرز من بين طبقة العمال؛ مجموعة تسيطر على النقابات العمالية وتعلن أنها تتحدث بلسان العمال، فتخلع العفريتة وتلبس البدلة وتدعي أنها تتحدث عن مصالح العمال وفي حقيقة الأمر هم متواطئون مع الطبقة الرأسمالية الحاكمة ويخدمون أهدافها. حتى تصبح أنت من بين أولئك أو هؤلاء فيجب عليك أن تكون متحدثاً بارعاً، وهذا يعني أنك لو عامل مخلص لطبقة العمال ومؤمن بحقوقهم ولست فصيح اللسان فقد تخسر مقعد المتحدث باسم العمال. ولهذا أيضاً يسهل على كل بارع في الكلام حتى لو كان كاذباً أو كما يطلقون عليه في هذه الأيام لقب "حنجوري" أن يتقلد مقعد المتحدث الرسمي باسم العمال.
هذا بالضبط ما حدث للثورة المصرية إذ تسلق عليها كل حنجوري سواء كان حنجوري إسلامي أو حنجوري غير إسلامي. فأثناء جلوسي بجوار شباب التحرير المحبط تحدثوا عن هؤلاء الذين صاروا يتحدثون عن الثورة ويظهرون على شاشات التليفزيون باعتبارهم شباب ثوار التحرير في حين أنهم لم يشاهدونهم يوماً في التحرير. وهنا قالت السيدة بنت البلد، عارفين دول مين؟ دول الشباب اللي ظهروا في الآخر ومسكوا المقشات وقعدوا ينضفوا الميدان وتصورهم الفضائيات. هنا عرفت أن الثورة وربما المجلس العسكري نفسه خلق طبقة تلبس ياقات بيضاء غير متسخة مثل ملابس الثوار ليتحدثوا باسم الثوار وربما ليقرروا هم ماذا يقال ومتى يقال. وبالتأكيد أيضاً يمكن أن ينضم لهؤلاء كل حنجوري فصيح. المشكلة أن الثوار الحقيقيون قد لا يجيدون الحديث ولا يملكون فصاحة اللسان وهذا لا يعيبهم، ولكن لهذا السبب لم يستطع هؤلاء الثوار صانعي الثورة أن يكونوا في المقدمة لأنهم لا يملكون فصاحة اللسان والوجاهة والحضور على شاشات التليفزيون. ولا يخفى على الجميع أن كثيرا من الرؤساء إن لم يكن جميعهم لا يكتبون خطبهم، فهم يختارون فصيحاً يكتبها لهم وهم فقط يلقونها، فلو ترك كل زعيم ليكتب خطابه لشعبه لما بقي زعيم.
أثناء جلوسي في الميدان إلى جوار هؤلاء الثوار المحبطين، مر عليهم واحد منهم صافحوه بقوة؛ كان لابساً بدلة شيك وكرافت؛ لم تكن هيئته كهيئة هؤلاء الثوار البسطاء الذين يجلسون إلى جواري. قال لهم الرجل إنه أتى في عجالة وسيذهب، قال إنه مدعو ليلقي كلمة من على منصة السلفيين، سيقولها وسيرحل فوراً. نظرت إليه وقلت في نفسي هذا نموذجاً لهذه الطبقة من ذوي الياقات البيضاء الذين يتحدثون باسم الثوار وقد يكونون منهم وقد لا ينتمون لهم بالمرة؛ ولكنهم حتماً يملكون فصاحة اللسان، أو بلغة العصر أنهم يملكون أدوات التواصل الجيد التي تسمح لهم بأن يعملوا مندوبي مبيعات الثورة أو مندوبي مبيعات لسلعة اسمها المصالح الشخصية. لقد امتلأت شاشات الفضائيات بأمثال هؤلاء فمنهم من يبيع لنا كلاماً عن الثورة بلحية وجلباب، وآخرون خلعوا الجلباب واستبدلوه بالبدلة وأبقوا على اللحية، وغيرهم أدعى أنه ليبرالي ولا لحية له. كل هؤلاء يتفقون في شيء واحد أنهم يملكون فصاحة اللسان ومهارة الركوب على الثورة. كل هؤلاء يملكون شيء واحد أن طبقة العسكر قد وجدت فيهم ضالتها ليحققوا بهم مصالحهم.
لقد أتت الأحداث الأخيرة بدءاً من أحداث محمد محمود ثم أحداث مجلس الوزراء لتسقط كل هؤلاء ممن ذوي الياقات البيضاء، لهذا نجدهم وقد اختفوا من على الساحة ولم يعد لهم وجود. كما اكتشف المجلس العسكري أن هؤلاء لا يصلحون للحديث باسم الثوار ليصافحهم ويتفق معهم؛ فوقع الجميع في ربكة شديدة لا يعرفون سبيلاً للخروج منها. عندما أدرك المجلس أنه لا وجود للحية بين الثوار حاول أن يرسل لهم بعض من ذوي الياقات البيضاء من أمثال مصطفى النجار وعمرو حمزاوي للتفاوض ولكن لم يعد لدى هؤلاء سيطرة على كلاب الشوارع، لهذا فشلت المفاوضات وستفشل. لم يفكر المجلس في التفاوض مع هؤلاء الثوار مباشرة أو مع نواره نجم وهي منهم وهي من تملك فصاحة اللسان وقوة الحضور. فنواره لا تصلح أن تكون من ذوي الياقات البيضاء؛ فلا يمكن إغرائها أو الضغط عليها؛ فهي المجنونة بنت المجانين. لهذا أتمنى أن يعلن الثوار في مجلس الوزراء أن من يريد التفاوض فعليه بالحديث إلى نواره ونواره فقط؛ وذلك حتى تفشل المفاوضات ويستمر ضغط الثوار حتى يسقط المجلس العسكري.
(443)
متآمر وحمار
ادعى السفهاء من المجلس العسكري أن سبب الأزمة كرة سقطت في حديقة المجلس؛ ذهب عبودي ليحضرها فجرى ما جرى من أحداث. ولكن شهد عبودي شهادته ليتضح كذب هؤلاء فقد أطلق عليه الضابط النيران من مسدسه، فكشفت شهادة عبودي أن المجلس ليس أكثر من "متآمر وحمار". أيضاً علق معتز عبد الفتاح المدافع دائماً عن المجلس العسكري، أول أمس في حلقة برنامج "ف الميدان" على رواية المجلس؛ ولأول مرة يقولها معتز عبد الفتاح ضمناً وليس صراحة أن المجلس العسكري لص يسعى لسرقة الثورة، ويؤكد على أن المجلس العسكري ليس أكثر من "متآمر وحمار".
ثم جاء الحديث المسجل والموجود على اليوتيوب والذي يرتب فيه الضابط مع مجموعة من البلطجية خطة الهجوم على الثوار، ليعلن الضابط للبلطجية أنهم هم الذين أرسلوا للثوار وجبات "الحواوشي" المسممة. لقد تخوف البلطجية الأذكى من الضابط، في المكالمة المسجلة من أن تفضحهم الفضائيات أثناء هجومهم على الثوار، بينما لم يخشى الضابط؛ وأخذ يطمئنهم ولم يشك حتى في أن هناك من يسجل كل ما يدور بينهم من حديث ليضعه على اليوتيوب. لقد كشفت لنا هذه المكالمة أن الخطة هدفها إنهاء إعتصام هؤلاء الثوار من أمام المجلس، ولم يدرك سيادة الضابط ومن وضع له الخطة أن النتيجة الحتمية ستكون مثلما حدث في محمد محمود؛ المزيد والمزيد من الثورة. لم يدرك سيادة الضابط هذه الحقيقة لأنه ببساطة مثله كمثل قادته الذين أرسلوه "متآمر وحمار".
(444)
سقوط الرمز
كنت أظن أن العلاقة بين الجيش المصري والشعب المصري لا تختلف عن علاقة الجيش التونسي والشعب التونسي. كنت أظن أنها علاقة كما وصفتها من قبل أنها علاقة زواج شرعي على سنة الله ورسوله وأن المجلس سيقوم بالتزاماته تجاه هذا الشعب ولا يمكن له أن يقبل بقتل أبنائه. ولكن للأسف ثبت أن العلاقة بين الجيش المصري والشعب المصري هي علاقة "رفق"، يقضي فيها الجيش نزواته وينظر إلى الشعب باحتقار لأن هذا الشعب قَبِل بأن يُفعل به ذلك. وإذا ما قيل له لقد اغتصبت مصر؛ يرد في وقاحة شديدة كوقاحة كل مغتصب "هي اللي عايزة كده، هي اللي أغوتني". لهذا أرجو الشرفاء من رجال الجيش ممن يؤمنون أنها علاقة شرعية أن يطهروا أنفسهم من هذا الدنس. نعم كان يساورني بعض الشك في طهارة هذه العلاقة إذ أني كنت شاهد عيان على اعتداء الجيش على المتظاهرين في انتفاضة يناير عام 77؛ ولكني كنت أُكَذِب نفسي وأقول إنها مرة وعدت خاصة أنها كانت في أعقاب حرب أكتوبر وسيطرة السادات على عقول ضباط الجيش بوصفه قائد حرب العبور. ولكن يبدو أنني على خطأ وأن العلاقة بين الجيش والشعب قد تكون مشبوهة ويجب أن توضع مادة في الدستور تمنع رئيس الجمهورية من الزج بالجيش في صدام مع الشعب يكون فيه الجميع خاسر لسقوط الجيش الرمز.
(445)
خايف عليكِ يا نواره
أنا عارف إنك مش خايفة على نفسك، عارف إنك شفتِ الموت قدامك وهو بيخطف كل زمايلك على يد مبارك والعسكر، عارف إن مفيش حاجة تفرق أو لها معنى عندك غير إن الطريق اللي بدأتوه يكمل، عارف إنك مش راح تسمعي كلمة لحد غير يسقط يسقط حكم العسكر. بس لو سمحتي الكلاب بقت مسعورة أكتر مما تتخيلي؛ وممكن تنهش في لحمك الحي، لو سمحتي علشان خاطر مصر خلّي بالك من نفسك وما تمشيش لوحدك؛ أمشي في وسط مجموعة ولازم تنتبهي لبدران يا أدهم.
(446)
عيالك يا مصر ما بتخلصش
اللي مش عايز يخرج ما يخرجش بس علشان خاطر النبي محدش يقول إنْ اللي قدام مجلس الوزراء دول بلطجية مش ثوار. اللي مش عايز يخرج ما يخرجش، مش محتاج يخترع مبرر علشان ضميره قدام نفسه يستريح ويرضى يبص على نفسه في المرايا من غير ما يتف. الثورة دي ثورة شعب دمها متجدد وكل يوم بينضم لها ثوار جداد، الثورة دي ثورة شعب بكل طوايفه بدءاً من بثينة وحرارة ومالك ونوارة وعلاء، ولغاية الواد طربة تاجر الحشيش اللي نفسه البلد تنضف ويتوب عن بيع الصنف وياكل بالحلال. اللي مش عايز ينزل في ستين داهية ما ينزلش؛ فيه غيره بينزل، واللي أسقط مبارك شوية عيال وعيالك يا مصر ما بتخلصش.
19/12/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (97)
واقرأ أيضاً:
يوميات أيام الثورة.. 1"لا تبتئسوا" / وجوه مصرية في التحرير / سلفي فوبيا / الديمقراطية بعيون سلفية / من قتل الشيخ؟ / حكاوي القهاوي