مقدمة عامة
إن أعراض الكآبة (الاكتئاب) شائعة وقد تجتمع بمفردها في الإنسان عند تشخيص مرض الكآبة أو قد تكون موجودة في الأفراد المصابين بأمراض نفسية أخرى وغير نفسية. في جميع الأحوال هنالك توجه عام عند الطبيب النفسي وغير النفسي لوصف عقاقير مضادة للكآبة عند شكوى المريض أحياناً من أعراض مرض الكآبة حتى وإن كانت لا تزيد على الاثنين.
أصبح استعمال هذه العقاقير شائعًا لدرجة أنها تحتل المرتبة الثانية بعد العقاقير المضادة للتقرح المعدي في عدد الوصفات الطبية في جميع أنحاء العالم الغربي. هذا المقال يتناول استعمال العقاقير في الآشخاص المصابين للكآبة دون التطرق إلى مرض الكآبة وتصنيفاته المتعددة وأسبابه وطرق علاجه بدون العقاقير.
لفهم استعمال العقاقير ضد الاكتئاب هنالك ثلاثة قواعد لا بد من التطرق اليها:
١- المسار الطولي النموذجي لمرض الكآبة.
٢- قياس أعراض الكآبة.
٣- الأدلة العلمية لفعالية العقاقير.
هناك الآلاف من الأبحاث العلمية التي تم أجراؤها على المرضى المصابين بالكآبة التي أثبتت بأن هذه العقاقير تساعد المرضى على اجتياز مرحلة الكآبة، غير أن الدليل العلمي هو أقوى للعقاقير القديمة من الحديثة وربما لطول مدة استعمالها طبيًا.
أما قياس أعراض الكآبة فهو ضرورة قلما يلتزم بها الطبيب النفسي وغير النفسي قبل وبعد وصف هذه العقاقير، على عكس علاج ارتفاع ضغط الدم مثلا حيث يتم قياس الضغط قبل وبعد العلاج لمعرفة درجة ارتفاع الضغط. على ضوء ذلك لابد من استعمال مقياس معين عند علاج الكآبة إما من الطبيب المعالج أو المريض نفسه، وهنالك العديد منها المتوفر عبر الإنترنت في يومنا هذا.
أما المسار الطولي النموذجي فهنالك أربعة مسارات هي:
١- ما يقارب الثلث من الحالات نوبة اكتئاب لا تقل عن أسبوعين ولا تتجاوز السنة الوحدة. تتكرر هذه النوبات كل بضعة أعوام. تستجيب هذه الحالات للعلاج في أكثر الحالات بصورة كاملة..
٢- ٣٠ − ٣٥ ٪ : لا توجد كأبة مزمنة ويبدأ المرض بنوبة حادة تستجيب جزئيا للعلاج، قد تتكرر النوبات الكبيرة بين الحين والآخر. قلما تستجيب هذه الحالات للعلاج بصورة كاملة.
٣- ٢٥ ٪ : كآبة مزمنة لعدة سنوات. يصاحبها نوبات حادة قلما تستجيب للعلاج بصورة مرضية3. تعرف أحياناً بالكآبة المزدوجة Double Depression .
٤- ٣٪ : كأبة مزمنة لعدة سنوات تتضاعف بحالة اكتئاب شديدة، ولكن عند العلاج يتم الشفاء من الكآبة تماما.
بالطبع هنالك قاعدة رئيسية لا يمكن التغافل عنها وهي أن المريض قد يشفى من نوبة الكآبة تلقائياً مع الزمن، فلذلك لابد من تأكيد ذلك للمريض حتى لا يفقد الأمل.
يمكننا الاستنتاج بأن نسبة الاستجابة الكاملة للعلاج بالعقاقير المضادة للكآبة لا تتجاوز ال ٥٠٪ في أحسن الأحوال وفي غضون عام من العلاج، ولذلك لابد من الاستعانة بغير العقاقير للسيطرة على والشفاء من الاكتئاب.
مراحل العلاج
بعد استعمال العقاقير هنالك مراحل خمسة:
١- مرحلة الاستجابة Response.
٢- مرحلة الهدأة (أو الانحسار) Remission.
٣- مرحلة الشفاء Recovery.
٤- مرحلة النكسة (أو الانتكاس) Relapse.
٥- مرحلة التكرار Recurrence.
يعني بمرحلة الاستجابة هو تحسن أعراض الكآبة بنسبة ٥٠٪ وهي تحدث دوماً في الأسابيع الأربعة الأولى من العلاج، أو أكثر من ذلك إذا كانت الكآبة مزمنة. أما مرحلة الهدأة فهي عودة المريض إلى حالة نفسية قبل الإصابة بالمرض. أما الشفاء فهو استمرار حالة الهدأة لفترة لا تقل عن ٦ أشهر. وأما مرحلة النكسة فهي عودة أعراض الكآبة في مرحلة الهدأة. وأما التكرار فهو عودة الكآبة بعد الشفاء.
ترى أن فترة علاج الكآبة تتفاوت بين مريض وآخر وتعتمد كذلك على خبرة الطبيب المعالج وفنه في استعمال هذه العقاقير. القاعدة العامة بأن كلما كانت الأعراض مزمنة كلما استوجب ذلك فترة علاج أطول والتريث في استبدال العقار بآخر.
نموذج علاج الكآبة بالعقاقير
يعتمد هذا النموذج4 على أن مزاج الإنسان يتحكم فيه مادتان هما السيروتونن Serotonin والنورأدرينالين Noradrenaline في أجزاء متعددة من الدماغ.
- السيروتونن يتحكم في: السلوك الجنسي، العنف، الشهية، وعتبة التهور.
- آلنورادرينالين يتحكم في: الانتباه، التركيز، الطاقة الشخصية، الاندفاع.
- كلاهما يتحكم في: القلق، النوم، الأوجاع العامة، القدرة الفكرية، المزاج، التعلم.
على ضود ذلك فإن العلاج بالعقاقير غايته زيادة تركيز المادتين أعلاه أو إحداهما للتخلص من الكآبة.
العقاقير المضادة للكآبة
بالطبع أكثر العقاقير شيوعاً في علاج الكآبة هي مثبطات إعادة قبط السيروتونن الانتقائية أو SSRI ، أو مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية، واختصارا ( م.ا.س.ا ) والحقيقة أن هذا التعبير غير دقيق علمياً فهذه الأدوية غير انتقائية. شاع استعمال هذا التعبير بفضل شركة إيلاي للي الأمريكية في أيام بث دعاية عقار الفلوكستين أو المشهور أيامها بالبروزاك Prozac في الثمانينياث. أحدث العقار أيامها ضجة أقرب إلى الهستيريا بكون العلاج لا يحمل أية خطورة إذا تناول المريض جرعات كبيرة منه لغرض الانتحار على عكس الأدوية القديمة، وبالطبع لم ينتبه أحد إلى أدق التفاصيل العلمية الكيمائية للعقار وانتهى الأمر بأن تعبير ال SSRI دخل جميع قواميس اللغات الشرقية والغربية. على ضوء ذلك فإن التصنيف الأدق لهذه العقاقير الشائعة الاستعمال من ناحية فعاليتها هو:
١- مثبطات إعادة قبط النورأدرينالين Noradrenaline Reuptake Inhibitors.
مثل النور تربتالين Nortryptylline والمابروتلين Maprotiline.
٢- مثبطات إعادة قبط السيروتونن SRI Serotonin Reuptake Inhibitors. أو (مثبطات استرجاع السيروتونين واختصارا (م.ا.س))
مثل الفلوكستين Fluoxietine، السيتالوبرام Citalopram، سيرترالين Sertraline، الباروكستين Paroxetine، و الفينالافكسين Venlafxine.
٣- مثبطات إعادة قبط السيروتونن والنورأدرينالين SNRI أو مثبطات استرجاع السيروتونن والنورأدرينالين واختصارا (م.ا.س.ن).
مثل الفينالافاكسين Venlafaxine ، الدلوكستين Duloxietine، الأميترابتلين Amitryptylline، الدوكسبين Doxepin ، الإميبرامين Imipramine ، والترايمبرامين Trimipramine .
٤- عقاقير قبل وبعد الوصلة العصبية Pre- and post synaptic Inhibitors.
الميرتازابين Mirtazapine
٥- مثبطات قبط الدوبامين Dopamine Reuptake Inhibitors أو مثبطات استرجاع الدوبامين واختصارا (م.ا.د)
البوبروبيون Bupropion
٦- أدوية مشتركة الفعالية.
الأمكسوبين Amoxapine، الكلوميبرامين Clomipramine والترازودون Trazadone.
٧- أدوية فعالة عبر الميلاتونين: أكلوميلاتين Agolamealtine.
هنالك أدوية أخرى قلما تستعمل في يومنا هذا رغم أن لها تاريخها في الاستعمال الطبي مثل ال MAOI أو مثبطات أكسيداز أحادي الأمين (أو مثبطات مؤكسد أحادي الأمين واختصارا م.م.ا.مين) والملاحظات التالية تتعرض للأدوية الشائعة الاستعمال الآن. دون ذلك العقار لأنه إما قليل الاستعمال أو في طريقه إلى الاندثار.
ملاحظات عامة
تشترك العقاقير: نورتربتالين، مابروتلين، اميترابتلين، دوكسبين، اميبرامين، ترايمبرامين، والكلوميبرامين وغيرها كثير في أنها عقاقير ثلاثية الحلقة Tricyclic Antidepressant كيميائياً. هذه العقاقير أعراضها الجانبية متعددة وتتضاعف مع زيادة الجرعة. أما المشكلة الأكبر فإن تناول جرعة أسبوعين لغرض الانتحار فهي قاتلة. كذلك تتميز هذه العقاقير بأنها قد تؤدي إلى حدوث نوبات الصرع عند بعض المرضى (٦٪) وأسوأ العقاقير في ذلك هو المابروتلين وكذلك الكلوميبرامين. أما العقار الأخير فهو من أكثر العقاقير فعالية، وله موقعه في علاج الوسواس القهري. وتستعمل هذه العقاقير في أمراض شتى ولكن بجرعات صغيرة وأقل بكثير من الجرعات الشائعة في علاج الكآبة.
عقاقير التنصيف الثاني SSRI
هذه العقاقير هي الأكثر استعمالاً في يومنا هذا1 والسبب في ذلك هو الأمان في تعاطي جرعات كبيرة وليس لأن فعاليتها أقوى من الأدوية القديمة. ويعتبر علاج السيتالوبرام أكثرها شهرة في السنوات الأخيرة حيث كان هو العقار المستعمل في دراسة علمية طويلة المدى في الولايات المتحدة التي تعرضت لدراسة علاج الكآبة على المدى البعيد. وقد استنتجت هذه الدراسة بأن لا فائدة من زيادة جرعة الدواء أكثر من ٤٠ مغم يوميا، وهذه هي الجرعة القصوى الآن للدواء في الغرب مع الإشارة إلى أن الجرعات الأعلى فيها بعض الخطورة على التنظيم الكهربائي للقلب. كذلك عند عدم الاستجابة للدواء يمكن استبدال هذا العقار بعقار آخر من نفس الفصيلة أو إضافة عقار لتنظيم المزاج إن تطلبت الحالة ذلك. ونسبة الاستجابة لهذه العقاقير لا تتجاوز الـ ٥٠٪، وهنالك احتمال زيادة النسبة مع الوقت إلى الـ ٦٥٪ تقريباً لمن يستمر في العلاج6.
السؤال الذي احتار فيه الأطباء هو مدة استمرار العلاج، حيث أن هناك البعض من المرضى يستمرون على العلاج لعدة سنوات. في هذه الحالة هناك ظاهرة مرضية تم ملاحظتها في بعض المرضى تتميز بالتالي:
١- زيادة في الوزن.
٢- خمول دائم.
٣- فقدان الحافز.
وهذه الأعراض تمثل تحديا للطبيب المعالج الذي يحتار بين زيادة جرعة الدواء للتخلص من احتمال وجود أعراض للكآبة أو سحب العقار تدريجياً للتخلص من أعراض جانبية للدواء. هنا يكمن فن الطبيب بالتوصل إلى حل لهذه المعضلة الطبية.
الفينالافكسين
لا يزال هذا الدواء يعتبر من الأدوية الفعالة في علاج الكآبة الشديدة غير أن موقعه في تصنيف العقاقير المضادة للكآبة يعتمد على الجرعة المستعملة. ففي جرعات أقل من ١٥٠ مغم يصنف ضمن الـم.ا.س.ا، وفي الجرعات الأعلى من ذلك يصنف ضمن المجموعة الثالثة والتي تعرف بالـم.ا.س.ن، ولهذا العقار مضاعفات تشبه إلى حد كبير المجموعة الثانية ويضاف إليها ارتفاع في ضغط الدم مما يستوجب مراجعة طبية منتظمة5.
الميرتازابين
يتميز هذا الدواء بنعومته عل الشهية والنوم في جرعات أقل من ٣٠ مغم ليلاً. يحسن النوم ويزيد الشهية والوزن. ونادراً ما يؤثر على فعالية الكبد بصورة مؤقتة تختفي عند التوقف عن استعمال الدواء. أما استعماله الأكثر شيوعاً فهو كعقار إضافي إلى العقاقير الأخرى، وفعاليته في التخفيف أو التخلص من ظاهرة متلازمة التوقف أو أعراض الانسحاب التي تحدث عند سحب عقاقير الم.ا.س.ا والم.ا.س.ن. كذلك يتميز هذا الدواء عن غيره بأنه لا يتسبب في أعراض جانبية سلبية على الفعالية الجنسية عكس جميع الأدوية أعلاه، وإضافته إلى العقاقير الأخرى قد تحسن الفعالية الجنسية عند الرجال والنساء.
الترازودون
فعالية هذا الدواء كمضاد للكآبة هو بجرعة لا تقل عن ٣٠٠ مغم، وبصراحة سيقضي المريض بعدها معظم وقته في النوم ليلاً ونهاراً. يستعمل بجرعات تتراوح بين ٥٠ إلى ٢٠٠ مغم للمساعدة في النوم.
ويعتبر هذا الدواء الوحيد من ضمن الأدوية أعلاه الذي لا يؤثر سلبياً على مرضى الصَرْع. غير أن له عرض جانبي نادر جداً ولكنه خطير وهو النعوظ المستمر أو انتصاب القضيب المؤلم Priapism الذي يؤدي إلى عجز جنسي دائم إذا لم يعالج بسرعة.
الدلوكستين
يتميز هذا الدواء بأنه من أحدث الأدوية بعد الأكلوميلاتين. وفعالية الدواء مشابهة للفينلافكسين إلى حد ما، ولكنه يتميز بفعاليته في التخفيف من آلام الأعصاب المحيطية2.
الخلاصة:
١- إن ما ورد أعلاه هو نظرة ملخصة، وعامة على موقع العقاقير المضادة للكآبة طبياً الآن. الأعراض الجانبية لمعظم الأدوية يمكن الاطلاع عليها في كل مكان.
٢- إن استعمال هذه العقاقير يستوجب مراجعة طبيب عام في جميع الأحوال. أما حالات الاكتئاب الشديدة والمزمنة فتستوجب مراجعة طبيب أخصائي.
٣- رغم أن الشفاء من الكآبة قد يتم طبيعياً وتلقائيا، إلا أن مضاعفات حالات الاكتئاب قد تكون مأساوية أحياناً ولا بديل لغير العلاج.
٤- تشكل العقاقير واحدا من أهم أجزاء العلاج ولكنها بمفردها غير كافية للتخلص من المرض في الكثير من الحالات.
٥- نسبة الاستجابة للعلاج في بداية الأمر لا تتجاوز الـ ٤٠ ٪ ولكن هذه النسبة ترتفع إلى ما يقارب الـ ٦٥ ٪ مع مرور الوقت.
المصادر
1. Ferguson, G. (2001). SSRI Antidepressant Medications: Adverse Effects and Tolerability. Prim Care Companion J Clin Psychiatry.3(1) 22 – 27.
2. Gaynor, P.; McCarberg, B.; Zheng, W.; Shoemaker, S.; Duenas, H. (2011). Weight Change With Long Term Use of Duloxietine in Chronic Painful Conditions. Int. J Clin Practice. 65(3): 341-349
3. Klein, D.; Stewart, S.; Shankman, S. (2006). Ten year Prospective Study of the naturalistic course of Dysthymic Depression and Double Depression. Am J Psychiatry. 163: 872-880.
4. Krishnan, V; Nestler EJ. (2008) The molecular neurobiology of depression. Nature. Oct 16 ;455(7215):894-902.
5. Mease, P.; Zimetbaum, P.; and others (2011). Epidemiologic Evaluation of Cardiovascular Risk in Patients Receiving Milnacipran, Venlafaxine, or Amitriptyline. The annals of pharmacotherapy. 45(2). 179- 188.
6. Trivedi; M.; Rush, J.; Others (2006). Evaluation of Outcomes with Citalopram for Depression Using Measurement based-care in STAR* D: Implications for Clinical Practice. Am J Psychiatry. 163: 28-40.
واقرأ أيضاً:
حكاية الماس والماسا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة / حكاية الماس والماسا؟ الآثار الجانبية / حكاية الماس والماسا: علاج الآثار الجنسية / قلق الم.ا.س.ا ومضادات القلق